مجموعات النفط الخليجية تلجأ إلى شركات ناشئة في مسعى لاحتجاز الكربون

075847 01: A citizen walks along a waterfront oil refinery plant December 10, 1987 in Saudi Arabia. (Photo by Liaison)

وسط ضغوط متزايدة للمساهمة في معالجة أزمة التغير المناخي، تلجأ مجموعات الطاقة الخليجية إلى شركات ناشئة في مجال تكنولوجيا المناخ لتساعدها في الحدّ من الانبعاثات الضارة من دون أن يؤثر ذلك على إنتاج النفط.


لسنوات، روّج منتجو النفط لتقنية احتجاز الكربون قبل انتقاله إلى الغلاف الجوّيّ كحلّ للاحترار المناخي.

لكن خبراء المناخ ينتقدون هذه التقنية معتبرين أنها قد تشتت الانتباه عن الهدف الأساسي المتمثل بخفض الانبعاثات التي يتسبب بها الوقود الأحفوري.

لم تحظَ التقنية سوى بالقليل من الاستثمار وليست معتمدة سوى في بعض المنشآت حول العالم، لذلك لا تزال بعيدة جدًا عن إحداث فرق في مستوى الانبعاثات العالمية.

إلا أنّ كبرى شركات انتاج الطاقة في المنطقة وعلى رأسها “أرامكو” السعودية و”أدنوك” الإماراتية، تقول إن هذا الوضع سيتغيّر، في وقت تستضيف الإمارات في نهاية العام مؤتمر الأمم المتحدة للأطراف حول المناخ (كوب28) مع رسالة مفادها أنه ينبغي خفض الانبعاثات بدلًا من تقليص استخدام الوقود الأحفوري.

وقال الرئيس التنفيذي لدائرة الحلول المنخفضة الكربون والنمو الدولي في “أدنوك” مصبح الكعبي لوكالة فرانس برس “بالنسبة للقطاع وللدول أيضًا، لا أرى أنه بإمكاننا تحقيق صافي الانبعاثات الصفري بحلول 2050، بدون اعتماد (تقنية) احتجاز الكربون”.

وأضاف “أودّ أن أرى المزيد من طاقة الرياح والطاقة الشمسية، لكن لكي أكون عمليًا وشفافًا، فإن ذلك لن يحلّ المشكلة”.
وشكلت تقنية احتجاز الكربون موضوعًا أساسيًا في ملتقى الإمارات لتكنولوجيا المناخ الذي عُقد مؤخرًا في أبوظبي، مقرّ مجموعة أدنوك.

وعرضت شركات ناشئة كثيرة التطوّرات التي أُحرزت في تقنية “الالتقاط والتخزين” (CCS) التي تزيل ثاني أكسيد الكربون من المصدر أي من محطات توليد الكهرباء والمصانع الكبيرة، وتخزّنه تحت الأرض.

وكانت هناك شركات أخرى تعرض تقنية أحدث هي “الالتقاط المباشر من الهواء” (DAC) التي تستخرج ثاني أكسيد الكربون مباشرةً من الغلاف الجوي.

ويقول خبراء الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ التابعة للأمم المتحدة إن بدون استخدام تقنية التقاط الكربون، فإن منشآت الوقود الأحفوري القائمة ستدفع الاحترار إلى تجاوز عتبة 1,5 درجة مئوية مقارنة بحقبة ما قبل الثورة الصناعية.

بدأ الجدل بين ما إذا كان ينبغي تقليص استخدام الوقود الأحفوري أم الانبعاثات، يتحوّل الى نقطة تجاذب أساسية في مؤتمر كوب28، المقرر عقده في دبي من 30 تشرين الثاني/نوفمبر وحتى 12 كانون الأول/ديسمبر.

خلال ملتقى الإمارات لتكنولوجيا المناخ، استشهد رئيس كوب28 الإماراتي سلطان أحمد الجابر، وهو رئيس شركة “أدنوك”، بتقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، للقول إن الوقت حان “لنصبح جادين بشأن تقنيات احتجاز الكربون”.

غير أنّ الخبراء البيئيين يخشون من الدور المركزي الذي تسعى شركات الطاقة الكبرى إلى تأديته في حلول أزمة المناخ، مشيرين إلى مصلحتها في الحفاظ على مبيعات الوقود الأحفوري.

واعتبر مدير البرامج في فرع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لمنظمة “غرينبيس” البيئية جوليان جريصاتي، أن “تقنيات (تقليص انبعاثات) الكربون هي ملهاة” مؤكدًا أن “الطريقة الوحيدة لمعالجة التغيّر المناخي بشكل صحيح هي من خلال التخلص التدريجي والمعجّل والعادل من كافة أنواع الوقود الأحفوري“.

غير أنّ الكعبي أكّد أن القدرات الهندسية للشركة العملاقة وميزانيّاتها القويّة تجعلها في وضع أفضل لدفع تكنولوجيا المناخ إلى آفاق جديدة.

وقال إن “أمام العالم خيارين: يمكننا ترك الأمر للاعبين الصغار أو جعل اللاعبين الكبار يسرّعون عملية إزالة الكربون”.

عام 2016، أطلقت شركة “أدنوك” مشروع “الريادة” التجاري وهو أول منشأة في المنطقة لالتقاط الكربون واستخدامه وتخزينه وتبلغ قدرتها على احتجاز الكربون ما يعادل 800 ألف طن سنويًّا.

في العالم، هناك فقط 35 منشأة تجارية تستخدم تقنية التقاط الكربون وتخزينه، بحسب وكالة الطاقة الدولية التي تشير إلى أن حتى تلك التي من المقرر إنشاؤها بحلول عام 2030، لن تلتقط سوى جزء صغير من الانبعاثات.
من بين الشركات الناشئة التي كانت حاضرة في ملتقى الإمارات لتكنولوجيا المناخ، شركة “44.01” العمانية، الحائزة جائزة “إيرث شوت” البريطانية التي تكافئ المشاريع التي تقدم حلولاً لأزمة المناخ، لتطويرها تقنيّة تزيل بشكل دائم ثاني أكسيد الكربون عن طريق تحويله إلى معدن في صخور البيريدوتيت.
وقال الرئيس التنفيذي للشركة طلال حسن إن “التغيّر المناخي هو تحدٍ ملحّ وكي نتمكن من رفع هذا التحدي علينا التحرّك سريعًا”.
وأكد لوكالة فرانس برس أن “الشراكات مع شركات النفط والغاز تساعدنا في التحرّك سريعًا”.

أبرمت الشركة العمانية شراكة مع مجموعة “أدنوك”، لإنشاء موقع لاحتجاز الكربون وتحويله إلى معدن في إمارة الفجيرة في الإمارات، في أول مشروع من هذا النوع تقوم به شركة طاقة في الشرق الأوسط.

وأوضح حسن أن “في طنّ واحد من البيريدوتيت، يمكن تحويل على الأرجح بين 500 و600 كيلوغرامات من ثاني أكسيد الكربون إلى معدن (…) هذا يعني أنه مع الصخور الموجودة في المنطقة فقط، يُمكن تحويل تريليونات الأطنان” من الكربون إلى معدن.

واعتبر حسن أن شركات انتاج الطاقة تعدّ شريكًا ملائمًا إذ “إننا نستخدم الكثير من نفس المعدّات والبنية التحتية والأشخاص والموارد”. وأضاف “هذا الأمر سيساعدنا في تسريع تطوير” التقنية مشيرًا إلى أن سرعة التنفيذ “مهمّة للغاية”.

كذلك، استثمرت “أرامكو” السعودية، وهي من بين أكبر شركات النفط في العالم، في شركة “كربون كلين” لإزالة الكربون ومقرّها بريطانيا، التي طوّرت تقنية تُعتبر كلفتها مقبولة نسبيًا لالتقاط الكربون من مداخن المنشآت القائمة.

وستنشر الشركة التي تملك 49 منشأة حول العالم، أحدث تقنياتها في الإمارات هذا العام، في ما سيشكلّ أول مشروع لها في الشرق الأوسط.

وردًا على سؤال حول منطق إقامة شراكات مع شركات النفط، أجاب المدير التنفيذي لـ”كاربون كلين” أنيرودا شارما بالقول “إذا كنتُ رجل إطفاء وكان هناك حريقان – حريق كبير والآخر صغير – فإلى أي منهما أذهب أولًا؟”.

وختم بالقول “بالطبع، إلى الحريق الكبير”.

Exit mobile version