شددت محكمة الاستئناف بالرباط ليل الخميس الجمعة أحكاما بالسجن بحق ثلاثة متهمين في ملف اغتصاب طفلة حسبما أفاد صحافي في وكالة فرانس برس، وهي قضية كانت قد أثارت صدمة في المغرب وخارجه بسبب حكم مخفف في المرحلة الابتدائية.
ورفعت المحكمة عقوبة المتهم الرئيسي من عامين إلى 20 عاما سجنا نافذا، فيما شددت عقوبة متهمين آخرين من 18 شهرا إلى 10 أعوام سجنا.
وقال أحد وكلاء الدفاع عن الضحية سناء (12 عاما) عبد الفتاح زهراش للصحافة “نحن مرتاحون لهذا الحكم الذي أنصف الضحية، لكننا لم نفهم لماذا حكم بـ10 أعوام سجنا فقط للمتهمين الآخرين”.
وأوضح أن دفاع الضحية “سوف يطعن في الحكم لدى محكمة النقض بعد التشاور مع عائلة الضحية”.
في وقت سابق الخميس استمعت المحكمة لهذه الطفلة في جلسة مغلقة، أكدت خلالها أنها تعرّضت لاغتصاب متكرر نتج عنه مولود، وفق ما قال محاميها محمد الصبار.
تعود الوقائع للعام الماضي حيث لم يكن عمرها يجاوز 11 ربيعا في منطقة ريفية قرب مدينة تيفلت بضواحي العاصمة.
بعدما تقدّمت عائلتها بشكوى، أدين في 20 آذار/مارس ثلاثة راشدين بتهمتي “التغرير بقاصر” و”هتك عرض قاصر بالعنف”.
لكنّ العقوبة الأولية لم تتجاوز السجن عامين لأحدهم و18 شهراً للآخرين.
وأثار الحكم الذي كشفت عنه ناشطات حقوقيات استياء واسعا في المملكة باعتباره مخففا إلى حد كبير. وقد أعاد إلى الواجهة مطالب بمراجعة التشريعات وتشديد العقوبات في قضايا الاعتداءات الجنسية على القاصرين والنساء عموما.
قبل بدء جلسة المحاكمة عند حوالى منتصف نهار الخميس ظهرت الضحية في بهو المحكمة برفقة والدها وجدّتها.
وبدت صامتة وجسمها نحيل “إذ ما تزال غير مستوعبة لكل ما حدث من هول الصدمة، رغم أنّها استعادت الابتسامة نسبيا”، وفق المسؤولة في جمعية “إنصاف” أمينة خالد التي تدعمها منذ علمها بالقضية.
في وقت سابق الخميس أنكر المتّهمون الثلاثة أمام محكمة الاستئناف كلّ الجرائم التي دينوا بارتكابها أمام محكمة البداية.
ووقفوا أمام هيئة المحكمة مطأطئي الرؤوس قبل أن يستجوبهم القاضي.
وواجه الأخير المتّهم الرئيسي بنتائح تحليل الحمض النووي للطفل الذي وضعته سناء، مؤكّداً أنّ هذه النتائج “أثبتت بنسبة 99 بالمئة” أنّه والد الطفل.
لكنّ المتّهم ظلّ يكتفي بالإجابة “لا أعلم”، رغم إلحاح القاضي عليه بوجوب إعطائه “جواباً منطقياً”.
وحضر أكثر من 20 محامياً ونشطاء حقوقيون لمؤازرة الضحية في هذه القضية التي أثارت اهتماما إعلاميا، وتعاطفا واسعا مع الضحية.
وجدّد محامو الطرف المدني في مرافعاتهم ملتمس تأييد الإدانة في حقّ المتّهمين، لكن مع تشديد العقوبات “إلى حدها الأقصى”.
وقال وكيل الدفاع عنها محمد الصبار “لا نحتاج لمناقشة الوقائع نحن مع الحكم الابتدائي من حيث مبدأ الإدانة (…) وللمحكمة واسع النظر”.
قبل أن يضيف “لكن هذا الحكم قد يدفع الكثير من الضحايا إلى أن يتساءلوا حول جدوى اللجوء للعدالة (…) إنه زارع لليأس ويُفقِد الضحايا أي أمل، لقد عاقب الضحية بدل الجناة”.
من جهته، طلب دفاع المتهمين الثلاثة “البراءة نظرا لتناقض تصريحات الضحية”.
والتمس ممثل النيابة العامة عند استئناف الجلسة ليلًا “توقيع أقصى العقوبات في حقّهم”.
وأضاف “لو كان النص يسعفني لالتمستُ حكم الإعدام” بحق المتّهمين “المذنبين أمام الله وأمام المجتمع (…) أطلبُ الرحمة لطفلة هُتكت طفولتها”.
في الجلسة المغلقة التي تخللت هذه المحاكمة المطولة، كانت المحكمة استمعت أيضا لطفلة قاصر (15 عاما) باعتبارها شاهدة إدانة ضد أحد المتهمين. ورغم تراجعها عن شهادتها، وفق ما أوضح محامون، إلا أن المحكمة اقتنعت بالإدانة وشددت العقوبات في حقهم.
إضافة إلى ذلك رفعت المحكمة قيمة التعويضات المستحقة للضحية من حوالى 5 آلاف دولار إلى نحو 14 ألفا.
لكن دفاعها التمس أيضا أن “تتكفل وزارة الأسرة والمرأة والتضامن بها ماديا إلى حين بلوغها سن الرشد”.
وفضلاً عن الرعاية الطبية والاجتماعية، استطاعت الضحية ارتياد المدرسة “للمرة الأولى” بمساعدة جمعية “إنصاف”، وفق ما أوضحت المسؤولة فيها أمينة خالد.
وأعرب نشطاء حقوقيون يساندون الضحية عن أملهم في أن يؤدي النقاش الذي أثارته هذه القضية إلى مراجعة التشريعات، تعزيزا لحماية الضحايا وضمانا لعدم الإفلات من العقاب.
وسبق أن انتقدت منظمات حقوقية مغربية في قضايا متفرقة خلال الأعوام الماضية أحكاماً اعتُبرت مخفّفة ضدّ متّهمين باعتداءات جنسية على قاصرين.