من يصنع الإنجاز… ومن ‏يبدده؟

بقلم: نبيل عمرو

مرت على فلسطين أيام هامة ‏في احداثها ومدلولاتها وقعت ‏في شهري رمضان وايار، ‏كانت فيها المواجهات مع ‏الاحتلال شعبية بامتياز، ‏واقتربت في تأثيرها الى ‏حدود الندية، وارغمت الدولة ‏العبرية المتباهية دوما بقوتها ‏وتفوقها على اتخاذ إجراءات ‏بلغت حد ما فوق التعبئة ‏العامة والشاملة، بما في ذلك ‏استحداث قوى مسلحة جديدة ‏لم يفكر فيها من قبل، كل ‏ذلك حدث على جبهة ‏الخصم.‏


اما على الجبهة الفلسطينية ‏التي تشكو دائما من اختلال ‏موازين القوى التقليدية مع ‏الخصم، فقد حدث ما لم يكن ‏متوقعا، اذ تبلورت وحدة ‏شعبية شاملة داخل الوطن ‏وكانت بمثابة عزل معنوي ‏للانقسام وقواه والمستثمرين ‏فيه، ثم استعادة القضية ‏الفلسطينية لحضورها بعد ان ‏كادت تنسى في زمني ‏كورونا وأوكرانيا، وقبل ذلك ‏زمن الربيع العربي ‏والانقسام الفلسطيني، كما ‏حدث امر يمكن وصفه ‏بالانقلاب الإيجابي على ‏مستوى الرأي العام العالمي ‏الذي – وخصوصا- حيال ‏موقعة شيرين أبو عاقلة، بلغ ‏ذروته على نحو نافس ‏الاهتمام بالحرب على ‏أوكرانيا وتفاعلاتها التي ‏شملت الكون كله.‏

ذهب أيار ورمضان وفي ‏الوقت الذي هدأ فيه ‏الفلسطينيون ضاعف ‏الإسرائيليون من اجراءاتهم ‏شديدة القسوة، وكأنهم ‏يعاقبون الناس على ما ‏فعلوا… تضاعفت اعداد ‏المشاركين في “مسيرة ‏الاعلام”، وتضاعفت اعداد ‏مقتحمي الأقصى وأعلنت ‏حرب شعواء على العلم ‏الفلسطيني أينما رفع، ناهيك ‏عن ما يعتبر حدثا يوميا ‏نمطيا وهو المزيد من ‏مشاريع الاستيلاء ‏والاستيطان.. ‏

مقابل هذا الاستثمار ‏الإسرائيلي… ماذا فعلت ‏الطبقة السياسية الفلسطينية ‏وأين وصلت.؟

أطلق الرئيس عباس صرخة ‏للصبر حدود، واعلن ‏المقربون منه ان القيادة ‏بصدد اتخاذ قرارات حاسمة ‏تضع حدا لما يجري، نهض ‏موقف تحدٍ لبعض الوقت ‏غير انه انطفأ في اليوم ‏التالي، كان ذلك بفعل اتصال ‏هاتفي اجراه الوزير بلينكن، ‏تلته زيارات لمبعوثين ‏أمريكيين وتصريحات لا ‏تحمل حرفا جديدا عن كل ما ‏قيل أمريكيا في عهد الرئيس ‏بايدن، وقيل على لسان ‏السلطة ان القيادة توقفت عن ‏اتخاذ القرارات الحاسمة ‏لاعطاء الديبلوماسية ‏الامريكية فرصة.. ما يدعو ‏للتساؤل من يعطي الفرصة ‏لمن.؟

لو توقفت الأمور عند هذا ‏الحد لقلنا ان القدرات ‏المتواضعة للسلطة تحتم ‏سياسات متواضعة، غير ان ‏ما حدث وكان الأكثر لفتا ‏للنظر هو مرض السيد ‏الرئيس، وكيفية تعامل ‏المستوى الرسمي معه.‏

‏ لا اريد الدخول في تحليل ‏موسع للاخطاء الفادحة التي ‏ارتكبت في معالجة هذه ‏المسألة التي لو حدثت في ‏مكان اخر لعولجت بفاعلية ‏وهدوء، الا ان ما حدث فعلا ‏على هامش حكاية المرض ‏التي تركت للمخيلة الشعبية ‏كي تؤلف وقائعها، هو ‏اشغال المجتمع كله بقضية ‏الوراثة وطرح سيناريوهات ‏رعب متخيلة حول الاقتتال ‏الحتمي الذي سينشب بين ‏المتصارعين على الخلافة، ‏ولمزيد من الاثارة وجذب ‏الفضول انتجت بورصة ‏أسماء مرشحة للاقتتال تحت ‏عنوان من الاحق، ومن الذي ‏يمتلك فرصة افضل من ‏الاخرين، ومن تقف إسرائيل ‏معه ومن تفضله أمريكا من ‏يرتاح له الإقليم، ومن… ‏ومن .. ومن، وهذه ‏البورصة انتجت اليات ‏عجيبة غريبة لافراز رئيس ‏وكلها غير منطقي دون ‏القول غير شرعي، ذلك ان ‏المختلفين على انتخابات ‏مجلس قروي وتوزيع ‏المسؤوليات فيه، لن يتفقوا ‏على رجل يقود الشعب كله ‏لمجرد اجتماع لفصيل او ‏عدة فصائل.‏

الوضع الفلسطيني بصورته ‏الراهنة، يشبه وعاءً مثقوبا ‏لو صبت فيه كل مياه الكون ‏فلن يجمع شيئا، وأسأل الله ‏ان أكون أخطأت في عنوان ‏هذه المقالة، ومن لديه غير ‏ذلك فليأتنا به.‏

Exit mobile version