بقلم د.أسامه الفرا
شعر قادة إسرائيل في فبراير عام 1992، بنشوة النصر حين تمكنت طائراتها الحربية من إستهداف سيارة الأمين العام لحزب الله عباس الموسوي أثناء عودته من قرية جبشيت جنوب لبنان بعد المشاركة في إحياء ذكرى اغتيال الشيخ راغب حرب، وعملية الاغتيال تلك التي راح ضحيتها الأمين العام لحزب الله فيها نجاح استخباراتي رافقه نجاح في التنفيذ من قبل الطائرات الحربية، والأهم بالنسبة لإسرائيل أنها بإغتيال الموسوي تعزز فلسفتها العسكرية المبنية على نظرية الردع وقدرتها على فعل ما تريد وقتما تريد وكيفما تريد، والموسوي بجانب أنه يقف على رأس تنظيم حزب الله وأحد القادة المؤسسين له فقد كانت تربطه علاقة وطيدة مع العمل النضالي الفلسطيني سيما وأن نشأته النضالية كانت في دورات أمنية خاصة في معسكر الهامة ومخيم اليرموك لها رشحه لها القائد الفتحاوي أبو علي إياد.
في اليوم التالي لعملية اغتيال الموسوي كتب الصحفي وعميد المراسلين العسكريين “زئيف شيف” مقالاً في جريدة هآرتس يقول فيه بأنه من المبكر تقييم عملية الاغتيال، هو يعلم أن العملية بمقياسها الأمني والعسكري ناجحة، لكنه يعرف أيضاً أن النجاح والفشل لا يخضع للتقييم اللحظي بقدر ما يرتبط بالبعد الإستيراتيجي لنتائجه، ولو قدر له اليوم ليكتب من جديد تقييمه لعملية الاغتيال تلك لما تردد في وصفها بالفاشلة سيما وأنها شكلت نقطة إنطلاق لتنامي قوة حزب الله، وبغض النظر إن كنا نتفق مع سياسة حزب الله أم نختلف معها جملة وتفصيلاً فالمؤكد أن عملية الاغتيال تلك جاءت بنتائج مغايرة للتقييم الأولي لقادة الاحتلال لها.
بعد أن أعطت قوات الاحتلال الضوء الأخضر للمستوطنين بتدنيس المسجد الأقصى، وإستنفرت قواتها لحماية غلاة التطرف من المستوطنين وعلى رأسهم الإرهابي ايتمار بن غفير، قد يعتقد قادة الاحتلال بأنهم نجحوا في تنفيذ مسيرة الأعلام رغم التهديدات القوية التي أطلقتها الفصائل الفلسطينية، فلم تطلق الصواريخ من غزة ولم يسجل أي حدث أمني من الجبهة اللبنانية ولم تكن هناك عملية فدائية داخل الكيان، وبذلك قد يعتقد قادة الاحتلال بأنهم نجحوا في فرض إرادة التطرف لديهم، لكن من السذاجة تقييم الأمر على هذا النحو ومن المبكر جداً الحكم على الأحداث بظاهرها.
المؤكد أن الغطرسة الإسرائيلية وإنجراف قيادة الاحتلال خلف المتطرفين المستوطنين والاعتداء على الأماكن الدينية سيكون لها نتائج خارج السياق المعتاد، إن سيطرة التطرف الديني على المجتمع الإسرائيلي وقيادته والارهاب المنظم من قبل المستوطنين بحماية قوات الاحتلال لا يمكن أن يقابله جنوحاً داخل المجتمع الفلسطيني نحو السلام والتعايش، بل يؤجج حالة الصراع لمسار لا يمكن لأحد السيطرة عليه، وإعتداء المستوطنين على المسجد الأقصى بما فيه من إستفزاز للمسلمين في بقاع الأرض سيدفع بالمنطقة إلى حرب دينية، وإن تأخرت بالمفهوم التقليدي لها بأن تكون أطرافها دولية بفعل الضعف والوهن والانحدار الذي تعاني منه الأمتين العربية والإسلامية، فالمؤكد أننا ذاهبون لمرحلة مغايرة من الصراع تكون فيها المشاعر الدينية هي المحرك الأساس للفعل، ولن تقتصر عما تقوم به الفصائل بل ستكون المساحة الأكبر فيها للفرد الذي لا تلزمه العملية الحسابية للفصيل، والعمل الفردي وإن أخذ طابع ردة الفعل فهو القادر على هزيمة قوة الردع التي لطالما تغنى بها الاحتلال، وهو القادر أكثر من غيره على خلق حالة من غياب الأمن والأمان داخل المجتمع الإسرائيلي.
قيادة الاحتلال التي سمحت لغلاة المتطرفين من المستوطنين الاعتداء على المسجد الأقصى ووفرت الحماية لمسيرة الأعلام المستفزة لكل مسلم وراحت تتسابق فيما بينها لتقديم الدعم والإسناد لهم لم تتعلم من التاريخ ما فعله التطرف بهم، ولا تفهم أن المساس بالأماكن الدينية سيدفع المنطقة إلي صراع ديني مفتوح لا سيطرة لأحد عليه وكلفته عليهم كبيرة، وما يمكن قوله أن مسيرة الأعلام أشعلت ناراً لن تهدأ.