كتب: عقل أبو قرع
ومع توقف تصدير الحبوب من الموانئ الأوكرانية، انتاب العالم القلق، وارتفعت أسعار الحبوب في الأسواق العالمية، من قمح وذرة وأرز، وتوالت الاتهامات والتحذيرات من تعريض العالم لخطر غياب الأمن الغذائي وحتى خطر انتشار المجاعة والأمراض والخسائر، حيث هناك دول عديدة تعتمد في امنها الغذائي على استيراد الحبوب ونحن من ضمنها، ومعروف أن روسيا وأوكرانيا هما من اكبر مصدري الحبوب في العالم، وتتواصل هذه الصورة في ظل تفاقم تداعيات التغيرات المناخية التي تجتاح العالم.
ومن فيضانات ليبيا إلى زلزال المغرب إلى الحرائق في أوروبا وكندا والولايات المتحدة، تتجلى وبشكل حاد آثار التداعيات البيئية ومن ثم التغيرات المناخية التي أحدثها البشر على بني البشر، فمع درجات حرارة فوق الأربعين في دول أوروبية مثل بريطانيا وإسبانيا وإيطاليا بشكل لم يسبق له مثيل في التاريخ الحديث، ومع الحرائق الضخمة التي تلتهم البرتغال، ومع الجفاف الذي يعصف بدول أوروبا وبالتالي يهدد الإنتاج والأمن الغذائي لعشرات الملايين من بني البشر.
ومع الفيضانات التي غمرت مدنا بأكملها في باكستان، ومع شح المياه الذي تعاني منه دول عديدة في العالم، ومع شبح المجاعة القادم الذي سوف يكتوي به الملايين من الناس ومع بلوغ تلوث الهواء أقسى صوره في دولة مثل البرازيل، ومع تصاعد وتيرة ذوبان الجليد في القطبين وبالتالي مواصلة ارتفاع مستوى مياه المحيطات والبحار، فنحن بدون شك نشهد آثار التغيرات المناخية في أقسى صورها على الأقل في الوقت الحاضر.
وحسب تقارير دولية بحثية، فإن العالم سوف يخسر التربة الصالحة للزراعة، المتوفرة حاليا، خلال الـ 60 عاما القادمة أو اقل، إذا استمر الوضع الحالي على ما هو عليه، والذي يؤدي إلى تداعي خصوبة التربة وبالتالي عدم إمكانية زراعتها، والسبب الأساسي لذلك هو التغيرات المناخية التي يحدثها البشر، وبالأخص الدول الصناعية الكبرى والتي تتحكم في الاقتصاد العالمي، من خلال زيادة بث الغازات والملوثات إلى طبقات الجو، وما ينتج عن ذلك من ارتفاع درجة حرارة الأرض والتربة، ومن زيادة التصحر، أي عدم القدرة على زراعة التربة بسبب ملوحتها أو قلة الأمطار.
ويحدث ذلك في ظل الخوف من تداعي الأمن الغذائي وبالأخص في الدول الفقيرة، «فالأمن الغذائي يتحقق حين تنتج البلد كل احتياجاتها من الغذاء الأساسي أو يكون في استطاعتها الحصول عليه من الخارج تحت أي من ظروف ارتفاع أسعار الغذاء العالمية أو إغلاق الحدود أو ما يحدث الآن من حروب ومن هذا المنطلق كذلك، فإن هذا يعني أننا في فلسطين، لم ننتج كل احتياجاتنا من الغذاء، وبالأدق الأغذية الأساسية، أي القمح أو الخبز واللحوم والدواجن والخضراوات وما إلى ذلك من غذاء أساسي لا يستغني عنه الإنسان، أو أننا لم نستطع توفير احتياجات الغذاء الأساسية من الخارج بقوانا الذاتية، أي بدون انتظار المساعدات أو المنح أو التبرعات من هنا وهناك.
وحسب بيانات جهاز الإحصاء المركزي الفلسطيني وبالتعاون مع بعض منظمات الأمم المتحدة ومن ضمنها منظمة الأغذية والزراعة (الفاو)، اظهر مسح لعام 2013 في بلادنا، الافتقار إلى الأمن الغذائي في فلسطين، أي في الضفة الغربية وقطاع غزة، وقد أشارت النتائج إلى أن حوالي 33% من الأسر الفلسطينية تفتقر إلى الأمن الغذائي، أي لا تستطيع تلبية الاحتياجات الغذائية الأساسية التي تحتاجها الأسرة، حسب المعايير الدولية، وان هذه النسبة في ازدياد.
ومع اجتياح تداعيات التغيرات المناخية العالم وبحدة، ولكي يتحقق الأمن الغذائي في بلادنا، فإننا يجب أن ننتج غذاءنا بإمكانياتنا وباستخدام مصادرنا المتوفرة، من ارض ومياه وبشر، أي نزرع وننتج، ومن أدوات وأجهزة ومصانع، أي نصنع المنتج الغذائي النهائي، والاهم من سياسات وخطط ومشاريع وبرامج وميزانيات وعقول وكوادر مدربة، تخطط وتتابع الإنتاج، والأهم أن نعمل على إرساء ثقافة الاستدامة في الإنتاج، ولكن وفي ظل التوقع بازدياد تأثير التغيرات المناخية على الأمن الغذائي في بلادنا، فإنه من المفترض أن يحتل هذا الموضوع جزءا من الخطط الاستراتيجية للحكومة ومنها الوزارات المعنية، وبأن يتم وضع الخطط العملية والعلمية الكفيلة بالتخفيف من آثار ما يتوقع حدوثه آجلا أم عاجلا.