في القدس وبين تحقيق الدولة ومأزقي الحل المرحلي والانقسام

بقلم: عماد عفيف الخطيب 

يقال “هناك دوماً جانبان لنفس القصة” وهذا ينطبق على بعض من المحطات المفصلية في مسيرة التحرر للشعب الفلسطيني التي أنطلقت ثورة شعبية ضد ظلم أُنشىء بغطاء “أممي” وما زال. بدأت المحطة الأولى مستندة الى الحق في الكفاح والنضال المسلح والسياسي لتحرير كامل الأرض ورفض كل أشكال “العمل الدبلوماسي” لأنه يعني التفاوض الذي يفضي لتنازلات غير مقبولة. وعلى هذا الأساس أُنشئ ت منظمة التحرير الفلسطينية وأنطلقت حركة التحرير الوطنية الفلسطينية لصون وحماية الهوية الوطنية والإعداد لتحرير الأرض. وحدت الإنطلاقة الفلسطينيون في جميع أماكن تواجدهم حول ممثلهم الشرعي فهو من أحيا وعزز وحدة الهوية والمصير في أبدع صورها.


مع نهاية سبعينات القرن الماضي بدأت المحطة الثانية في المسيرة حيث أفضت التحولات السياسية في الشرق الأوسط الى تبلور جانبين متناقضين يمثلان “الحلم” و “الواقع” أو تحرير “كامل الأرض” و “الحل المرحلي”. في هذه المحطة أيد المجلس الوطني في دورتيه الثانية عشرة والثالثة عشرة أهمية كسب الإعتراف الدولي الرسمي والإنخراط في عضوية المؤسسات الإقليمية والدولية.

وهنا بدأ التواصل و “العمل الدبلوماسي” يأخذان حيزاً أوسع في النضال السياسي بهدف تحقيق المكانة السياسية المدعَّمة بالنظرة الواقعية لإمكانية الوصول لحل مرحلي. ومع بدء أفول نجم الإتحاد السوفييتي وتفرد الولايات المتحدة الأمريكية كقوة عظمى عالمية مهيمنة، رجح رأي الجانب الذي إعتقد أن أوراق الحل في يد الولايات المتحدة الأمريكية وأن المطلوب هو فتح قنوات الإتصال الدبلوماسي معها.

إستجابة لهذا التوجه أُعلنت أولى المبادرات الأمريكية في أيلول من العام 1982 من الرئيس رونالد ريغان والتي تزامنت مع خروج حركة التحرير الوطنية الفلسطينية من لبنان مثخنة بالجراح بعد صمود أسطوري ومواجهة ميدانية بطولية أحيت وعززت حق الشعب الفلسطيني في وطنه المستقل.

في دورته السادسة عشرة (1983) عبّر المجلس الوطني الفلسطيني عن رفضه للمباردة الأمريكية لانها تتنكر لحق العودة وتقرير المصير والإعتراف بالممثل الشرعي للشعب الفلسطيني. كانت هذه بداية تحول واضحة في المسيرة الوطنية لأنها أظهرت جانباً “دبلوماسيا” يقبل مبدئياً بالمبادرة الأمريكية إذا ما توفرت الشروط التي حددها المجلس. وشكلت هذه الدورة علامة فارقة في تاريخ النضال الفلسطيني لأنها أظهرت بوضوح الجانب الآخر للتحرر الوطني عززته قرارات الدورة السابعة عشرة (1984) التي عقدت في عمان حيث تضمنت الإعترف بالعمل الدبلوماسي بما يشمل فتح قنوات إتصال مع “القوى اليهودية” المؤيدة للحقوق الفلسطينية.

في دورة المجلس الوطني الفلسطيني بالجزائر في نيسان من العام 1987 عكست القرارات الصادرة عنه المأزق الذي وصلت إليه مسيرة التحرر الوطني بوجود إنقسامات متعددة في الحاضنة العربية، وتضييق كبير على مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية وخاصة فيما يتعلق بدعمها لصمود الشعب الفلسطيني بمواجهة الإحتلال.

بعد أشهر قليلة إندلعت الإنتفاضة الفلسطينية التي وحّدت الفلسطينيين وأظهرت وجه الإحتلال القبيح وكشفت الأقنعة عن داعميه. مهدت الإنتفاضة الشعبية الطريق لمحطة جديدة في المسيرة الوطنية إعتمدت “العمل الدبلوماسي” طريقاً أساسياً في محاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه. أما مرجعية “الحل المرحلي” فكان لها جانبان، فهي يمكن أن تكون “الفرصة” أو “الفخ” وكلاهما باهظي الثمن.

وبعد عقود من مراوحتنا مكاننا في مأزق “الحل المرحلي” دخلنا في مأزق الإنقسام الذي يهدد وحدتنا ويكشفنا ضعفاء أمام العالم. واليوم ونحن نشهد إنطلاق دورة جديدة للحوار الوطني في سبيل إنهاء الإنقسام، نكرر رسالتنا لجميع الأطراف الوطنية المتحاورة بأن ما يردم الهوة بين الجانبين هو وقوفهم أمام مسئوليتهم الوطنية وإتفاقهم على وحدة البوصلة والهدف.

Exit mobile version