كتب: د. سامي محمد الأخرس
بادئ ذي بدء اتفق مع مضمون الخطاب وطريقة التقديم والأسلوب الذي انتهجه الرئيس محمود عباس في خطابه بالأمس أمام الأمم المتحدة، والذي تناول فيه مجمل الواقع السياسي التاريخي للقضية الفلسطينية، وواجه العالم باللغة التي يفهمها ووضعها بصورة ما حدث ويحدث للشعب الفلسطيني، بل واتهام الأمم المتحدة مباشرة بأنها تتحمل المسؤولية عما حدث ويحدث للشعب الفلسطيني، وكذلك ادانته لبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية مباشرة وتحميلها مسؤولية ما حدث للشعب الفلسطيني مستذكرًا وعد بلفور المشؤوم من جهة، وصك الانتداب الذي كان أداة تنفيذ الوعد من جهة أخرى، والولايات المتحدة التي تدعم دولة الكيان وتساندها لممارسة العدوان على الشعب الفلسطيني، وقدم الرئيس محمود عباس العديد من القضايا والمفاصل أمام الأمم المتحدة، بل أمام الشعوب العالمية التي تستمتع للخطاب، وللرواية الفلسطينية، منها:
أولًا: اتهام دولة الكيان بتكوين وتشكيل العصابات الصهيونية لقتل وترويع والاعتداء على الشعب الفلسطيني.
ثانيًا: إجبار دولة الكيان أبناء الشعب الفلسطيني على هدم منازلهم بإجبارهم وترويعهم تحت ضغط الألة العسكرية والاعتقال، وإغلاق المنظمات والمؤسسات الفلسطينية ومصادرة ممتلكاتها ووثائقها، اعتقال الأطفال الفلسطينيين ومحاكمتهم، وكذلك رفض زيارة أم الأسير ناصر أبو حميد الذي يحتضر بالمشافي الصهيونية ورفض تقديم العلاج له.
ثالثًا: قتل الصحفية شيرين ابو عاقلة واعتراف دولة الكيان الصهيوني بقتلها من قبل قناص بشكل عمدي، وسط صمت العالم وصمت الولايات المتحدة الأمريكية التي تعتبر شيرين مواطنتها وأحد رعاياها.
رابعًا: سياسة ازدواجية المعايير التي تنتهجها الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي ومنظمات حقوق الإنسان بالتعامل مع المذابح والاعتداءات الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني، والقرارات الدولية التي تصدر لصالح القضية الفلسطينية وفي الوقت الذي تنفذ كل القرارات الصادرة بقضايا أخرى، تلتزم الصمت بالضرب بعرض الحائط ما يتعلق بالقضية الفلسطينية. بل أن الأمم المتحدة والولايات المتحدة والدول الكبرى تحمي دولة الكيان من القانون الدولي وتمنحه الغطاء لممارسة إرهابه ضد الشعب الفلسطيني.
خامسًا: الإعلان بشكل مباشر عن سبب تعطيل النظر بانضمام فلسطين للأمم المتحدة كعضو كامل العضوية، والإعلان عن التوجه بطلبات انضمام لكل المنظمات الدولية الأخرى مثل منظمة الصحة العالمية، ومنظمة الملكية الفكرية، ومنظمة الطيران المدني.
سادسًا: الإعلان عن توجه فلسطين لمحكمة الجنايات الدولية وكل المحاكم الدولية ضد ارتكاب الكيان الصهيوني للجرائم بحق الشعب الفلسطيني.
سابعًا: مطالبة الدول الأوربية بعدم التعامل بالازدواجية والاعتراف بالدولة الفلسطينية أسوة باعترافها بدولة الكيان الصهيوني، بما أنها تؤيد حل الدولتين، وكذلك مطالبة الأمين العام للأمم المتحدة لتنفيذ قرارات الأمم المتحدة بحماية الشعب الفلسطيني وحل القضية الفلسطينية وعلى وجه التحديد قراري 181، 194 ودعوته كذلك لتقديم مبادرة حل للقضية الفلسطينية استنادًا على قرارات الشرعية الدولية والمبادرة العربية، ووقف الأعمال الفردية من كل طرف والعودة للمفاوضات المباشرة.
ثامنًا: تأكيد الرئيس الفلسطيني على استمرار العمل لتحرير الأسرى الفلسطينيين، والاستمرار على رعاية أسرهم وعائلاتهم، وهو ما يعتبر تحدي لدولة الكيان الصهيوني واجراءاتها التي تقوم بها بخصم الرواتب التي تقدم للأسرى من قبل السلطة الفلسطينية من أموال المقاصة.
تاسعًا: تأكيد الرئيس على استقلال القرار الفلسطيني، ورفض الانصياع لأي تدخلات بالشأن الفلسطيني من أي طرف كان.
عاشرًا: تأكيد الرئيس الفلسطيني على البدء بتنفيذ قرارات المجلس الوطني والمجلس المركزي الذي صدرت قبل أعوام.
من خلال هذه النقاط والطريقة التي قدم بها الرئيس الفلسطيني خطابه فأنه قدم المتاح لدى النظام السياسي الفلسطيني الذي اتفق على المرحلية في الحل السياسي، كما أنه المتاح في ظل حالة الانقسام الفلسطينية التي تستمر بإهدار كل الحقوق الفلسطينية أمام الشعوب العالمية.
إن كان الخطاب لا يلبي احتياجات ويشفي غليل القوى الراديكالية الفلسطينية التي تنظر لفلسطين ولقضيتها نظرة مغايرة ومختلفة عما ينظر لها الرئيس الفلسطيني، إلا أن هذه القوى الراديكالية نفسها لن تستطيع تقديم للعالم أكثر مما قدم الرئيس الفلسطيني، وأنها لن تذهب للعالم حاملة بندقية وصاروخ في الوقت الذي تعتمد فيه على الخطاب المقاوم غير الفعال إلا وفق احتياجاتها السياسية أو مركزية شعاراتها، بل وتناغمت بعض القوى الراديكالية الفلسطينية مع متطلبات ورغبات الأسرة الدولية ومتغيراتها وأوقفت العمل المسلح الخارجي ضد العدو الصهيوني، وتركته يمارس ديبلوماسيته وسياساته بكل أريحية.
وفق المعطيات الفلسطينية الحالية فإن الخطاب الذي قدم للأمم المتحدة يحقق كل المطالب السياسية الفلسطينية، ويلبي متطلبات النظام السياسي الفلسطيني الذي اتفق على المرحلية وحل الدولتين، وإن كان لا يلبي معطيات ومبررات من يؤمن بالتحرير الكامل للأرض الفلسطينية، والإيمان بخط اللاتهادن تحت أي ظرف مع العدو الصهيوني.