محاولة لابيد، خداع جديد في سياقات قديمة

بقلم: مروان اميل طوباسي 

على هامش الاجتماع “٧٧” للجمعية العامة للأمم المتحدة الذي ينعقد في نيويورك، تتوالى اللقاءات الثنائية ولقاءات عدد من المجموعات الدولية الخاصة للبحث والتشاور حول القضايا الدولية الناشئة ومجريات الصراع في عدد من مناطق العالم.

حيث تتصدر الازمة الاوكرانية أولويات الاهتمام الدولي، إضافة إلى الملف النووي الايراني كما قضايا البيئة والمناخ والطاقة والمهجرين بفعل بؤر الصراع المختلفة والازمة الاقتصادية العالمية في الدو ، في وقت تتفاقم به الازمة الدولية نحو منحى خطير سيؤثر على الاستقرار والأمن الدوليين في ظل حديث عن توسيع اشكال الاشتباك التي يقودها “الناتو” ضد وحدة الاراضي الروسية ولمنع نشوء نظام دولي جديد متعدد الاقطاب أو أنظمة دولية متعددة، قد يقف العالم في أثرها على شفا حرب أو حروب نووية متفرقة.


وكما في كل عام فقد أخذت قضية شعبنا الفلسطيني خلال الأيام الماضية اهتماما متناميا وشكلت محورا هاما من محاور الاهتمام الدولي انتظارا لكلمة الرئيس “أبو مازن”، حيث عقدت عدد من المجموعات الدولية اجتماعاتها، كما تم العديد من اللقاءات الثنائية مع ممثلي دول مختلفة منها على وجه الخصوص دول من الاتحاد الاوروبي ومسؤولين اممين للبحث في ما آلت اليه الأوضاع على الأراضي الفلسطينية المحتلة نتيحة تصاعد جرائم الاحتلال وما تشكله هذه الجرائم من تهديد لمستقبل حقوق شعبنا الفلسطيني الثابتة، كما ولحل الدولتين الذي رأى به المجتمع الدولي حلا للصراع القائم منذ عام ١٩٣٧.

وقد توالت مواقف تلك الدول من خلال تصريحات عقب تلك اللقاءات تدعو إلى حماية حل الدولتين وفق حدود عام ١٩٦٧ وفقا للقرارات الدولية والقانون الدولي، إضافة إلى رفض سياسة الاستيطان التي تنفذها بتسارع حكومات دولة الاحتلال المتعاقبة.

لكن مصداقية المواقف لا تتعلق باصدار بيانات لفظية فقط ، في وقت ان تلك التصريحات الاوروبية أصبحت متكررة في رفض الأستيطان أمام واقع اصبح يتلخص اليوم بوجود ما يقارب من مليون مستوطن الذين أصبحوا يشكلون تقريبا ٣٠% من التعداد السكاني لاراضي المحافظات الشمالية للوطن بشكل عام و٦٠% من التعداد السكاني للقدس تحديدا، منتشرين في حوالي اربعمائة مستوطنة.

فبدون تدخل دولي حاسم الى جانب كفاح شعبنا اليومي لفرض المساءلة على احتلال غير خاضع للمساءلة حتى الان ، فلا أمل في أن يتم تحقيق حق شعبنا في تقرير المصير وإنهاء الاحتلال بما يحقق القرارات الاممية في أي وقت في المستقبل المنظور.

لم يأت يائير لابيد بجديد عندما تحدث عن تأييده لحل الدولتين، فمعظم زعماء الحركة الصهيونية ودولة الاحتلال وقبلهم الرؤساء الاميركان، تحدثوا سابقا عن ذلك بما فيهم نتنياهو عام ٢٠٠٩ وليبرمان واولمرت قبلهم ٢٠٠٧ وكذلك شارون في ١٨ كانون الاول ٢٠٠٣ ، علما بموافقة الحركة الصهيونية على هذا الحل الذي تمثل بقرار تقسيم فلسطين إلى دولتين، واستغلت إسرائيل ذلك لاحقا في عملية خداع واسعة للعالم بتقديم نفسها كضحية ظلم تاريخي هدف للتوسع في حدودها النظرية مما خصصه قرار التقسيم لقيامها من مساحة هي ٥١% من اراضي فلسطين التاريخية الى ثلاثة ارباع مساحتها وهو ما تسيطر عليه فعليا اليوم.

فعن اي مساحة أرض متبقية من وطننا التاريخي يتحدث عنها لابيد في اشارته إلى الدولة الفلسطينية وفق حل الدولتين الذي يؤيده ؟ دولة دون الانسحاب من كامل اراضيها المحتلة ودون القدس ومع بقاء المستوطنات والأراضي التي أعلن عن ضمها سابقا ودون الاغوار وممر التواصل الجغرافي مع قطاع غزة ودون سيطرة على الحدود والمصادر الطبيعية ، ومع الابقاء على حماية امنهم المزعوم فيها . لقد كانت هذه سيناريوهات سابقة كان قد طرح ما هو متقدم عنها نسبيا والتي كان شعبنا وقيادتنا السياسية قد رفضتها مرارا وتكرارا ، كونها لا تلبي الحد الأدنى من الحقوق الوطنية السياسية الثابتة لشعبنا.

وبما أن إسرائيل غير ناضجة لأي نوع من التسوية السياسية في وقت يتمدد فيه التطرف الصهيوني القومي والديني وهي على أعتاب انتخابات تشريعية جديدة قريبا ،فهي تسعى اذن بالحكومة الحالية إلى اطالة زمن الصراع وإدارته وكسب الوقت والنقاط لصالحها أمام عدد من دول العالم والى حاجتها إلى مساندة أميركية بل وأوروبية في احراجنا ومحاولة حصارنا سياسيا وماليا، وتفريغ حل الدولتين من جوهر محتواه حتى يحين وقت تستطيع فيه حسم القضية وفق ما يحقق استراتيجية الفكر الصهيوني كما تتوهم حكوماتهم.

أن التمسك بالرؤية الفلسطينية للسلام واحراج المجتمع الدولي بضرورة التوقف عن سياسة ازدواجية المعايير من خلال تحديد مواقف تتعلق بالعلاقة مع تلك الدول سندا لحقيقة مواقفها، هي مسألة لا تعيد تعريف البرنامج السياسي الفلسطيني ولا تشكل احراجا لنا، بل إنه يركز على ما يمكن أن يفعله المجتمع الدولي اليوم ويضع مواقفه على محك المصداقية تجاه الشرعية الدولية التي بات شعبنا يفقد الثقة في معانيها، ويعطي معنى لدعواتنا المتكررة لهم بضرورة العمل من أجل انهاء الاحتلال وكافة أشكال الاستيطان اولا الذي بات اليوم وبعد ٥٥ عاما غير معرف بل مختلط في محتواه العسكري أو الاستيطاني بأرض يدعون هم ملكيتها تزويرا.

إنه لجبن ومن هزيمة الذات أن تختبئ بعض الدول وراء الحاجة إلى قرار جماعي يتطلب في الواقع موافقة إسرائيلية على الاعتراف بدولتنا او من أجل العمل على عقابها هي نفسها.

ولحين تشعر دولة الاحتلال بأن استمرار احتلالها لاراضي دولة فلسطين وارتكابها مزيدا من الجرائم اليومية سيكون مكلفا ويهدد مكانتها واستقرارها ونموها كما ومستقبلها ، فسيكون لذلك أثرا اَخر .

Exit mobile version