إلحاحي في الكتابة في هذا الموضوع بيان لشعوري بخطورته على الشعب الفلسطيني في حربه الوجودية مع إسرائيل. حرب الحياة أو الموت، حرب أن تكون أو لا تكو. وهكذا يفهمها عدون، ويتصرف انبعاثا من هذا الفهم. إسرائيل مرتعبة مرتعدة من الانتفاضة الثالثة الأخذة في التفجر، وتجري في كل اتجاه بحثا عن معين لها في مواجهته، وجريها يركز على السلطة الفلسطينية التي تراها ضعيفة في كبح الانتفاضة، ويمتد لأصدقائها العرب علنا وسرا إلا أنها ترى أن السلطة على ضعفها أكثر فاعلية من الأصدقاء العرب بحكم وجودها في الضفة الذي يمكنها من التأثير المباشر على ما يحدث فيها.
وفي التركيز على السلطة ، كشفت قناة “كان” الإسرائيلية أمس، الثلاثاء، أن اثنين من كبار المنظومة الأمنية الإسرائيلية التقيا الخميس الماضي مع حسين آل الشيخ أمين سر اللجنة التنفيذية في منظمة التحرير الفلسطينية ، وماجد فرج رئيس المخابرات الفلسطينية ” لإعادة الأجهزة الأمنية الفلسطينية إلى النشاط …” لمنع التصعيد ضد الإسرائيليين في أعيادهم المقتربة إلا أن الاهتمام في اللقاء انصب على دور السلطة في العمل لوقف الانتفاضة المسلحة في الضفة، وهذا ما يوضحه توكيد مسئول أمني كبير للقناة نفسها: “قلنا لهم إنه يجب على السلطة بذل جهد أكبر خاصة في جنين ونابلس. السلطة لا يمكنها القول إن هذا ليس شأني. وعندها سنضطر للعمل في الضفة ، وهذا سيضعفه”.
وفي كلامه عن السلطة تلطف متعمد خالٍ من التهديد لها يكشف عن حاجة إسرائيل الملحة إلى دورها في التخلص من خطر الانتفاضة المداهم. وحديثه عن الاضطرار للتدخل في حال تقصير السلطة ينافي الواقع الجاري في الضفة . ماذا نسمي عمليات إسرائيل العسكرية اليومية فيها؟! ربما يقصد تدخلا على مثال عملية السور الواقي التي نفذها شارون في 2002 ؟! هذا ما لن تقدم عليه إسرائيل لعواقبه الكبيرة الضرر عليها وعلى السلطة . إسرائيل تتخوف وتضطرب في مواجهة الانتفاضة الثالثة، وتستغيث بمن تحسبه مغيثا لها ، وأهم المستغاث بهم السلطة التي ترى أن لها وظيفتين أساسيتين، الأولى: معاونتها أمنيا في ردع من يقاومها من الفلسطينيين تنفيذا لاتفاق التنسيق الأمني الذي لا يؤمن سوى الجنود والمستوطنين الإسرائيليين، ويترك الفلسطينيين مباحين مكشوفين لاعتداءاتهم، والوظيفة الثانية: المسئولية عن حياة الفلسطينيين المعيشية تخليصا لإسرائيل من المسئولية عنها، وقيام السلطة بتينك الوظيفتين جعل احتلالها للأراضي الفلسطينية احتلالا مجانيا مريحا لولا تنغيصات المقاومة عليها، وتقيدا بالوظيفتين، لا يجتمع مع مسئولي السلطة من الإسرائيليين سوى مسئولي الأمن ، ومحظور على المسئولين السياسيين الإسرائيليين هذه الاجتماعات ، وهذه سياسة إسرائيلية رسمية لها أسسها القانونية التي تصنف منظمة التحرير منظمة إرهابية معادية لإسرائيل، وهو نفس تصنيف أميركا لها ، وكل ما كان من اتصالات واتفاقات لم يسقط هذه الصفة عن منظمة التحرير ، ولم يكن لها من أهداف سوى خطف اعتراف منظمة التحرير بشرعية سيطرة إسرائيل على 78 % من فلسطين، والإقرار بأن ال 22 % الباقية متنازع عليها بين الطرفين تنازعا يسوى بعد 5 سنوات من اتفاق أوسلو ، وها قد مضت 28 عاما على تطبيق ذلك الاتفاق، وما زال التنازع متصلا.
وانتفاضتا الشعب الفلسطيني الثانية والثالثة تمردتا على ذلك الاتفاق الفاسد المجحف بالحقوق الوطنية الفلسطينية، وإسرائيل تريد وأد الانتفاضة الثالثة لمواصلة فساد الاتفاق وإجحافه بالشعب الفلسطيني وصلاحه ومحاباته لها، وتستعين بالسلطة الفلسطينية في إنجاز ما تريده سيرا على الاستعانة بمنظمة التحرير في الإفلات من الانتفاضة الأولى، والاستعانة بالسلطة في الإفلات من الانتفاضة الثانية، ويتحتم على الشعب الفلسطيني أن يمنع السلطة من معاونة إسرائيل في الإفلات من الانتفاضة الثالثة، ويتحتم على السلطة أن تدرك أن أي معونة تقدمها لإسرائيل في هذا الإفلات لا تؤكد سوى انحيازها لها في مواجهة الشعب الفلسطيني، ولهذا الانحياز ما يليه من العواقب المدمرة للسلطة التي لا تنقصها رداءة سمعة بين هذا الشعب.
كاتب فلسطيني