بقلم: مها المصري محاضرة في قسم العلوم السياسية/جامعة النجاح الوطنية
وبالرغم من بشاعة الهجوم الاسرائيلي وما نتج عنه, تعالت أصوات اسرائيلية متطرفة للشد على يد جيش الاحتلال ومجازره, فمثلا كتبت رئيسة حزب العمل ميراف ميخائيلي بعد بضع دقائق على شن اسرائيل هجومها الاجرامي على غزه, وقبل لحظة من قتل الطفلة الفلسطينية الاولى آلاء قدوم ابنة الخمسة اعوام التي لن ننسى صورة جثمانها الملفوف بالعلم الفلسطيني بين يدي جدها وسط بكاء أفراد عائلتها :”لا توجد أي دولة ذات سيادة توافق على فرض الحصار على مواطنيها من قبل منظمة ارهابية…أشد على أيدي قوات الامن”
أمام مشاهد القتل البشع، و أشلاء أطفال غزة،والممارسات الهمجية التي وصفتها الامم المتحدة بالغير قانونية”لا يجوز حرمان أي شخص من حياته بشكل تعسفي ولا يمكن الانتقاص من الحق في الحياة حتى في أوقات الطوارىء العامة التي تهدد حياة الامة”.
اعتبر مركز الميزان لحقوق الإنسان أن الهجمات تقدم مزيدا من الأدلة على مدى تحلل اسرائيل وانكارها العميق لالتزاماتها بموجب القانون الدولي, واستمرارها في ارتكاب انتهاكات جسيمة ومنظمة لقواعد القانون الدولي الإنساني ترقى لمستوى جرائم الحرب, كما وصفت منسقة الشؤون الإنسانية في الارض الفلسطينية المحتلة لين هاستينغزالعدوان الذي استهدف المدنيين وممتلكاتهم بصورة عشوائية, وشدد الحصار على القطاع من خلال إغلاق المعابر بشكل كلي” بالوضع المريع الذي ما كان له أن يتفاقم الا مع هذا التصعيد الخطير”.
من جانبها,أكدت الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان أن هذا التصعيد الخطير للغاية هو نتيجة منطقية للإنكار الممنهج لحقوق الشعب الفلسطيني الذي يعيش في ظل نظام استعماري قائم على الهيمنة والفصل لعنصري, والذي يمارسه الاحتلال على الشعب الفلسطيني منذ عام 1948.
وذكرت الفدرالية, أن القطاع وسكانه قد تعرضوا لأكثر من خمسة عشر عاما من سياسة الحصار غير القانونية التي تنطبق ضمن سياسة العقوبات الجماعية المحظورة بموجب القانون الإنساني الدولي, وهو ما تسبب بكارثة انسانية مستمرة,نتج عنهااعتبار القطاع غير قابل للحياة من قبل الأمم المتحدة
“ما الذي يجب أن نتوقعه من الأشخاص الذين يعيشون في فقر مدقع لعقود. بلا أمل. مع القليل من الكهرباء أو بدون كهرباء. معظم الوقت بدون عمل. والذين يعتقدون أن أشخاصا آخرين على بعد كيلومترات فقط يعيشون على ارضهم التي سرقت منهم ؟ما الذي يجب أن نتوقعه من الأشخاص الذين يعيشون في الأحياء الفقيرة في المناطق الحضرية التي تسمى مخيمات اللاجئين الذين يعيشون في أقفاص من جميع الجوانب. والذين ليس لديهم حق حقيقي في التحدث أو مقاومة مصيرهم؟هل نتوقع منهم أن يعانقوا جيرانهم الإسرائيليين بالحب والصداقة؟ هكذا وصف الكاتب غيرشون باسكن واقع سكان القطاع الصعب.
ورغم حقيقة الاحتلال الذي اعتدنا عليه الدفع باتجاه دوامة من العنف ضد الشعب الفلسطيني, فهو في عملية “بزوغ الفجر” كشف أيضا عن ما يواجه قادة العدوان من مشكلات داخلية حاولوا من خلال إجرامهم الدفع بهاتجاه غزة ,وتوظيف الدم الفلسطيني في لعبة الانتخابات والمنافسة.
إذن هي جولةجديدة تدفع غزة فيها الثمن مجددا- ثمن أزمة الحكم ,بعد أن أجمع محللون سياسيون وعسكريون ومختصون في الشأن الاسرائيلي أن العمليةجاءت في سياق التنافس لانتخابات الكنيست وأزمة الحكم, وتوظيفها لردع أعداء اسرائيل وفي مقدمتهم حماس وحزب الله, حيث صرح رئيس معهد أبحاث الامن القومي الاسرائيلي عاموس يادلين أن”حزب الله اللبناني سيفكر مرتين في أي مواجهة وسيفكر في قضية منصة كاريش بشكل خاص بعد عملية الفجر الصادق في غزة, وقال في تصريح للإذاعة الاسرائيلية”أهداف عملية الفجر الصادق كانت محدودة ونتائجها حققت زيادة وقوة للردع الاسرائيلي”.
واضاف”نصر الله ينظر ويرى دقة المخابرات الاسرائيلية في معرفة أماكن اختباء القادة, وأن دولة اسرائيل تعرف ايضا كيفية ربط النيران بدقة”!
وفي محاولة منهما للتغطية على جرائمهما بحق أطفال غزة, والإدعاء بأن العملية حققت أهدافها الأمنية, خرجت تصريحات مشتركة لرئيس الوزراء يائير لبيد ووزير الدفاع بيني غانتس لوسائل الاعلام أهم ما جاء فيها:
“لقد استعادت عملية الفجر الصادق لاسرائيل زمام المبادرة وقد استعادت الردع الاسرائيلي وتم تحقيق كافة أهدافها”
“طيلة العملية برمتها تم بذل مجهود خاص لتجنب المساس بالأبرياء, ولن تعتذر دولة اسرائيل على قيامها بحماية سكانها من خلال ممارسة القوة, الا أن مقتل الأبرياء ولا سيما الأطفال أمر يكسر القلوب”.
ومن باب الضغط على غزة ترويجا لسياسة الاقتصاد مقابل الهدوء , بعيدا عن الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة
خاطب لبيد سكان غزة ضمن التصريحات قائلا “هناك طريقة أخرى أيضا تستطيع ايضا حماية انفسنا من الذين يهددوننا, لكننا نستطيع كذلك منح فرص العمل ومصادر الرزق والحياة الكريمة لكل من هو معني بالعيش بسلام الى جانبنا, وهناك طريقة أخرى للعيش الا وهي طريقة اتفاقات ابراهيم وقمة النقب والابتكار والاقتصاد والتطوير الاقليمي والمشاريع المشتركة, ان الخيار بين أيديكم ومستقبلكم مرهون بكم”
ردود الفعل الدولية وكما هي العادة لم تتجاوز الترحيب بوقف اطلاق النار, والدعوة الى إجراء تحقيقات شامله ,و كيف لنا أن ننسى وملف الشهيدة شرين أبو عاقلة كان الأخير وليس الآخرفمساء الاحد 7آب/2022 رحب الرئيس بايدن
بوقف اطلاق النار قائلا:”أؤيد اجراء تحقيق في التقارير التي تحثت عن سقوط ضحايا بين المدنيين”
وقالفي بيان له:”تدعم ادارتي إجراء تحقيق شامل في الوقت المناسب في جميع هذه التقارير”، داعيا جميع الأطراف الى التنفيذ الكامل لوقف اطلاق النار, وضمان تدفق الوقود والإمدادات الإنسانية الى غزة مع انحسار القتال
كما دعا الاتحاد الأوروبي الى إجراء تحقيق شامل وعاجل بشأن سقوط ضحايا مدنيين في قطاع غزة جراء العدوان الإسرائيلي الأخير على القطاع وقال:”نأسف لسقوط ضحايا مدنيين خلال الأيام الماضية بينهم عدد من الأطفال والنساء الذين قتلوا وجرحوا في قطاع غزة” مرحبا بوقف اطلاق النار المعلن بين اسرائيل وحركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية
من ناحيته أعلنفيدانت باتيل نائب الناطق الرسمي في وزارة الخارجية الأمريكية، أن ادارة الرئيس بايدن تؤيد قيام تحقيق شامل بشأن سقوط ضحايا مدنيين فلسطينيين بالقصف الاسرائيلي لقطاع غزة المحاصر وقال الناطق “نواصل العمل مع شركائنا لتحسين نوعية الحياة للفلسطينيين في قطاع غزة ,ويستحق الفلسطينيون والاسرائيليون على حد سواء العيش بأمان والتمتع بقدر متساو من الحرية والازدهار والديمقراطية”
وفي بيان المفوضية السامية لحقوق الانسان في الامم المتحدة ميشيل باشليت، أعربت المفوضية عن قلقها بأن مقتل 19 طفلا فلسطينيا رفع حصيلة هذا العام الى نحو 37 طفلا
الواضح للعيان, ان استمرار العدوان الاسرائيلي وتعاظمه يوما بعد يومسببه الرعاية والحماية والدعم المقدم من المجتمع الدولي المنحاز, الذي آن الأوان أن يتحمل مسؤولياته, ويتحرك بشكل عاجل وفاعل لوقف جرائم اسرائيل ,ويوفر الحماية الدولية للفلسطينيين في ظل استمرار وتصاعد جرائم الحرب المرتكبة بحقهم, بعد سنوات طويله من تقاعسه أمام غطرسة اسرائيل ضد شعب أعزل يدافع عن نفسه , و إنهاء سياسة افلات اسرائيل من العقاب, سيما فيما يتعلق بالانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان والتي ترقى لكونها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية
بغير ذلك, ستبقى فلسطين جرحا مفتوحا, ومفتاحوالسلام والاستقرار مفقودا مع عدم الإقرار بحقوق الشعب الفلسطيني وحقه في تقرير مصيره