بقلم الأسير: أسامة محمد عودة
“قال الملك لنائبه: إن محصول العام القادم للمملكة سيصيب كل من يأكل منه بالجنون، فماذا علينا أن نفعل حيال ذلك؟ وأردف قائلاً: إذا لم نأكل سوف نموت من الجوع، وإذا أكلنا سنصاب بالجنون، وإذا أكلنا من محصول آخر سنبقى وحدنا في المملكة بعقولنا وباقي الشعب سيصاب بالجنون، وحينها سيعتقد الجميع بأننا وحدنا المجانين، ولهذا من الأفضل لنا أن نأكل ونفقد عقولنا كباقي الشعب وبذلك نبقى كما نحن: ملكاً ونائباً”.
أخذ جنون اليمين داخل الأحزاب الإسرائيلية والنظام السياسي في الاتساع، ولهذا فإن التغيُّرات التي تصيب استقرار حكومة الاحتلال بسبب عدم قدرتها على توليد قادة وأحزاب يسعون للتغيير وفقاً لقواعد اللعبة السياسية في دولة تفترض في نفسها أنها ديمقراطية، والاندفاع نحو اليمين المتطرف، يُلازمان أغلب الأحزاب التي تشكِّل الائتلافات الحكومية في السنوات الأخيرة. الأمر الذي جعل نتائجها حتميةَ انزياحٍ أكثر نحو تطرُّف من أجل أن يضمن كل حزب بقاءه في الحكم داخل النظام السياسي في الدولة، وتجدر الإشارة هنا إلى أن محركات الناخب الإسرائيلي تتمثل دائماً في ثلاثة أساسيات توجِّه تصويته: المحرك الإيديولوجي، وبشكل أساسي ما بين المتدينين والعلمانيين، بالإضافة لبرامج الكُتل والأحزاب الاقتصادية والاجتماعية، والموقف السياسي من القضية الفلسطينية والفلسطينيين.
وفي السنوات الأخيرة لعب التطرف تجاه الفلسطينيين دوراً مركزياً في تحديد هوية الأحزاب، وكان عاملاً أساسيّاً في تجاوزها لنسبة الحسم وبالتالي وصولها لمقاعد البرلمان (الكنيست).
فالديمقراطية والانتخابات في إسرائيل لم تكن أبداً واقعاً حقيقياً بل أسطورةً ملآى بالتناقضات، أسطورةً لا تصلح لأن ينتج عنها مخطط حياة إنسانية مدنية بل على العكس من ذلك، وكأنها لعبة تدور حول ذاتها، ومخرجاتها في كل مرة تتم إعادة صياغتها من جديد بذات الطريقة: يمين متطرف يحاول في دعايته الانتخابية محو الفلسطينيين وإنشاء كيان صهيوني نقي متخيَّل مكانهم. ولهذا فإن الانشقاقات والاندماجات كانت إحدى أهم مَيْزات الأحزاب والنظام السياسي الإسرائيلي، وتسعى لإنتاج كيان صهيوني يميني متطرف يعيش بين أضلاع مثلث أرض إسرائيل لشعب إسرائيل وفقاً لتوراة إسرائيل. ولو ألقينا نظرة سريعة على الأحزاب والكُتَل التي تشَكِّل في غالبيتها العظمى كنيست إسرائيل لوجدنا التطرف تجاه الفلسطينيين وحقوقهم سمةً مركزيةً ومحركاً أساسياً لها.
– حزب الليكود: حزب صهيوني قومي علماني، وهو الأكبر الآن في إسرائيل، ويوصف بأقدمها على الخارطة السياسية، ويتربع على عرش الائتلافات الحكومية منذ أكثر من عقد تقريباً، ويقوده “نتينياهو” الذي عقد تحالفاً طويلاً مع الأحزاب المتدينة (شاس) و(يهدوت هدوراة) و(الصهيونية المتدينة). ولهذا الحزب وقيادته مواقف يمينية متطرفة تجاه القضية الفلسطينية، فقد قال زعيم هذا الحزب “نتنياهو” عن المستوطنات في الضفة الغربية بأنها تم بناؤها بناءً على تعاليم التوراة. وقال أيضاً إن لليهود أجداداً في الخليل، وأنهم يحققون الوصايا العشر الموجودة في الكتاب المقدس، لهذا فالاستيطان وأرض إسرائيل تعبير عن روح الشعب اليهودي.
– حزب هناك مستقبل: وهو يمثل القوة التمثيلية الثانية في الكنيست من حيث عدد المقاعد منذ عقد تقريباً، فيقف على رأسه “يائير لابيد” رئيس حكومة الاحتلال الحالي، وهو يمثِّل الوسط ويسار الوسط وله مواقف عديدة أكَّدَ فيها على عدم إمكانية التوصل لحل مع الفلسطينيين في هذه المرحلة. والرجل الثاني في حزبه “مائير كوهين” وزير الرفاه الاجتماعي الحالي، فقد صرَّح عام 2020م بأن ضَمّ غور الأردن ضرورة أمنية لإسرائيل، وقال بأنها حائط إسرائيل الشرقي.
– أبيض أزرق: يقف على رأس هذا الحزب الآن قائد أركان جيش الاحتلال سابقاً “بني غنيتس” وزير جيش الاحتلال الحالي وأحد أهم أركان الائتلاف الحكومي، وله جمهور داخل الوسط ويمين الوسط، وأعلن أكثر من مرة بأن هناك ضرورة لفرض السيادة الأمنية على غور الأردن.
– حزب العمل: وهو يعتبر الحزب المؤسس لدولة الاحتلال بنسخته الأولى (مباي)، إلا أنه بعد صعود اليمين متمثلاً في حزب الليكود عام 1977م أخذ يتراجع حتى وصل إلى محاولاته الدائمة في السنوات الأخيرة لتجاوز نسبة الحسم وحصوله على مقاعد لا تتجاوز 6 إلى 7 مقاعد في أفضل حالاته، وهو لا يمانع إقامة دولة فلسطينية ولكن منقوصة وفقاً لمتطلبات أمنية لا تختلف عن اليمين.
– يهدوت هدوراة: وهي كتلة برلمانية مشكَّلَة من حزبين (أغودات إسرائيل) و(ديغل أتوراة) بزعامة “بربقوف” و”كفني”، وهي أحزاب متدينة غربية أشكنازية لتوانية وتشكِّل مع الليكود حكومات يمين وتسعى لتحقيق مصالحها ومصالح جماهيرها من خلال حصولها على ميزانيات لهذا الغرض، وهي إيديولوجيا لا تؤمن بهذه الدولة ولكن تتعامل معها على أنها “حمار المسيح” للوصول للخلاص الرباني، ولهذا لا يوجد لها وزارات رسمية بمسمى وزير، لكن فقط نائب وزير في لجان الكنيست، وأهمها لجنة الميزانية. ولا يعنيها الفلسطينيون ولا حقوقهم المشروعة.
– إسرائيل بيتنا: وهو حزب علماني صهيوني ليبرالي رئيسه وأعضاؤه وناخبوه من الروس، ومواقف زعيمه “أفكتور ليبرمان” وزير مالية حكومة الاحتلال الحالي متطرفة، فهو يدعو لإجراء ترانسفير لمواطنيه في منطقة المثلث والجليل، ويدعو لطرد السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير للخارج وإنهاء حلم إقامة دولة فلسطينية.
– الصهيونية المتدينة أو الدينية: وهي كتلة برلمانية مشكَّلَة من ثلاثة أحزاب يتزعّمها الآن “بتسليل سموترج” رئيس حزب الاتحاد القومي وحزب قوة يهودية يتزعمها “إيتمار بن غفير”، و(حزب نوعم) ويرأسه “أفي معوز”، وقال زعيم هذه الكتلة في السنوات السابقة بأنه شخصياً لا يقبل أن تلد زوجته بجانب امرأة عربية، ولا يُشْرِف على ولادتها أي طبيب أو ممرِّض عربي، لأن الأمر متعلِّقٌ بطهارة الطفل وزوجته، وطهارة اليهود بشكل عام.
– حزب أمل جديد: وهو حزب جديد انشَقَّ زعيمه وزير الاقتصاد الحالي “جدعون شاعر” عن حزب الليكود بسبب أزمة قيادة، ويشاركه الكتلة البرلمانية حزب حديث وصغير يتزعمه المتطرفان “بوعز هندل” و”تسفيكا هاوزر”، واسم حزبهم (طريق البلاد) ولهم جميعاً مواقف متطرفة ضد قيام دولة فلسطينية تحت أي ظرف من الظروف.
– يميني: هو حزب رئيس حكومة الاحتلال المنحلَّة (نفثالي بينيت)، وبعد استقالته مؤخراً تزعَّمت الحزب “إيلي شاكيت” التي تقود وفقاً لمقرَّبين منها عمليةَ تصحيح مسار تعيد منها التأكيد على قيم وأخلاق ومبادئ اليمين، والتي وفقها يُمنع إقامة دولة فلسطينية كأحد أهم أهداف اليمين في إسرائيل، كما صرَّحَت بذلك في 29-1-2020 من على شاشة القناة 13 الإخبارية.
– ميرتس: وهو حزب يقع على أقصى خارطة اليسار الحزبية الإسرائيلية، ويرغب بإقامة دولة فلسطينية بجانب دولة الاحتلال، وهو منذ مطلع التسعينيات يقود معارك بقاء في الكنيست، ولم يُذكَر أن له تأثيراً حقيقياً وفاعلاً على الساحة الحزبية في إسرائيل، ويقوده الآن وزير الصحة في حكومة الاحتلال “متشان هوربتش”.
– القائمة العربية المشتركة: وهي قائمة برلمانية تشكَّلَت بعد قانون رفع نسبة الحسم لإقصاء العرب عن الساحة السياسية في إسرائيل من الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة وحزب التجمع وحزب الديمقراطي العربي، وكلها تتفق على عدم مساندة حكومة الاحتلال ولا المشاركة في ائتلافاتها الحكومية ما دامت تحتل الشعب الفلسطيني ولا تعطي مساواة قومية ومدنية كاملة للمواطنين العرب في إسرائيل، ويترأَّسُها الآن المحامي أيمن عودة.
– القائمة العربية الموحَّدة: وهو حزب يمثِّل الإخوان المسلمين والحركة الإسلامية – الشطر الجنوبي، ويقف على رأسه عباس منصور وهو جزء من ائتلاف حكومي سابق، وبذلك تجاوز لأول مرة الخط الأحمر بمساندته لحكومة احتلال لا تعطي مواطنة مدنية ولا مساواة مدنية وقومية للعرب، وصرَّحَ زعيمه منصور بأن دولة الاحتلال دولة يهودية ويرغب حزبه أن يكونوا مواطنين فيها.
فالانشقاقات والاندماجات دائمة في النظام السياسي والحزبي الإسرائيلي، ونحن نكتب هذه السطور أُعْلِنَ عن انشقاق حزب (بوعز هندل) واندماجه مع اليمين في كتلة برلمانية ستخوض الانتخابات القادمة، وأيضاً حدث اندماج ما بين (أزرق أبيض) و(أمل جديد) سيكون في الانتخابات القادمة.
ووفقاً لهذه الصورة الواضحة والآخذة في الاتساع أكثر وأكثر حول توحش اليمين الإسرائيلي بكافة أقطابه ومسمياته بدورات الكنيست الانتخابية المتلاحقة، فأصبح يسيطر على كنيست إسرائيل 90% من أعضائه يمين ويمين وسط ويمين متطرف، فما هو المطلوب منا نحن الفلسطينيين؟ واستناداً لأي استراتيجية علينا أن نعمل؟ خصوصاً ونحن نرى هذا التطرف يعمِّق من استيطانه وإجراءاته القمعية تجاه الفلسطينيين واستباحة كل المواثيق والشرائع والقرارات الأممية الخاصة بهذا الشأن، وأيضاً بحقوق الإنسان، على الرغم من التزامنا حتى اللحظة كفلسطينيين بكل مقررات الأمم المتحدة والاتفاقات الموقَّعَة والمحددات الدولية وفقاً لهذه القواعد والمحددات استناداً لمصالحنا العليا، ولهذا فنحن ملزَمون بمواجهة هذا التغوّل اليميني على حقوقنا المشروعة، ورفض ومواجهة كل المشاريع البديلة التي تُعْرَض علينا في كل مرحلة وبشكل مختلف، والعمل على استعادة الوحدة الوطنية التي وفقها ستشكل حائطَ سدٍ منيعاً أمام مقترحات وحلول منقوصة في مجملها تهدف لمنع إقامة دولة فلسطينية مستقلة وسيادية وبالتالي حرماننا من حقنا في تقرير المصير.