الانفتاح الشامل على إسرائيل يخدم المصالح التركية

بقلم: تمارا حداد
يُعتبر النظام التركي الأكثر دهاءً وحنكة في صياغة المواقف وتأطير العلاقات الخارجية من بينها “التركية _الإسرائيلية”، فقبل التطبيع المُعلن مؤخراً كانت العلاقة تظهر تبايناً سياسياً بين الفتور والنهوض وغراماً اقتصادياً مستمراً، فلم تشهد تلك العلاقات بشقيها التجاري والعسكري أي تراجع أو تأثر في المواقف البينية ذات الصلة بالعرب وقضاياهم، بل شهدت في بعض فتراتها نقلات نوعية أسست لعلاقات ذات طابع خاص بعيدة تماماً عن السياق الإيديولوجي الذي يُجاهر به.


حيث أن تركيا تُقيم علاقات مع اسرائيل منذ عام 1949 عرفت فترات مدٍّ وجزر، وكانت تركيا من أولى الدول التي اعترفت بإسرائيل، وذلك يوم 28  آذار 1949 بعد أقل من عام على تأسيسها يوم 14 أيار 1948، وبنت تركيا علاقاتها مع إسرائيل على أسس المصالح المشتركة.

وفي بعض الفترات تراجع التعاون الاقتصادي بين تركيا وإسرائيل بحيث انعكس بشكل سلبي أكبر على الاقتصاد التركي الذي واجه مصاعب كبيرة وانخفضت قيمة الليرة التركية إلى مستوى قياسي غير مسبوق ليصبح الدولار الواحد يوازي 4.65 ليرة تركية، لذا ارتأت تركيا إلى معاودة التعاون بين تركيا واسرائيل من خلال تطبيع واتفاق رسمي.

إن إعلان التطبيع الأخير هو إعلان صريح بعدم مقاطعة تل أبيب سياسياً مهما برزت أي من الأزمات بين أنقرة وتل أبيب وهذا يعني قدرة تركيا على اللعب بالملف الفلسطيني وبروز دورها بشكل واضح فيه، واتفاق التطبيع هو معاودة العلاقات الثنائية بين البلدين وإشارة واضحة إلى اعتراف تركيا الحقيقية بالسيادة الاسرائيلية على أرض فلسطين وأن القدس عاصمة إسرائيل، فضلاً عن توقيع البنود التي تضمنت تنسيقاً أمنياً واستخباراتياً عسكرياً ضخماً في المنطقة والتنسيق الاقتصادي بخصوص الغاز الطبيعي.

تُعد تركيا من أكثر الدول الإسلامية التي ترتبط بعلاقات وثيقة مع إسرائيل، وهي علاقات نمت بشكل كبير خلال حكم الأحزاب ذات التوجهات الإسلامية، وبالتحديد في المجال العسكري حيث ان في العام 2018 قدمت شركة (إيلتا) الدفاعية الإسرائيلية لتركيا أجهزة إلكترونية لأربع طائرات مزودة بنظام الإنذار والمراقبة المحمول جوا (أواكس)، وتركيا اشترت الأجهزة من (بوينغ) والشركة الإسرائيلية هي مجرد وكيل لـ(بوينغ)، ناهيك عن الجوانب الاستراتيجية بين الجانبين المتمثلة بالعلاقات البحرية.

لقد نجح مجال الطاقة في أن يخلق قاعدة مشتركة للتعاون الاستراتيجي بين تركيا وإسرائيل، فالأخيرة تساند من البداية مشروع مد خط أنابيب من مدينة باكو إلى ميناء جيهان لنقل النفط والغاز من بحر قزوين إلى البحر المتوسط بهدف الحد من اعتماد الغرب على خطوط النفط المارة عبر إيران وروسيا، كما تساند إسرائيل التطلعات التركية الرامية إلى تحويل تركيا إلى “مركز عالمي للطاقة”، وهو الأمر الذي أسهم بشكل كبير في توثيق التعاون الاستراتيجي بين البلدين فى ظل حكم حزب العدالة والتنمية، وجعلهما يتجاوزان العراقيل التي وقفت أمام تطور العلاقات بينهما، وهو ما يؤكد على أن التعاون الاقتصادي ركيزة أساسية في العلاقات الاستراتيجية بين البلدين، وليس فقط التعاون الأمني والعسكري كما يبدو واضحاً.
هدف تركيا هو أن تكون ضمن “مشروع القرن الاستراتيجي” ويهدف هذا المشروع إلى ربط البحور الأربعة “قزوين والأسود والمتوسط والأحمر”، ويساعد على ربط منطقة آسيا الوسطى بالشرق الأوسط ضمن رؤية تركية لدور محوري في “مشروع طاقة أكبر” يمتد من الصين شرقاً إلى أوروبا غرباً ومن تركيا شمالاً إلى الهند جنوباً. ويتضمن هذا المشروع من ضمن ما يتضمن أنابيب لنقل النفط والغاز والماء والكهرباء والألياف الضوئية من تركيا إلى إسرائيل.

ان مشاريع التعاون الأمني بين إسرائيل وتركيا ساهمت في تغيير موازين القوى في المنطقة، ولا ننسى ان الدعم التركي بدعم المعارضة المسلحة السورية اتاح لها تعاونا مع إسرائيل، وهذا الدعم التركي للمعارضة السورية جاء تنفيذا لسياسات أميركا وإسرائيل لإسقاط نظام بشار الأسد، لتحقيق أهداف ثلاثة: أولها فصل سوريا عن إيران، والثاني إيقاف الدعم الإيراني لحركات المقاومة في لبنان وفلسطين، وثالثها حمل دمشق على إبرام اتفاق سلام مع إسرائيل بما يتماشى وحسابات الأخيرة.

وهناك تعاون تركي- إسرائيلي في مجال الأمن من خلال إنشاء قاعدة الإنذار المبكر في كوراجيك بمدينة ملاطيا هو حماية أمن إسرائيل، وإعطائها فرصة للتجسس على شمال إيران من خلال أذربيجان.

ووصل التبادل التجاري بين تركيا واسرائيل في العام 2017 إلى 4.3 مليار دولار، وهناك عمليات تصدير تتمحور حول صناعات بتروكيميائية باعتبار أن تركيا مركز ترانزيت لتوريد الطاقة باتجاه أوروبا، ناهيك عن السياحة المستمرة بين البلدين.
تركيا تعتبر الدولة الأولى تصديراً للأسمنت إلى إسرائيل، والمزود الأول للحديد لإسرائيل حيث غطت منتجات الحديد التركية 45 في المئة من مجمل احتياجات إسرائيل في عام 2017 .

تركيا وإسرائيل لديهما اختلافات كبيرة فيما يتعلق بالقضية النووية الإيرانية، ففي حين تنظر اسرائيل إلى البرنامج النووي الإيراني باعتباره يمثل خطراً وجودياً، إلا أن تركيا لا تنظر إلى إيران باعتبارها تهديداً استراتيجيا لها، لكنها تدرك بأن تحقيق إيران لقدرات نووية من الممكن أن يغير موازين القوى في المنطقة ويقوض استقرارها، فتركيا تؤكد علناً بأنها تريد منطقة الشرق الأوسط كمنطقة خالية من الأسلحة النووية.

التطلعات الإيرانية النووية عززت “التقارب التركي_الإسرائيلي”، حيث تجمع الدولتين نفس المخاوف من أن تصبح إيران دولة نووية. فمتخذي القرار في إسرائيل يرون أن وجود أسلحة نووية في يد إيران يشكل تهديداً فعلياً، بينما يرى الأتراك أن إيران باتت تشكل التهديد الأول عليهم كون السلاح النووي الإيراني سيشكل التهديد الأخطر على أمن منطقة الشرق الأوسط.

وان تم التطبيع الكلي بين تركيا واسرئيل فإن تركيا لن تتخلى عن “حماس”، وأنقرة لا تزال تريد بناء علاقات مع الحركة كورقة متعددة الاستخدام منها تحسين موقفها التفاوضي مع القوى السنية في المنطقة والضغط على “حماس” إن حدثت حرباً مع اسرائيل لإرساء الهدنة طويلة الأمد.

خلاصة:
كانت سياسة تركيا بالنسبة لاسرائيل متناقضة لكن بعد توقيع اتفاق التطبيع أصبحت العلاقة واضحة سياسياً واقتصادياً ودبلوماسياً وأمنياً، ومن يُدقق في مسيرة العلاقات “التركية_ الاسرائيلية” خلال السنوات الماضية سيكتشف انها لم تكن هناك أزمة بالمعني الحقيقي، وانما كانت ازمة اعلامية سياسية دبلوماسية وهي ازمة كانت مدروسة على الصعيد التركي الهدف منها كسب العالم العربي والإسلامي وهي عبارة عن جزء من الحملة الاعلامية لبناء دور تركي وترويج هذا الدور في المنطقة ليكون مدخلاً الي الشارع العربي، إلا أنه بالرجوع لمسيرة العلاقات التركية الإسرائيلية خلال هذه السنوات سيجد أنها بقيت جيدة للغاية ولكن ضمن أطر سرية وأمنية عالية المستوى، ويمكننا القول إن الانفتاح على إسرائيل يخدم المصالح التركية على الصعيد الاقتصادي والعسكري والجيوسياسي.

Exit mobile version