كتب: هاني عوكل
على الرغم من فوزه بولاية رئاسية ثانية قبل شهرين بالضبط، إلا أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لم يتمكن من تحقيق الانتصار السياسي الكامل، خصوصاً بعد أن خسر الأغلبية المطلقة في الانتخابات التشريعية التي جرت في التاسع عشر من الشهر الجاري.
ماكرون الذي وعد أن يكون رئيساً لجميع الفرنسيين وليس لفريق ضد آخر، مُني بخسارة كبيرة بعد أن فقد الائتلاف الرئاسي “معاً” الذي يقوده حزبه الأغلبية الساحقة في البرلمان، بحصوله على 245 مقعداً من مقاعد الجمعية الوطنية وعددها 577 مقعداً.
الانتخابات الرئاسية وبعدها التشريعية التي جرت في غضون شهرين، تعكس تباين الرأي العام الفرنسي حول سياسات ماكرون، خصوصاً وأن الرجل لم يتمكن من حل ملفات ساخنة على المستويين الداخلي والخارجي.
على الصعيد الداخلي، يلحظ تصاعد الغضب بين الطبقات العاملة والمتوسطة على سياسات ماكرون الاقتصادية، بسبب ارتفاع أسعار الوقود وتكاليف المعيشة ورفع الحد الأدنى للأجور وإصلاح سن التقاعد، وكذلك ملف جائحة “كورونا” الذي استنزف كثيراً من مصداقية الرئيس ووعوده.
ربما أراد الرأي العام الفرنسي معاقبة الرئيس على سياساته الإصلاحية التي لم تترجم على أرض الواقع، إذ انتخبه رئيساً للمرة الثانية قبل شهرين خوفاً من صعود اليمين المتطرف، لكن منعه في الانتخابات التشريعية من الحصول على الأغلبية المطلقة.
هذا الانقسام السياسي يعكس إلى حد كبير حالة الانقسام المجتمعي، وبالتالي لن تكون علاقة الرئيس وحكومته في ولايته الثانية مع الأحزاب المعارضة تحت قبة البرلمان علاقة “حب من طرفين”، إذ سيحاول ماكرون استمالة أحزاب سياسية مثل يمين الوسط واليسار الاشتراكي إلى صفه.
في خريطة الأحزاب السياسية حصل الاتحاد الشعبي اليساري على 131 مقعداً في البرلمان الجديد، وفي الجهة الأخرى حصل حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف الذي تقوده مارين لوبان على 89 مقعداً مقارنةً بثمانية مقاعد في البرلمان السابق.
هذه النتائج تعد مؤشراً قوياً على أن ماكرون لم يحقق نجاحاً مهماً على المستوى الداخلي، وبالتالي سيعاني كثيراً من تمرير مشروعات القوانين في البرلمان وسيصعب عليه قيادة الحكومة على هواه بدون مساءلات واعتراضات من قبل الأحزاب المعارضة.
على الصعيد الخارجي تنوعت سياسات الرئيس بين الفشل والنجاح، حيث شهدت في سنوات رئاسته الخمس نشاطاً كبيراً وحضوراً على الساحة الدولية، لكنها لم تكن بالمجمل نشاطات ذات مردود إيجابي.
على صعيد منطقة الشرق الأوسط، جعل الرئيس الفرنسي ملف لبنان من أهم أولوياته، وتدخل شخصياً لحل الاستعصاء السياسي وجمع الفرقاء وتشكيل حكومة تكنوقراط، غير أنه لم يحقق أي نجاح في هذا الموضوع. في سورية لم يكن هناك أي حضور فرنسي قوي بسبب الوجودين الروسي والأميركي.
وعلى صعيد الملف الإيراني، حاول ماكرون منذ بدايات رئاسته التفاوض مع طهران وإيجاد حلول تسمح للشركات الفرنسية الاستثمار في هذا البلد، وفي النتيجة أخفق وأذعن للولايات المتحدة التي أفشلت في عهد ترامب الاتفاق النووي مع إيران.
من أهم إنجازات ماكرون أن بلاده في فترة رئاسته ضاعفت بيع الأسلحة إلى دول الشرق الأوسط والهند واليونان، وتصنف بلاده ثالث أكبر مصدر للسلاح بعد الولايات المتحدة الأميركية وروسيا.
أما على صعيد الاتحاد الأوروبي، سعى الرئيس الفرنسي أن تقود بلاده هذا التكتل بعد خروج بريطانيا من الاتحاد، لكنه اصطدم بألمانيا المصنفة رابعاً على مستوى العالم من حيث القوة الاقتصادية، وحلمه بتأسيس جيش أوروبي والاستقلال العسكري عن الحماية الأميركية لم ير النور ولن يرى النور في ضوء التحديات الجديدة وحرب روسيا على أوكرانيا.
أخيراً في موضوع الحرب الروسية على أوكرانيا، دخل ماكرون بقوة على خط التفاوض مع نظيره الروسي بوتين لمنع الحرب، وتحدثت الصحافة عن إجرائه أكثر من 15 اتصالاً مع الرئيس الروسي، ومع ذلك فشل في هذا المسعى، وأدرك مبكراً أن باريس وأوروبا الغربية ستدفع ثمن هذه الحرب سياسياً واقتصادياً.
تحديات كثيرة تواجه ماكرون في هذه الأيام وهي مقلقة أكثر من الفترة الرئاسية الأولى، خصوصاً وأن حزب لوبان تحديداً يكنّ له العداء، وأي فشل آخر للرئيس الفرنسي في السياسة الداخلية على وجه الخصوص قد يستثمره حزب التجمع الوطني لزيادة وفعالية حضوره تحضيراً للمعارك السياسية والانتخابية المقبلة.
وإذ فاز في الانتخابات الرئاسية الثانية وخسر في الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية، فبين الفوز والخسارة شعرة معاوية، إذا لم يترجم الرئيس شعاره “رئيساً لكل الفرنسيين” بإحداث تغيير مهم يُحسّن أحوالهم ومستوياتهم المعيشية.