أكدت صحيفة “زمن إسرائيل”، أن أجهزة أمن الاحتلال تراقب الأوضاع المتحركة في الجامعات الفلسطينية بالضفة الغربية، وسط تخوفات من تحولها مع مرور الوقت إلى معاقل معارضة قوية للسلطة الفلسطينية، في ظل تراجع سيطرة السلطة في الضفة الغربية، وظهور حالات من التشكيلات العسكرية في عدد من مخيمات اللاجئين فيها.
وتزعم المحافل الإسرائيلية أن رئيس السلطة محمود عباس، يبذل قصارى جهده لمنع خصومه في الضفة الغربية من رفع رؤوسهم، لكن الاحتجاج ضده ينبع من أماكن أقل قابلية للتنبؤ بها وهي حرم الجامعات التي باتت تستيقظ وتتحول إلى ساحة معركة بين الطلاب وأجهزة الأمن الفلسطينية.
وقالت الخبيرة الإسرائيلية في الشؤون الفلسطينية دانا بن شمعون، في مقال، إن “السلطة الفلسطينية، ومن خلال بعض مفاتيحها القوية، قررت إغلاق جامعة بيرزيت، التي تعتبر من الجامعات الرائدة والأكبر في الضفة الغربية، منذ عدة أسابيع، لكن هذه المرة ليس بسبب كورونا، فقد اندلعت الأزمة في الجامعة بعد أن داهمت قوات الأمن الفلسطينية مساكن الطلبة، وأجروا عمليات تفتيش، ومصادرة مواد، واعتقال طلاب منتمين للكتلة الإسلامية التابعة لحركة حماس”.
وأضافت: “الكتلة الإسلامية سبق لها أن فازت عدة مرات في انتخابات اتحاد طلاب الجامعة في العقد الماضي، ومع تصاعد التوتر تدريجياً بين أنصار حركة فتح والكتل الطلابية الأخرى، اضطرت إدارة الجامعة لإغلاق أبوابها بضعة أيام”.
وتابعت: “بعد العودة لمقاعد الدراسة، استأنف الطلاب القريبون من حماس أنشطتهم بمناسبة ذكرى انطلاقة الحركة، وأقاموا مهرجانا عسكريا رفعت فيه أعلام حماس، وقبل ذلك بساعات قليلة داهم الجيش الإسرائيلي الجامعة لإجراء عمليات تفتيش ومصادرة مواد تحريضية”.
واعتبرت أن الأمر لا يتوقف عند المضايقات التي تنفذها أجهزة السلطة الفلسطينية للكتل الطلابية في انتهاك صارخ للحريات الأكاديمية، بل إن الأمر يتعلق أساسا بتسجيل سلسلة اقتحامات للجيش وأجهزة الأمن الإسرائيلية لمقار الجامعات الفلسطينية بالضفة الغربية، والتي أسفرت عن اعتقال عدد من نشطاء الكتل الطلابية، خاصة في الكتلة التابعة لحركة حماس، والتنظيمات اليسارية كالجبهتين الشعبية والديمقراطية.
وأشارت إلى أن “أجهزة أمن الاحتلال لا تغفل أن مهندس حماس الأول يحيي عياش كان ناشطا في الكتابة الإسلامية بجامعة بيرزيت، وكذلك تخرج منها كبار قادة حماس وذراعها العسكري، ممن وقفوا خلف التخطيط وتنفيذ سلسلة دامية من الهجمات المسلحة التفجيرية والاستشهادية ضد الاحتلال، خاصة خلال حقبة التسعينيات، مما يجعل عيون الاحتلال مسلطة باتجاه نشطاء الكتلة الإسلامية، كي لا يخرج مهندسون آخرون”.
وفي الوقت ذاته، تتشارك أجهزة الأمن الإسرائيلية مع نظيرتها التابعة للسلطة الفلسطينية من قلقهما الكبير من ازدياد قوة حماس في الضفة الغربية، موضحة أن المفهوم السائد في مقر الرئاسة الفلسطينية برام الله أن الذراع الطلابي لحماس في بيرزيت، أو في أي جامعة أخرى، يجب ألا يسمح له برفع رأسه.
ولا يقتصر الأمر على جامعة بيرزيت فقط، فقد شهدت الجامعة الأمريكية العربية في جنين أحداثا مماثلة أسفرت عن استشهاد أحد الفلسطينيين خلال اشتباكات بالأسلحة النارية، بسبب توترات أمنية موجودة، كما عطلت الحوادث الخطيرة نمط الحياة الأكاديمية في جامعة القدس الواقعة في بلدة أبو ديس قرب القدس، وفي جامعة الخليل اقتحم عشرات مسلحي الأجهزة الأمنية الفلسطينية الحرم الجامعي كجزء من الصراع الدموي بين عائلتي الجعبري والعويوي، وكذلك الحال في جامعة النجاح في مدينة نابلس.
ويشير الفلسطينيون، وفق التقديرات الإسرائيلية، لما يعتبرونها سياسة “الباب الدوار”، وتتمثل بتبادل اعتقالات الطلاب الجامعيين النشطاء بين أجهزة الأمن الفلسطينية والإسرائيلية، وقد اعتقل العشرات من الطلاب على هذه الطريقة، من قبل السلطة الفلسطينية وإسرائيل، حيث تعملان معًا، إسرائيل تعتقل ناشطا سياسيا فلسطينيا، ثم تطلق سراحه، حتى تأتي السلطة الفلسطينية وتقوم باعتقاله من جديد، وبالعكس.
ورأت المحافل الإسرائيلية أن ما يمكن وصفها ظاهرة “فوضى السلاح” في الضفة الغربية انتقلت من الشارع إلى الحرم الجامعي، ما يثير تساؤلات حول ما إذا كان أبو مازن قد بدأ يفقد السيطرة على إحدى أهم الساحات، التي قد تنبثق منها الاضطرابات ضد حكمه، وهي الجامعات، مع أن الاحتجاجات التي أغرقت الشوارع الفلسطينية منذ ستة أشهر بعد قتل الناشط نزار بنات من قبل قوات الأمن الفلسطينية، لا زالت متواصلة، رغم أنها تتراجع أحيانا.
تعيد هذه الأحداث الى أذهان الإسرائيليين ذلك الدور الذي لعبته الجامعات الفلسطينية من أدوار مهمة في الانتفاضتين الرئيسيتين في العقود الأخيرة، انتفاضة الحجارة 1987، وانتفاضة الأقصى 2000، وشكلت حينها أرضا خصبة للتخطيط وتنفيذ أعمال مسلحة ضد إسرائيل، وطالما أن الاضطرابات في الحرم الجامعي آخذة في الازدياد هذه الأيام، فإن الاعتقالات التي تقوم بها أجهزة الأمن الفلسطينية والإسرائيلية ضد الطلاب ستزود الاحتجاجات بمزيد من الوقود، مما يجعل أبو مازن وفريقه يواجهون هذا التحدي أكثر من أي وقت مضى.