أعرب خبيران عسكريان أمريكيان عن خشيتهما من أن تؤدي أزمة أوكرانيا إلى صراع مُسلح يهدد بحرب عالمية ثالثة بين روسيا والغرب.
حان وقت التحرك، إذ ليس هناك متسع من الوقت
واستهل الجنرال المتقاعد ديل دايلي، الذي سبق أن قاد العديد من وحدات العمليات الخاصة وأشرف على جهود مكافحة الإرهاب بوزارة الخارجية الأمريكية، وجيمس بي فارويل الزميل المشارك في قسم دراسات الحرب في كينغز كوليدج بجامعة لندن، الذي قدم المشورة لقوات العمليات الخاصة ووزارة الدفاع الأمريكية، مقالهما في مجلة “ناشيونال انترست“، بتأكيد حاجة كل من روسيا والغرب إلى “استراتيجية كبرى تُعيد تحديد علاقاتهما، وتعطي كل طرف ما يلبي كبرياءه ومصالحه الأمنية، وتمنع اندلاع صراع قد يتحول إلى حرب عالمية ثالثة”.
أفكار قابلة للتنفيذ
وقالا إن أحد الجوانب الرئيسة في الموقف الأمريكي يتمثل في الامتناع عن الرد على تهديدات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وتحويله إلى موقف استباقي لحل الأزمة، واقتراح أفكار قابلة للتنفيذ لمصلحة الطرفين.
وطرح الكاتبان الاستراتيجيات المعقولة التي قد تلائم كل أطراف الأزمة، والتي يجب دراستها لإيجاد أرضية مشتركة لتجنب الحرب.
وإذا وُصفت الاستراتيجية الكبرى التي انتهجها الرئيس الأمريكي الأسبق دوايت آيزنهاور بسياسة “احتواء”، فإن الاستراتيجية المقترحة تندرج تحت مسمى “توازن”. ولا يُنظر إلى روسيا، بموجب هذا المفهوم، على أنها “صديق أو حليف”.
نفوذ دون ايديولوجيا
أدركت سياسة الاحتواء أن للاتحاد السوفييتي طموحات توسعية، ورفض آيزنهاور التعايش معها، وعمل على دحر الشيوعية وكان محقاً في ذلك، وفقاً للباحثين.
ويعتقد الكاتبان أن روسيا تريد إحياء دائرة نفوذ الاتحاد السوفييتي قبل انهياره، لكنها لا تقدم أيديولوجيا لذلك. ومع سعيها لنفوذ عالمي باعتبارها قوة عظمى، فإن ما ينقصها هو الطموحات الإمبريالية الشيوعية.
وأضافا أن التعايش الواقعي المتجذر في القوة أمر منطقي عند الغرب الموحد بقيادة الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، بتركيزه العسكري، والاتحاد الأوروبي، بتركيزه السياسي، معتبرين أن تحقيق هذا الهدف “سيُمكن الغرب من الانتباه الكامل إلى تحدياته الرئيسية، خاصةً التي تشكلها طموحات الصين”.
وقال الخبيران، في مقالهما المشترك، إن النزعة القومية والغطرسة هما اللتان تدفعان بوتين إلى استعادة نفوذ روسيا والتحكم في مجالها السابق.
كما ينظر بوتين إلى “ثورة الميدان” التي أطاحت بالحكومة الموالية لروسيا في أوكرانيا على أنها “ثورة ملونة” برعاية أمريكية، وتُشكّل جزءاً من مخطط يهدف إلى الإطاحة به من السلطة.
5 تصوّرات
وقال الباحثان إن إطار عمل مستقر بين روسيا والغرب يجب أن يشتمل على 5 تصورات:
أولاً، أن تتوفر ضمانات تقضي بألا تنضم أوكرانيا وجورجيا إلى حلف شمال الأطلسي، ويمكن لأوكرانيا في هذه الحالة قبول وضع مشابه لوضع النمسا، الدولة الديمقراطية التي تلتزم بالحياد في تعاملها مع جميع الأطراف.
ثانياً، الاعتقاد أن بوتين يخشى أن يؤدي نظام ديمقراطي ناجح في أوكرانيا إلى عواقب تمتد آثارها إلى روسيا وتقوّض سلطته.
ثالثاً، تكمن إحدى طرق المضي قدماً في الاتفاق المُتبادل، على توقف الغرب وروسيا عن التدخل في الشؤون الداخلية لبعضهما البعض.
رابعاً، يريد بوتين إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، لكن عليه أن يكون واقعياً، فالفساد، وإخفاق الشيوعية هما السبب في هزيمة الاتحاد السوفييتي، وليس الغرب.
خامساً، يُريد بوتين التعامل معه باحترام باعتباره قوة عظمى مساوية.
تعامل مماثل
ورأى الباحثان أن على الغرب، في المقابل، أن يطلب من روسيا تعاملاً مماثلاً، وعلى الطرفين أن يلتزما، أولاً، بالكف عن التدخل في سياسة الآخر أو في شؤونه الداخلية.
ثانياً، على روسيا التعهّد بتجنب استخدام خط “نورد ستريم 2” وسيلة ضغط سياسية للتأثير على السياسة الأوروبية. وأن تحدد الدبلوماسية ما يعنيه ذلك عملياً.
ثالثاً، على روسيا إدراك أن الغرب يتصرف باعتباره جبهة موحدة من خلال الولايات المتحدة، وحلف ناتو، والاتحاد الأوروبي، والأطراف الأخرى.
رابعاً، على روسيا السيطرة على القرصنة الإلكترونية “الإجرامية” من الدولة الروسية ووكلائها الذين يُطلق عليهم “المخترقون الوطنيون”، والجماعات “الإجرامية” العابرة للحدود التي تعمل من داخل روسيا.
خامساً، وهذه مسألة دبلوماسية قد تستغرق وقتاً لتؤدي دورها، على روسيا والغرب العمل على إيجاد أرضية مشتركة تقرّ بأن هناك خطراً وجودياً متمثّلاً في طموح الصين، لفرض تفوّقها العسكري والاقتصادي على العالم بحلول 2049، الأمر الذي يُشكّل تهديداً وجودياً لروسيا والغرب معاً، وفق الباحثين.
حان وقت التحرّك
وأضاف الكاتب “من المنظور الغربي، يجب التمسك بأي صفقة. وإذا لعبت روسيا دوراً سريعاً في صفقة ما أو أوقفتها، فإن كل الرهانات ستنتهي، وعلى الغرب أن يتحرك بقوة لحماية مصالحه الأمنية سياسياً وعسكرياً. بما في ذلك، تزويد أوكرانيا بالدعم العسكري الأساسي للدفاع”.
وأضافا “من الواضح أن الأمور أكثر تعقيداً ودقة، ولكن هذه الأفكار تبدو منطقية، وقد تُساعد في تكوين إطار عمل للتفاوض. وبالنسبة للولايات المتحدة، على إدارة بايدن أن تسعى إلى التشاور والدعم من الحزبين حتى تتمكن من تقديم جبهة موحّدة”.
وقالا إن “روسيا ترى ضعفاً استراتيجياً واضحاً في الاستقطاب في السياسة الأمريكية، وأن الوحدة ضد روسيا ستقوي يد الولايات المتحدة في التعامل معها”.
وخلص الباحثان إلى أن كل أطراف أزمة أوكرانيا مدينة لنفسها ومواطنيها، وللعالم بتجنب التورط في نزاع مسلح قد يتطور بالخطأ إلى حرب عالمية ثالثة، وحان وقت التحرك، إذ ليس هناك متسع من الوقت”.