كتب: صادق الشافعي
يزيد من جدية وأهمية الأسئلة والملاحظات، أنه رغم مرور عام ونصف العام على هذه الحرب، إلا أنه لا تبدو لها نهاية قريبة، ولا يلوح في الأفق بوادر أو نية للحل.
وأنها أيضاً وبالمحصلة لا تظهر تفوقاً حاسماً في المعارك الدائرة لصالح روسيا وقواتها، أو حسماً عسكرياً لصالح أوكرانيا ومن معها.
وبالإضافة إلى الرد الأوكراني في ساحات القتال العادية، فإن الطائرات الأوكرانية نجحت أكثر من مرة في الوصول إلى الأجواء الروسية، وفوق العاصمة موسكو ذاتها، رغم الحقيقة الأكيدة أنه في كل مرة تم التصدي المبكر لها ومنعها من تحقيق ضرب أي هدف لها.
ولذلك يصبح من الممكن التساؤل: هل كان وراء هذا الحال من الاستطالة في المعارك العسكرية خطأ في تقدير القيادة الروسية، وهي تقرر البدء بحربها على أوكرانيا لقوة وتماسك النظام الأوكراني ومؤسسته العسكرية ولقوة تحالفاته، أم كان وراء ذلك خطأ في تقدير دور الحلف الأطلسي بالتحديد، وللمدى الذي سيصل إليه الدعم الذي ستقدمه دول الحلف المذكور للدولة الأوكرانية في حربها ضد روسيا؟
وقد أثبت مجرى سير المعارك، واتساعها، وطول زمنها، أن الدعم الأطلسي من كل دوله تقريباً كان ولا يزال دعماً بلا حدود ولا قيود بالأسلحة والمعدات العسكرية، وأيضاً بالخبرات المتقدمة والنوعية العسكرية منها بالدرجة الأولى، وبتدريب القوات الأوكرانية على استعمال الأسلحة والأجهزة الأكثر حداثة والأكثر تدميراً، ثم الدعم السياسي والاقتصادي والدبلوماسي والإعلامي وبكل الخبرات في كل مجال، وفي مقدمتها الأسلحة النوعية والمتطورة، وتدريبه للقوات الأوكرانية على استعمالها.
الحقيقة القائمة، حتى الآن، أن الحرب في أوكرانيا ما زالت مستمرة وعلى جميع الجبهات العسكرية والسياسية والاقتصادية، وأنه لا أفق واضحاً وقريباً لانتهائها.
والحقيقة الملازمة والموازية أن الغرب، ممثلاً أساساً بحلف شمال الأطلسي، بكل قدراته السياسية والعسكرية والاقتصادية يرمي بكل ثقله في هذه المعركة خلف أوكرانيا.
يلفت النظر ويستدعي الانتباه أنه خلال فترة الحرب، وربما بتأثير مباشر أو غير مباشر وبنسب متفاوتة، حصل ويحصل عدد من المتغيرات والأحداث تلفت النظر:
الحدث الأول، هو الجدل حول الأوضاع الداخلية في الحلف الأطلسي، ودوره والمهام المناطة به، ثم دوره وعلاقاته على المستوى الدولي ومع دول العالم ومؤسساته.
يترافق ذلك مع رغبة دوله الأعضاء بضم دول أخرى إلى عضويته تكون راغبة ووازنة ومستقرة في أوضاعها وسياساتها في نفس الوقت. ومؤخراً بدأت تظهر تباينات في وجهات نظر الدول الأعضاء حول فعالية الدعم الهائل الذي قدم إلى أوكرانيا وإلى متى سيستمر.
والحدث الثاني، هو تنامي واتساع الدور الصيني، واتساع درجة حضوره وتأثيره على المستوى الدولي عموماً، وفي توسع علاقاته ودوره مع العديد من دول العالم وشعوبها، خصوصاً أن هذا الحضور يبقى ويستمر ويتقدم في حال من التوسع والاندفاع.
وهو ما يفتح الباب واسعا أمام دخول الصين قطباً عالمياً ثالثاً إلى جانب القطبين القائمَين: الولايات المتحدة الأميركية وروسيا. ويفتح الباب أمام الاعتراف به والتعامل معه على هذا الأساس.
الحدث الثالث، هو انضمام ست دول إلى منظمة بريكس العالمية، ثلاثة منها عربية وهي المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية ودولة الإمارات العربية المتحدة، إضافة إلى الأرجنتين وإيران وإثيوبيا. وهو ما يزيد الحضور العربي ويرفع قوة تأثيره في مسارها العام. وهو أيضاً، ما يرفع من وزن هذه المنظمة ويزيد من قدرتها وفعلها ودورها على المستويات المناطقية والإقليمية والدولية.
الحدث الرابع، هو ما يجري في عدد من الدول الإفريقية، إذ إن عدداً متزايداً من دول القارة الإفريقية بدأت في الأشهر الأخيرة تدخل في حال من الفوضى والاضطراب، مثل النيجر والسودان وأخيراً الغابون، وعنوان هذه الأحداث ومدخلها هو محاولات تغيير الحكم عبر صدامات وانقلابات عسكرية، والأسباب المعلنة وراء ذلك هي أوضاع وأسباب داخلية بالدرجة الأولى. وهو أيضاً ما يمتد ليشمل بحال الفوضى والاضطراب المذكور دولاً في محيطها القاري، ويؤثر أيضاً في استقرار تلك الدول وتطورها، وينعكس سلباً على العلاقات البينية في القارة.
ومن المفيد الانتباه إلى أن التتبع الدقيق لما يجري في إفريقيا يشير إلى أن هناك رغبة لدى شعوب هذه الدول في المحاولة للخروج من فلك هيمنة الغرب وسيطرته على مقدراتهم وثرواتهم ومصائرهم.
وهنا يصبح السؤال المشروع: هل كان لحرب أوكرانيا، والاصطفافات التي تلتها، وبروز حالة من الململة – التي قد تكون خجولة الآن – من التفرد الأميركي والهيمنة الاستغلالية، يد في ظهور هذه الأحداث؟