مقالة اليوم تتناول رؤية إسرائيل للسلام مع السعودية وماذا يعني لها ؟ وما هي دلالاته ومحدداته والثمن الذي يمكن أن تقدمه مقابل هذا السلام؟وإذا كان السلام مع مصر نهاية للحروب العربية فلا حرب بدون مصر، وإذا كان السلام مع الأردن قد وضع نواة السلام الفلسطيني الإسرائيلي ،وإذا كان السلام الإبراهيمي قد فتح نوافذ للسلام كثيرة وتثبيتا لهذا الخيار ومن قبله معاهدات أوسلو الفلسطينية الإسرائيلية التي أسست لهذا السلام على أساس الإعتراف بإسرائيل كدولة مقابل الدولة الفلسطينية فإن السلام مع السعودية ونظرا لأهمية السعودية الدينية والسياسية والإقتصادية ودورها المحوري الإقليمي والدولي فإنه يعني إضفاء الشرعية الكاملة على إسرائيل ، ويضع نهاية للصراع العربي الإسرائيلي ويغلق ملفه ،ويعتبر ترجمة للمبادرة العربية بمنظور وتفسير إسرائيل السلام مقابل السلام.
والقبول بها كدولة عادية إعتيادية في قلب المنطقة، وينفي عنها صفة الاحتلال، ويحصر الصراع الفلسطيني الإسرائيلي في دائرة الخلافات الضيقة حول بعض الحقوق. من هنا أهمية ومحورية السلام مع السعودية الذي قد يفتح كل ألأبواب مع الدول الإسلامية والعربية . في هذا السياق تدرك إسرائيل ماذا يعنى السلام مع السعودية والذي قد يرقى لمستوى وعد بلفور وقبول إسرائيل في الأمم المتحدة كما قال نتنياهو. ولا أذهب بعيدا إذا قلت ان هذا السلام قد يوثق السرديات والمقولات الإسرائيلىة بحقها التاريخي وحقها في هذه الأرض. وان إسرائيل على حق بل وقد يدعم الموقف الإسرائيلي في الكثير من القضايا. وتنظر إسرائيل للسلام مع السعودية على أنه الجائزة الكبرى بعد خمسة وسبعين عاما من اقامتها والسلام مع السعودية يحقق لإسرائيل مفهوم إسرائيل الكبرى وفكرة الدولة المحورية والقيادية للمنطقه بل ما هو أبعد من ذلك تثبيت فكرة الدولة المهيمنة والقادرة على توفير الأمن والبقاء لدول المنطقة ،وتحولا جذريا في مفهوم الدولة العدو وإلى الدولة العادية التحالفية .
وما فشلت فيه إسرائيل عبر حروبها العربية في إنتزاع الإعتراف والقبول والتطبيع تحققه لها معاهدة سلام تسعى وتزحف لعقدها مع السعودية. ولماذا السعودية : القدرات الإقتصادية والثقل السياسي والشرعية الدينية وفتح العلاقات مع الدول الإسلامية وإسقاط أي مبرر امام اي دولة تعارض السلام. ويمكن إضافة عامل أخر قوة ضغط كبيرة على الفلسطينيين للقبول بما هو معروض .
ويرى يوئيل جورانسكي في معهد دراسات ألأمن القومي الإسرائيلي أن هناك عوامل مباشره تدفع في مسار العلاقات والذهاب لمعاهدة سلام طبيعة المواجهة بين أمريكا والصين وتنامى قوة إيران والمشاكل الاقتصادية التي تواجه دول المنطقة كتركيا ومصر.ووجود لاعب جديد في المنطقه ممثلا في روسيا وتراجع الدور الأمريكي والفراغ الذي قد يحدثه هذا التراجع.والسلام مع السعودية وبلغة نتنياهو يعنى نهاية الصراع العربي الإسرائيلي. وبعدها سنعود إلى الفلسطينين ونحقق سلاما معهم.ويرى أن السلام مع السعودية سيغير التاريخ. وهو بمثابة العمل من الخارج إلى الداخل وان هذه المقاربة لديها فرصة أكبر من صنع السلام مع الفلسطينيبن ثم محاولة الإنطلاق والفلسطينيين إلى العالم العربي.
هذه هي مقاربة ورؤية إسرائيل للسلام مع السعودية الذي يعني غلق ملف الصراع العربي الإسرائيلي ، وتفريغ القضية من اهم مكوناتها وعمقها العربي وعندها يسهل الوصول إلى تسوية حتمية مع الفلسطينيين الذين لا يكون لديهم خيار آخر.هذه الرؤية تتفق مع الإستراتيجية الإسرائيلية التي تقوم على عدم دفع ثمن للسلام .وتنطلق من الحاجة لإسرائيل أكبر من حاجة إسرائيل للدول العربية. هذه الرؤية تدعمها السياسة الأمريكية في المنطقة وأولوياتها التي تأتي على قمتها الإلتزام بأمن وبقاء إسرائيل .
وان إسرائيل تعتبر ثابتا في السياسة الأمريكية ، ولذا تحاول إسرائيل توظيف علاقاتها الأمريكية للضغط على السعودية وغيرها من الدول العربية للدخول في معاهدات سلام مع إسرائيل والتي تشكل البوابة الواسعة للحفاظ على العلاقات الأمريكية بالمنطقة وعودة السياسة الأمريكية للمطقة لإحتواء التغلغل الصيني والروسي للمنطقة وللحد من علاقات الصين بالسعودية وغيرها. ومن ناحية ثانية تشكل أيضا أهم المقاربات لإحتواء إيران وطموحاتها النووية.
ولعل العائق الأكبر امام هذا السلام الحكومة اليمنية المتشدة في إسرائيل والتحالف بين القومية الصهيونية والدينية التي ترفض وجود دولة فلسطينية وتؤمن بفكرة إسرائيل الكبرى . وكما يقول فريدمان مخاطبا الإسرائيليين يمكنكم ضم الضفة الغربية أو إقامة سلام مع السعودية والعالم ألإسلامي .
وتبقى المعوقات من وجهة نظر إسرائيل في موقف القيادة السعودية وموقف الملك سلمان لما له من مساس في مكانة السعودية الدينية وان نسبة ما بين 70إلى 80 في المائة من السعوديين لا يريدون التطبيع وإسرائيل من جانبها ترى ان الإستجابة للمطالب السعودية وخصوصا في مجال بناء القدرات النووية اكبر من التطبيع. ومع ذلك إسرائيل ستسعى جاهده لعقد السلام مع السعودية ولعل اول المؤشرات تبنى إستراتيجية تقديم حزمة من التسهيلات للسلطة الفلسطينية بديلا عن الدولة في المرحلة الراهنة.وماذا عن رؤية السعودية ودوافعها وهذا هو موضوع المقالة القادمة.