هآرتس – بقلم جدعون ليفي- لا يوجد في العالم الكثير من المجموعات السكانية العاجزة مثل الفلسطينيين الذين يعيشون في بلادهم. لا أحد يدافع عن حياتهم وعن ممتلكاتهم. ليس هناك ما يتحدث عنه وعن كرامتهم، بل لا أحد ينوي فعل ذلك. هؤلاء أناس تركوا لمصيرهم تماماً. باتت ممتلكاتهم مباحة، مسموح إحراق بيوتهم وسياراتهم وحقولهم، وبالطبع إطلاق النار عليهم دون أي رحمة، وقتل الشيوخ والأطفال. لا قوة للحماية تقف إلى جانبهم، لا شرطة ولا جيش ولا أي جهة. وإذا أقاموا قوة دفاع بمبادرة منهم، تقوم إسرائيل بالتمييز ضدها على الفور، ويعتبر المقاتلون فيها “مخربين” وتعتبر نشاطاتهم “إرهاباً”. أما ومصيرهم فمعلوم، إما التصفية أو الاعتقال.
في كل جنون الأنظمة الذي خلقه الاحتلال، يعد منع الفلسطينيين من الدفاع عن أنفسهم أحد القواعد الأكثر هستيرية، معيار مفهوم ضمناً ولا أحد يناقشه. لماذا بربكم، محظور على الفلسطينيين الدفاع عن أنفسهم؟ من الذي سيفعل ذلك بدلاً منهم؟ عندما يدور الحديث عن “الأمن” يكون الحديث دائماً عن أمن إسرائيل، رغم أن الفلسطينيين هم الضحية الأكبر للاعتداءات وسفك الدماء والمذابح وأعمال العنف، ولا توجد لديهم أي وسيلة للدفاع عن أنفسهم.. لماذا؟
خلال ثلاثة أيام في الأسبوع الماضي، قام المستوطنون تقريباً بـ 35 مذبحة. وقتل جنود الجيش منذ بداية السنة نحو 160 فلسطينياً، غالبيتهم الساحقة لم يقتلوا لضرورة ملحة. وبشكل عام، كان قتلهم عملاً إجرامياً، بدءاً بالطفل محمد التميمي وانتهاء بالعجوز عمر أسعد. فلسطينيون أبرياء قتلوا عبثاً، ولا أحد يستطيع وقف الجنود الذين أطلقوا النار بدون تمييز، ولا الوقوف أمام القناصة ومطلقي النار. ليست هناك سلطة إسرائيلية خطر ببالها وقف مئات المشاغبين المستوطنين. في إخفاقاته وفي أعماله، كان الجيش الإسرائيلي شريكاً كاملاً في هذه المذابح، وشرطة إسرائيل أيضاً. الفلسطينيون تركوا لمصيرهم.
في الوقت الذي تركوا فيه لمصيرهم، وقف السكان وشاهدوا المستوطنين الحقيرين وهم يحرقون ببيوتهم وحقولهم وسياراتهم. حاولوا تخيل ذلك: مئات الزعران الحقيرين يقفون أمام بيتكم ويحرقون ويدمرون كل شيء ثم لا يمكنكم إلا انتظار مغادرتهم، وتأملون ألا يدخلوا بيوتكم كي لا يمسوا بالأطفال. لا جهة يتصلون معها هاتفياً، سواء الشرطة أو السلطات. ولا مساعدة يمكن استدعاؤها. ومع ذلك، أي خطوة يقومون بها للدفاع عن أنفسهم ستعتبرها إسرائيل إرهاباً. تخيلوا ذلك!
عندما يحاول المقاومون الشجعان من مخيم جنين للاجئين – الشجعان أكثر بكثير من جنود الجيش الإسرائيلي المحميين، بل وأكثر عدالة منهم أيضاً- إيقاف اقتحام الجيش للمخيم بالسلاح البدائي الذي لديهم ستعتبرهم إسرائيل إرهابيين، حكمهم واحد. المعتدي أصبح هو الشرعي، في حين من يحاول الدفاع عن نفسه وعن ممتلكاته هو الإرهابي. معايير أخلاقية وإجراءات قانونية لا يمكن تصديق مستوى عبثيتها. أي قتل للمقاومين الفلسطينيين بات عادلاً، بما في ذلك قتل الفتاة اللاجئة سديل ابنة 15 سنة، في حين أن أي إطلاق نار على جندي إسرائيلي معتد للدفاع عن النفس يعتبر عملاً لإرهابيين متعطشين للدماء.
في واقع آخر على الأقل، كان من المسموح الحلم بقوة حماية يهودية إسرائيلية تتجند للدفاع عن الفلسطينيين العاجزين. مثلما كان هناك بيض فريدون، من بينهم يهود مثاليون، هبوا لمساعدة السود في جنوب إفريقيا وحاربوا معهم وأصيبوا واعتقلوا معهم لسنوات كثيرة، كان يمكن الحلم بيسار إسرائيلي دفاعي، يتجند لمساعدة الضحية. مرافقة الطلاب إلى المدارس عمل نبيل، لكنه غير كاف. في كل سنوات الاحتلال لم تتحقق هذه الفكرة باستثناء محاولة أو محاولتين أحبطتهما إسرائيل على الفور. تصعب إدانة اليسار في إسرائيل بذلك، ولكن لا بد من طرح أفكار محزنة بشأن أفعاله.
في هذا الأسبوع، سيتم مرة أخرى قتل فلسطينيين بدون ذنب، وستدمر ممتلكاتهم. أطفال سيتبولون أثناء النوم من شدة الخوف عند سماع أي صوت في الساحة، وهم يعرفون أن والديهم لا يمكنهم فعل أي شيء للدفاع عنهم. وسيبقى الفلسطينيون عاجزين مرة أخرى.