كتب: صادق الشافعي
يبدو واضحاً وبما لا يدع مجالاً للشك أو الجدل أن دولة الاحتلال وحكومتها القائمة برئاسة نتنياهو قد حسمت مبكراً خيارها بشكل شديد الوضوح حتى السفور وشديد التحدي في نفس الوقت.
وإذا كان من ضرورة لتسمية هذا الخيار، فهو الاستيطان وسيلة والضم جوهراً وهدفاً. إذ تسابق دولة الاحتلال الزمن لتنفيذ الاستيطان بأوسع مدلولاته وحدوده ومناطقه وأراضيه ومساحاته،
وبترافق تام مع الاستعداد المفتوح للتعامل مع أي اعتراض عليه ورفض له او لأي من تفاصيله، والتصدي لذلك بأقصى درجات العنف والمرتبط بالدم المسفوك إذا تطلب الأمر.
تفاصيل خيار التوسع الاستيطاني وعناوينه التفصيلية أصبحت في غاية الوضوح، وأيضاً في غاية التحدي والاستعداد للمنازلة في سبيلها على أي درجة ومستوى وبأقصى الإمكانات وبكل الوسائل مهما كانت.
في هذا الخيار تبدو حكومة دولة الاحتلال الائتلافية في اعلى درجات الانسجام ووحدة الرؤيا، وفي اعلى درجات الاستعداد لخوض غمار فرض تنفيذها في ارض الواقع مهما كان الثمن ومهما كانت عواقب التحدي وأثمانه.
والحكومة تبدو على درجة عالية من الجاهزية للتعامل مع التنازلات المتبادلة بين مكوناتها، خصوصا وان هذه التنازلات تبقى تصب في المجرى الأكثر يمينية والأكثر تطرفاً وعدوانية.
هذا الخيار له عناوين وتفاعلات تفصيلية هامة :
أولها ان رئيس الوزراء نتنياهو ومن يمثله يبدو أكثر انسجاماً وتجاوباً مع ممثل القوى الأكثر يمينية وعدوانية، بالذات (وربما بالتحديد) في العنوان الرئيسي المذكور لحكومته، ومتجاوباً مع كل ما يلزم لتنفيذ هذا الخيار من تنازلات بين مكونات حكومته تبدو في خلفيتها ودرجة تطرفها اقرب الى الاستغراب.
وثانيها- بالارتباط والتوافق مع أولها- إطلاق يد دعاة الاستيطان المنفلت من كل عقال لإعلان، وبغطاء واسم الحكومة، أكثر المواقف تطرفاً وعدوانية ومقترنة في معظم الحالات بما يلزم ويتناسب مع العنف المطلوب وطبيعته ومستواه.
في محاولة لفهم موقف نتنياهو بتعبيراته الموصوفة آنفا يبرز عاملان أساسيان:
العامل الأول، ان نتنياهو نفسه ومعه حزبه السياسي ينتمي الى معسكر اليمين بقناعاته وخلفياته ومواقفه السياسية وغالباً النظرية والفكرية أيضاً.
تؤكد ذلك مسيرته السياسية ومواقفه العملية سواء كان في موقع السلطة والحكم أو من خارجهما، وموقفه الآن بفكره السياسي اليميني، ومعه حزبه، يصبح أكثر تجذراً وأكثر وضوحاً وأكثر اندفاعاً.
والعامل الثاني، ان كل القوى السياسية المشكلة لائتلافه الحاكم وبقيادته هي من نفس وصلب المعسكر اليميني بكل أفكاره ومنطلقاته ومواقفه بالذات لجهة الاستيطان والتوسع في الضفة الغربية الى أقصى مدى وصولاً للضم. وإذا كان من خلافات ثانوية بين مكونات الائتلاف الحاكم فهي تتركز على سرعته ودرجة شموليته ومستوى وأشكال العنف والظلم المرافق له.
وكنتيجة من نتائج التوافق في العنوانين المذكورين، فان نتنياهو يعطي من موقع الراحة والاطمئنان مساحات أوسع من المسؤولية لوزرائه حسب النوع ودرجة الحاجة التي يتطلبها موقف وموقع هذا الوزير أو ذاك.
وكواحدة من نتاج العاملين المذكورين وحال التوافق الذي يصنعانه فإن نتنياهو وحكومته لا يبدون اهتماماً يذكر بالموقف الدولي بالأساس وبمطالبه، خصوصاً وان تلك المطالب ان وجدت لا تتعدى المواقف الشكلية التي لا تمثل أي ضغط جدي على دولة الاحتلال وحكومتها القائمة.
حتى لو جاءت بعض المطالب من منظمات دولية فإن درجة الاهتمام بها لا تختلف كثيراً، خصوصاً وأنها تأتي في الغالب خالية من أي بعد عملي محدد ومن أي إجراءات يمكن ان يكون لها تأثير واقعي محدد وملموس.
ونستطيع القول إن بقية مجتمع دولة الاحتلال بما فيهم معارضو نتنياهو لا يختلفون كثيراً عن الحكومة فيما يخص القضية الفلسطينية. ولذلك يستطيع نتنياهو ووزراؤه وحلفاؤه خوض هذه المعركة دون معارضة داخلية أو خارجية تذكر.
وتهدف دولة الاحتلال من هذه المعركة خلق واقع سياسي ومادي يلغي بتصوره ومبتغاه الإمكانية الواقعية لقيام دولة فلسطينية على أرض فلسطين كنتيجة وطنية لمسار النضال الوطني الفلسطيني.
وكل ما يقال ويعلن غير ذلك عن استغلال المعركة لخدمة أهداف محددة ومحدودة لنتنياهو كشخص بذاته ولحلفائه لا يمثل جوهر المعركة وأهدافها الحقيقية.
وبالقضاء على خيار حل الدولتين وبالنتيجة المنطقية الوطنية والنضالية، فإن الشعب الفلسطيني بكل مقوماته ومكوناته الوطنية وقواه السياسية المناضلة يبقى هو صاحب المصلحة الوطنية الأولى في التصدي لمخططات دولة الاحتلال ورؤاها السياسية.