كتب: مفتي محافظة خان يونس الشيخ إحسان إبراهيم عاشور
يَتوَجَّهُ بعضُ الناس إلى ذَبحِ عَقائِقَ لأولادِهِم يومَ الأضحى، ظانـِّيْنَ أنها تـُغـْنِيهم عن الأضحيَةِ، وقد يَدفعُ بعضَهم لذلك البُخلُ، أو أنه قـُدِرَ عليه رِزقـُهُ، مع جَهْلٍ بالأحكام، وهذا تصرُّفٌ مُجانِبٌ للصَّواب، ومُجَافٍ لأصل الْمشروعية، وجَلاءُ هذا في نقاطٍ ثلاث: أولاً / إنَّ الأضحِيَّةَ أفضَلُ من العَقِيقَةِ بكثيـر، مِنْ حيثُ فضلُها، وثوابُها، ومشروعيتـُها، ووَقتـُها؛ فمَنْ لَم يَقدِر إلا على ذبحِ شاةٍ واحدةٍ، أو سُبْعِ بقرة في يوم العيد، فَلـْيَذبَحها أضحِيَّةً؛ فإنها أفضلُ وأوْلـىٰ مِنَ العَقيقةِ، من جوانبَ مُتعددةٍ، أظهَرُها ثلاثة:
( 1 ) إنَّ أيامَ العيد زمانٌ مَخصُوصٌ لِشَعِيْرَةِ نَحرِ الأضاحي؛ لقوله تعالى: ( فَـصَـلِّ لِـرَبِّـكَ وَانْـحَـرْ ) سورة الكوثر (2)؛ فقد أمَرَنا رَبُّنَا جَلَّ وعَلا بِنَحرِها بعدَ صلاةِ العيد، فَدَلَّ على أنَّ العِيدَ وَقتـُها.
( 2 ) إنَّ نَحرَ الأضاحي يومَ العيد أفضَلُ الأعمال، وأحَبُّها إلى الله تعالى؛ لِقولِ النبي صلى الله عليه وسلم: ” مَا عَمِلَ ابنُ آدَمَ يومَ الـنَّـحرِ عَـمَـلاً أحَبَّ إلى اللهِ مِنْ إهـرَاقِ دَمٍ، … ” أخرجه الترمذي وغيره عن عائشةُ رضي الله عنها، وصححه الْحاكم، وهذا يفيد أنَّ التقرُّبَ إلى الله تعالى بالأضحية هو أفضلُ الأعمالِ يومَ العيد، ولا ينافِسُها في ذلك أيُّ عملٍ آخر، ولو كان عقيقةً.
( 3 ) عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” مَـن كـان لَـهُ سَـعَـةٌ، ولـم يُـضَـحِّ، فلا يَـقْـرَبَـنَّ مُـصَـلانـا ” صحيح الْجامع (6490 ) ، والْمعنى أنَّ مَنْ كانت لَديهِ قـُدرةٌ على شِراءِ أضحيةٍ، فـَلـْيَذبَحها في العِيدِ، وإنْ لَمْ يَفعَلْ فلَيسَ أهلاً لِشُهودِ صَلاةِ العِيدِ؛ زَجراً لَهُ، وعُقوبةً على بُخلِهِ، وبذلك يَفوتـُهُ حُضورُ فـَرحةِ الْمسلِمين، ونـَيْلُ بَرَكةِ دُعائِهم، فدَلَّ هذا على أنَّ عيدَ الأضحى ليس لِلعَقيقَةِ.
ثانياً/ لا يُجزئُ سُبعُ بَقرَةٍ، ولا شاة ٌواحِدَةٌ عن العَقِيقَةِ والأضحيةِ معاً، ولا تدخل إحداهُما في الأخرى؛ وذلك للأسباب الثلاثة التالية:
( 1 ) إنَّ سَبَبَيْهِما، وما شُرِعَتا لأجْلِهِ مُختلِفان؛ فالعقيقةُ تـُذبَحُ شُكرَاً لله تعالى على نِعمَةِ الوَلَدِ؛ فهي فِداءٌ عن الْمَولود، أما الأضحيةُ فهي سُنـَّةُ أبِيْنَا إبراهيم عليه السلام تـُذبَحُ شُكراً لله تعالى على نِعمَةِ الْحياة، فتكونُ فِداءً للنـَّفسِ، كما كانت فداءً لِنفس أبِيْنَا إسماعيل عليه السلام.
( 2 ) إنَّ حُكْمَهُما أيضاً مُختلِفٌ؛ فالعقيقة مُستحَبَّةٌ، أما الأضحية فحُكمُها يرتقي إلى الوجوب على القادر عليها عند الْحنفية، وابنِ تيمية، وفي قولٍ لِمَالِكٍ، فالْمُسلمُ مُطَالَبٌ بالأضحية أكثرَ من مُطَالَبَتِهِ بالعقيقة.
( 3 ) وإنَّ توقيتَهما مُختلِفٌ كذلك؛ فالعقيقةُ تـُذبَحُ سَابِعَ يوم الولادةِ، أو متى استطاع الوَلِيُّ أو الوَلَدُ بعد ذلك، أما الأضحيةُ فتـُذبَحُ يومَ النـَّحر وأيامَ التشريق، ولا تـُجزِئُ بعدها.
ثالثاً/ وفيه بندان:
( أ ) إنَّ ذَبْحَ العقيقةِ يومَ العِيد، اكتِفاءً بها عن الأضحِيةِ، يُوقِعُ في مُخالَفَةِ ما جاء القرآنُ والسُّنـَّةُ بِمشروعِيَّتِهِ في يومِ العيد على وَجهِ الْخُصوص، ويُعَدُّ إعراضاً عن هذه الشَّعِيـرة الْمُباركة، وتـَركاً لِتعظيمِ شعائرِ اللهِ التي هي مِنْ تقوى القلوب، واستبدالاً للذي هُوَ أدنىٰ بالذي هُوَ خَيْرٌ.
( ب ) وقد اقتضَتْ حِكْمَةُ الله أنْ يكونَ ذبحُ العقيقةِ سابعَ يومِ الولادة؛ لِيَكونَ مقترناً بالفرَحِ بقُدُومِ الوَلَدِ، وبذلك يزدادُ الفَرَحُ، وتنتشِرُ البهجةُ بين الأهل والأحباب، ويَتبَسَّطونَ في الأكل منها في غير أيام العيد، ولو كانَ اللهُ عَزَّ شأنـُهُ يُريدُ أنْ تكونَ العقيقةُ في عيد الأضحى لـَشَرَعَها فيهِ ابتداءً، وبذلك يكون مَنْ ذَبَحَ العقيقةَ في عيد الأضحى، ولم يذبح أضحيةً، كأنـَّما أدخَلَ ابتداعاً على شرعِ اللهِ، ودَخَلَ في خطأ تبديلِ السُّنَنِ ذوات الْمُناسَبَاتِ. وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله، وصحبه، وسلم