كانت نجوى أبو عيشة على سطح منزلها في شمال غرب مدينة غزة عندما اخترقت شظية عمودها الفقري وأصابتها بشلل نصفي لتنضمّ الى عشرات الضحايا الفلسطينيين الذين أصيبوا في جولة العنف الأخيرة بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية.
وتروي السيدة وهي ممدّدة على سرير في مستشفى الشفاء غرب مدينة غزة “كنت علي السطح أتفقّد براميل المياه، فجأة سمعت صوت انفجار أدّى الى سقوط برميل مياه علي وسقطت على منزل الجيران. بعدها لم أشعر بأي شيء حتى أفقت في المستشفى”.
أبو عيشة ( 48 عاما) واحدة من بين 190 فلسطينيا أصيبوا بجروح متفاوتة، خلال خمسة أيام من العنف، وفق وزارة الصحة في القطاع الساحلي الفقير الذي تسيطر عليه حركة حماس.
وتتابع السيدة وهي محاطة بأفراد عائلتها في غرفة المستشفى “أصبت بشلل نصفي وأُعاني من ألم لا يُحتمل في باقي أجزاء جسمي، لا أقدر على الحركة”.
ولا تذكر السيدة كيف وقع الانفجار، إلا أن أحد أفراد أسرتها قال لوكالة فرانس برس إن منزلها يقع الى جانب موقع لحركة الجهاد الإسلامي.
ولا يزال ابنها الذي كان معها وقت الحادثة غير قادر على الكلام عمّا حدث. وتتابع والدته “لا توجد إمكانات في غزة، أتأمل أن يكون هناك علاج لحالتي خارج غزة”.
وبرّر الجيش الإسرائيلي سقوط عدد من الضحايا المدنيين بالقول إنه “أجرى تقييما أظهر أن الأضرار الجانبية المتوقعة للمدنيين والممتلكات المدنية لن تكون بالغة مقارنة بالنتائج العسكرية المتوقعة من الهجمات”.
وانطلق التصعيد بعد استهداف إسرائيل ثلاثة قادة عسكريين في حركة الجهاد الإسلامي التي ردّت بإطلاق عشرات الصواريخ على بلدات جنوب اسرائيل. وأسفر التصعيد عن مقتل 35 شخصا، بينهم 33 فلسطينيا في قطاع غزة.
ومن بين القتلى الفلسطينيين ستة أطفال وثلاث سيدات، بينما قُتل شخصان في إسرائيل، أحدهما عامل من غزة.
وكانت المواجهات الأخيرة الأعنف بين غزة وإسرائيل منذ آب/أغسطس 2022. وذكرت الأمم المتحدة نقلا عن مسؤولين محليين في قطاع غزة أن جولة التصعيد الأخيرة دمّرت نحو 103 منازل تدميرا كاملا فيما لحقت أضرارا بالغة بـ 140 منزلا.
ويشرح الطبيب معتصم النونو المشرف على أبو عيشة أن حالتها الصحية “مستقرة نوعا ما، لكنها تعاني من شلل نصفي في الأطراف السفلية. الإصابة كانت بالغة لدرجة أن لا أمل لها في استعادة الحركة في أطرافها السفلية”.
وتعني إصابتها أيضا قطع الدخل المادي للأسرة التي كانت تعيلها من خلال عملها في رياض للأطفال.
ويقول حازم مهنا (62 عاما) الذي يعمل في جمع التحف، إن تدمير منزله في غارة إسرائيلية على مدينة غزة “دمّر أحلامنا ومستقبلنا”.
ويروي وهو يحمل أوراقا نقدية قديمة وإبريقا منقوشا بالزخارف عثر عليها بين الأنقاض “لو دمّروا منزلي وخمسة منازل أخرى، كان ذلك ليكون أسهل عليّ من تدمير التحف والمقتنيات الفنية التي أعتزّ بها”.
ويتحسّر الرجل، وهو موظف أمني متقاعد، على مقتنيات جمعها من راتبه منذ عقود ليجعل من بيته “متحفا فنيا”.
وتجلس والدته المسنة على كرسي بلاستيكي في الزقاق الضيق، بينما يحاول أفراد من العائلة البحث عن المزيد من القطع التي يمكن إنقاذها من بين الركام.
ويقول مهنا إن شقيقه تلقى اتصالا هاتفيا من الجيش الإسرائيلي ليلة القصف تنذره بضرورة إخلاء المنزل قبل قصفه. ويقول مستنكرا “لا أعرف لماذا تم استهداف المنزل. كانت بناتي وأولادي و50 شخصا آخرين في المنزل”.
وقال الجيش الإسرائيلي إنه سعى لتحذير سكان غزة قبل كل قصف وشيك، موضحا في بيان أن “المباني لم تتعرض للقصف إلا بعد إخلاء السكان المدنيين بشكل كامل”.
وكان محمد صرصور ( 29 عاما) على بعد أسابيع من موعد حفل زفافه، إلا أن أحلامه تحطّمت عندما أخبره أحد جيرانه بضرورة إخلاء منزله الذي انتهى مؤخرا من تجهيزه لحياته الزوجية.
ويتابع هو يشير الى شقته في مدينة دير البلح في وسط القطاع، وقد غطّى أرضها زجاج مكسر وظهرت شقوق عميقة في جدرانها، “عدت إلى المنزل ولم أجد أي شيء، لا نافذة ولا غرفة نوم ولا بابا”.
ويقول الشاب المصدوم “لقد تدمّرت. لم يبق لدي شيء أفعله في حياتي. منذ سبع سنوات و أنا اكافح من أجل تجهيز البيت. أعمل من الصباح الباكر حتى المساء، بمبلغ ?? شيكلا (تسعة دولارات) أجمعهم شيكلا شيكلا لأجل بناء مستقبلي. ذهب كلّ شيء في يوم وليلة”.
وما زال يتعيّن عليه دفع أقساط لتجهيزات المنزل، لكنه فقد الأمل رغم التوصل لتهدئة بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني. ويقول “كلّ شهرين أو سنة تقع حرب، نحن لا نعيش، حياتنا صعبة، لا توجد حياة”.