إذا كان في إسرائيل والمناطق التي احتلتها شخص ينطبق عليه تعريف “محارب حرية” فهو خضر عدنان، الذي توفي الاسبوع الفائت في السجن. فهو حارب من أجل حريته، وكان مستعداً للتضحية بحياته مقابلها، في الوقت الذي كانوا فيه قلائل مستعدين لفعل ذلك. حارب ضد استبداد شرير وانتقامي. اعتقل مرات كثيرة لسنوات من أول تحطيم معنوياته. وحارب على حقه الأساسي وهو العيش بحرية.
كان عدنان معتقلاً سياسياً بكل معنى الكلمة. لا أحد اتهمه بالإرهاب يوماً ما. وعندما اتّهم بشيء ما في الاعتقال الأخير، كان في شيء بسيط وتافه نسبياً، وهو انتماؤه لمنظمة غير مشروعة، وبالتحريض أيضاً. شملت التهمة المشاركة في العزاء والتشجيع على الإضراب عن الطعام. وبسبب ذلك، اعتقل حتى انتهاء الإجراءات. وإذا لم يكن هذا اعتقالاً سياسياً، فما هو إذاً الاعتقال السياسي؟
أُرسل أليكسي نافالني إلى 10 اعتقالات إدارية في روسيا الديكتاتورية. وأرسل عدنان إلى 12 اعتقالاً إدارياً في إسرائيل الديمقراطية. وكلاهما يعارضان النظام. لو كان روسياً أو إيرلندياً أو من بورما أو إيران لاعتبر محارب حرية وتفاخر به الإسرائيليين، ولكن لأنه فلسطيني يعتبر إرهابياً. الأيام الـ 86 الأخيرة لعدنان كانت أياماً من التنكيل، الذي سبب له معاناة لا توصف. ولكنها أيضاً كانت أيام عار لإسرائيل وللرأي العام فيها ولوسائل الإعلام ولمعسكر الاحتجاج. من الذي سمع عن إضرابه عن الطعام؟ من الذي كتب عنه؟ ومن أهمه الأمر؟ ليبرر وليعان وليمت، نحن في نضال من أول ديمقراطيتنا.
إن احتضار محارب حرية، مر باهتمام أقل من احتضار كلب ضال. وعندما لفظ أنفاسه تعبنا منه ومن حروبه من أول الحرية – الأمر الوحيد الذي ثار تركزاً على رد “الجهاد الإسلامي”. لا أحد تحدث عن دوافعه وعدالته وعار الاعتقال الإداري لنحو ألف شخص أو عن طريقة موته. هل كان يمكن ويجب منع موته، ومنع جولة قتال زائد أخرى في منطقة الجنوب؟
مسؤولية إطلاق الصواريخ ألقيت في هذه المرة على “الشاباك” ومصلحة السجون، التي منعت إنقاذ حياة عدنان بشكل متعمد وبوعي. هذا ليس غير أنهم أرادوا موته، وإلا قدموا له العلاج، كما فعلوا في إضراباته السابقة. لم يرغب عدنان في الموت. هم أرادوا أن يموت كي يخيف غيره. أرادوا موته لأنهم رأوا فيه شخصاً لا تهمه إسرائيل أو حياته أو موته.
هم أرادوا موته مع معرفتهم بأن هذا الأمر سيؤدي إلى جولة عنف، ومع ذلك لم يحركوا ساكناً. بالتحديد في فترة الاحتجاج ومع كل التبجح الذاتي اللانهائي له وبفضل عدم المبالاة بالاحتلال التي يخلقها، يمكننا أن نلحق بالفلسطينيين تقريباً كل شيء. اصمتوا، نحن نقوم بالاحتجاج.
تابعتُ اعتقالاته، التقيتُ مع والده وزوجته وشقيقته في بيتهم في بلدة عرابة أثناء إضرابه الأول. والتقيته في صيدلية في نابلس بعد الإضراب قبل الأخير له عن الطعام.
كان عدنان متعباً بعد 54 يوماً من الجوع. ولكنه كان مصمماً على عدم التنازل، وقد بالغ قليلاً بأهمية نضاله. “إسرائيل جعلتني رمزاً. نجحت في إظهار وجهها القبيح”.
عدنان تحدث بعبرية زاهرة مع كثير من لفظ “إن شاء الله وتبارك الله”. عندما قال ذات مرة لمن حقق معه بأن يأمل أنه “بعون الله سيرى أولاده”. أجابه المحقق: “الله الآن منشغل بسوريا”. سجانوه أكلوا الشاورما والبيتزا في غرفته في المستشفى أثناء إضرابه السابق عن الطعام، الأمر الذي جعله يعاني أكثر. كم انخفض وزنك؟ “لا تسألني كم انخفض وزني، اسألني كم ارتفعت كرامتي”.
مات باحترام. من المؤسف أنه لا يوجد الكثير من الإسرائيليين يحترمونه كما يستحق.