كانت عقارب الساعة تشير إلى الثامنة من صباح أمس الأحد بتوقيت دمشق عندما خطا المهندس الفلسطيني علي رمزي الأسود بضع خطوات خارج منزله في ضاحية قدسيا بريف دمشق، قبل أن يسقط مضرجا بدمائه، إثر استهدافه بوابل من النيران.
وقال مسؤول حركة الجهاد الإسلامي في ساحة سوريا المهندس خالد خالد، إن أكثر من 30 رصاصة من أسلحة نارية رشاشة استخدمها منفذو الاغتيال اخترقت أنحاء عدة من جسد الشهيد الأسود، وأودت بحياته على الفور.
ونعت سرايا القدس، الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، الشهيد المهندس علي الأسود (31 عاما)، وقالت -في بيان لها- إنه أحد قادتها البارزين في سوريا، وحمّلت “الاحتلال الصهيوني المسؤولية عن هذه الجريمة الغادرة”.
تفاصيل الجريمة
ترجّل المهندس الأسود لبضع خطوات خارج منزله في ضاحية قدسيا متوجها إلى عمله كما هي عادته يوميا، عندما باغته مسلحون بأكثر من 30 رصاصة، يقول المسؤول خالد إنها أُطلقت من أسلحة ليست متاحة أو متوفرة في الساحة السورية.
وتشير التقديرات الأولية، حسب خالد، إلى أن “بصمات العدو الصهيوني واضحة بشكل كامل في عملية الاغتيال التي نفذتها خلية وليس فرد واحد”.
وقال خالد إن “المنظومة الأمنية في حركة الجهاد الإسلامي كانت تدرك منذ نحو 3 أعوام أن المهندس علي -رحمه الله- أصبح هدفا مرصودا للعدو، وأنه على قوائم الاغتيال”. ويربط ذلك بدوره البارز ومساهمته في “تطوير القدرات التقنية لسرايا القدس، التي ظهرت من خلال عملها الجهادي في قطاع غزة والضفة الغربية”.
وكان الشهيد الأسود قد خضع لتدريبات عسكرية متقدمة ومتعددة، وقطع شوطا كبيرا بالتدريب ضمن “دورة قيادة أركان”، يصفها المهندس خالد بأنها واحدة من الدورات المتقدمة في العمل العسكري.
لاجئ من حيفا
وينحدر الشهيد علي الأسود من مدينة حيفا داخل فلسطين المحتلة عام 1948، إذ لجأت عائلته إلى سوريا إبان النكبة، واستقرت في مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين في العاصمة السورية دمشق.
توفي والداه قبل بضع سنوات. ومع اندلاع الثورة السورية عام 2011، اضطر الأسود للانتقال بأسرته الصغيرة (زوجته وابنه عبد الرحمن وابنتيه) للإقامة في منزل بضاحية قدسيا في ريف دمشق، التي يقطنها نحو 20 ألف فلسطيني من اللاجئين.
وأشاد خالد بمناقب الشهيد وصفاته الحسنة، وما وصفها بـ”روحه الجهادية”. وقال إنه انتسب مبكرا لصفوف حركة الجهاد الإسلامي عام 2005، وكان حريصا على تطوير قدراته العسكرية الذاتية.
وبدوره، قال الناطق باسم حركة الجهاد الإسلامي في غزة طارق سلمي، “إن الشهيد علي الأسود التحق بمسيرة الجهاد المباركة، وسار في ركب المقاومين، وقضى وقته في خدمة المجاهدين وأداء واجباته، واضعا نصب عينيه تحرير فلسطين والعودة لأرضه ولمدينته الأصلية، حيفا”.
وأكد سلمي أن عملية الاغتيال لن تؤثر في مسيرة سرايا القدس، وستواصل عملها وجهادها وإعدادها وقتالها في كل الساحات، دفاعا عن أرض فلسطين المقدسة، و”لن يفت في عضد أبنائها توالي ارتقاء الشهداء وجسامة التضحيات”.
مجاورة الشهداء
وشيّعت جماهير غفيرة -ظهر اليوم الاثنين- الشهيد علي الأسود، انطلاقا من مستشفى تشرين العسكري في دمشق إلى جامع الماجد في منطقة الزاهرة، حيث واري جثمانه الثرى بعد صلاة الظهر.
وشارك في مسيرة التشييع قيادات بارزة من المكتب السياسي لحركة الجهاد الإسلامي، وممثلون عن الفصائل الفلسطينية في سوريا.
ودُفن الشهيد الأسود قريبا من ضريح مؤسس حركة الجهاد الإسلامي الشهيد فتحي الشقاقي (اغتاله الموساد الإسرائيلي عام 1995 في مالطا)، وكذلك قرب ضريح الأمين العام الراحل رمضان عبد الله شلح، وثلة من شهداء الحركة.
وراء اغتياله
من ناحيته، قال كمال عبد الله، المسؤول باللجنة الإعلامية لحركة الجهاد الإسلامي في سوريا، وهو أيضا أحد المقربين من علي الأسود، إن الشهيد أنهى دراسته الابتدائية والإعدادية والثانوية في مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (أونروا) في دمشق، ثم درس الهندسة الكيميائية بجامعة دمشق، وتخرج منها بتفوق.
ووفق عبد الله، فقد أسهم الأسود بعد تخصصه “في تطوير الجوانب الهندسية للقدرات العسكرية لسرايا القدس، وخاصة في مجال الصواريخ وتطوير مدياتها وقوتها التفجيرية”.
ويرجّح عبد الله أن يكون تخصص علي الأسود الفريد ومساهمته الفاعلة في تطوير قدرات السرايا دافعا أساسيا لاغتياله.
والشهيد، كما أخبر صديقه، أسّس صندوقا خاصا لمساعدة الفقراء والمحتاجين الفلسطينيين في سوريا. وحدّث أقاربه قبل أيام عن رؤيا وجد نفسه فيها شهيدا.