تسعى السُلطة الفلسطينية إلى تخفيف أعباء العجز المالي الذي يعصف بها عبر ضبط وإعادة هيكلة فاتورة الرواتب من خلال سلسلة أدوات، وفي مقدمتها التقاعد الاختياري والإجباري في الضفة الغربية وقطاع غزة.
ويتخوف موظفو السُلطة الفلسطينية في قطاع غزة من أن يكونوا كبش الفداء وأصحاب الحظ الأكبر من سياسة فرض التقاعد، والتي تستهدف الموظفين غير العاملين، والتي يُقصد بها بشكل كبير الموظفون في قطاع غزة والذين طلب منهم بعد سيطرة “حماس” بالقوة على القطاع أنّ يتوقفوا عن أعمالهم من قبل مسؤوليهم في السلطة في رام الله.
وتتخذ السُلطة الفلسطينية إجراءات بهدف خفض نسبة فاتورة رواتب الموظفين وزيادة نسبة الإيرادات العامة، في مُحاولة لكسب ود المانحين الأوروبيين، عبر تحويل نسبة كبيرة من الموظفين، وتحديدًا غير العاملين، إلى صندوق التقاعد، بهدف تخفيف الأعباء على صندوق ميزانية السُلطة، والذي يُعاني من أزمة مالية.
وناقشت الحكومة الفلسطينية في رام الله عدة مرات نظام التقاعد المبكر الطوعي والإجباري، قبل إقراره بشكل نهائي خلال وقت لاحق من الشهر الجاري.
ويرى عدد من الخبراء الاقتصاديين أن السُلطة الفلسطينية تسعى إلى سحب يدها من المصاريف الشهرية لموظفي قطاع غزة، عبر سلسلة خطوات تدريجية، وصولًا إلى إنهاء ملف الموظفين بشكل كامل، وتحويلهم إلى صندوق التقاعد، ما يعني قطع آخر شعرة يمكن أن تربطها بهم.
ويقول المُختص في الشأن الاقتصادي محمد أبو جياب إن قضية الرواتب تتعلق بشكل أساسي بشروط الاتحاد الأوروبي للسلطة الفلسطينية، تحت بند يسمى “ضبط وإعادة هيكلة فاتورة رواتب السلطة” والتي تستنزف 100% من الإيرادات العامة للسلطة، بمعنى أن كُل الأموال التي تصل للسلطة تذهب لرواتب الموظفين.
ويوضح أبو جياب لـ”العربي الجديد”، أن تطبيق ذلك البند يأتي عبر خطوات تبدأ بالتقاعد الاختياري لكل موظف يعمل ضمن إطار السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، تمهيدًا لفرض التقاعد الإجباري على كل موظف غير عامل (والمقصود الموظفون في قطاع غزة، وتحديدًا من يتلقى راتبا دون عمل)، وذلك من باب إنهاء أي علاقة للسلطة بالموظفين، ما يعني أنه “سينتهي شيء اسمه راتب موظف سلطة في غزة ضمن هيكليات سلم الرواتب، وذلك لتخفيض فاتورة المدفوعات”.
وتهدف الخطوة التي تنوي السلطة الفلسطينية القيام بها إلى خفض ما نسبته 50% من فاتورة رواتب السلطة، وفق حديث أبو جياب، إذ إنه من المتوقع، حتى مارس/ آذار 2023، خفض فاتورة الرواتب من 800 أو 900 مليون شيكل شهريًا إلى أن تصبح الفاتورة ما بين 400 و500 مليون شيكل (الدولار يساوي 3.4 شيكلات تقريبا)، وهو الهدف الذي أعلن عنه وزير المالية في سياق تعزيز وإعادة هيكلة التمويل الدولي المتعلق بالرواتب.
وتتمثل الأهداف المُعلنة في خفض فاتورة الرواتب وإعادة هيكلة مصروفات السُلطة، فيما تُمهد الأهداف غير المُعلنة لمضامين التقاعد إلى انفصال كامل عن قطاع غزة على مستوى عمل السلطة الفلسطينية، وتحديداً في ما يتعلق بأهم البنود المتصلة بغزة وهو بند الرواتب، ليصبح الموظف في غزة هو الضحية الأولى، فمنذ اللحظة الأولى لتطبيق قانون التقاعد، سيصبح الموظف تابعا لصندوق التقاعد، والذي يعتمد على التوريدات المالية للسلطة الفلسطينية خلال السنوات المالية، ما يعني أنه لم يعد موظفًا.
ويُنظم موظفو السُلطة في قطاع غزة وقفات احتجاجية ضد سياسة فرض التقاعد داخل مقر هيئة التأمين والمعاشات، والتي بدأت عام 2017، حين قامت السُلطة بإحالة نحو 17800 موظف عسكري إلى التقاعد الإجباري، ويتلقون 50% من نسبة 70% من رواتبهم الأصلية، فيما يتخوف الموظفون المدنيون ويصل عددهم إلى قرابة 33000 موظف، من مُلاقاة المصير ذاته.
من جهته، يقول الخبير الاقتصادي عمر شعبان إنّ قضية التقاعد وتخفيف عدد موظفي السُلطة الفلسطينية مطروحة منذ زمن، إذ يوصَف الجهاز الحكومي البيروقراطي الفلسطيني بأنه متضخم مقارنة بعدد السكان في فلسطين، حيث تستوعب السُلطة نحو 160 ألف موظف، معظمهم من الضفة الغربية، ما يشكل عبئاً على الموازنة من حيث المرتبات وملحقات المرتبات.
ويوضح شعبان لـ”العربي الجديد”، أن جعل الجهاز الحكومي رشيقًا يعتبر مطلب الجهات المانحة منذ عشرات السنين، ولا علاقة له بالانقسام، إذ إنه يخفف العبء على الموازنة، ويتيح المجال لمشاريع التطوير والبحث ومجالات الصحة والتعليم، بدلًا من إهدار الدعم على المرتبات فقط.
أما في ما يتعلق بالمخاوف من أن يستهدف التقاعد موظفي السُلطة في قطاع غزة، فيبين شعبان أن الخطة لم تعرض حتى الآن، ولم يتم اعتمادها من مجلس الوزراء، إلا أنه يعتقد بأن القانون سيطبق على الجميع، وفي حال تم تطبيق القانون على موظفي قطاع غزة فقط، فسيشكل القرار قطعاً للخيط الأخير الذي يربط السلطة الفلسطينية بقطاع غزة.
ويعتبر خبراء فلسطينيون أنّ خطوة انفصال السُلطة عن غزة من أخطر الخطوات التي يمكن الوصول إليها، على اعتبار أنه لا يوجد موظفو سلطة فلسطينية رسميون، ما يزيد الأعباء المُلقاة على حركة حماس في غزة، إذ إن إحلال الموظفين على مستوى الوزارات والأمن والتعليم والصحة والخدمات سيكون أمرًا معقدًا على المستوى المالي، وسيزيد الصعوبات.
ويتم خلال الفترة الحالية النقاش بين مجلس الوزراء الفلسطيني وهيئة التقاعد لطرح آليات إعلان التقاعد الاختياري المبكر لموظفي القطاع العام، قبل طرح التقاعد المبكر الإجباري، في خطوة تهدف إلى تخفيض فاتورة الرواتب إلى نحو 50% خلال عامين