بقلم: د. سليمان عيسى جرادات
تحاول دولة فلسطين في السنوات الاخيرة ،النهوض بالواقع التعليمي التأسيسي والأكاديمي والالتحاق بركب الدول المتقدمة من خلال تطبيق نماذج وتجارب دولية عبر طرق أبواب العلم في مختلف دول العالم كقاطره تقود حركة تقدمه وتنميته الشاملة بعناصر نافعة بالرأي ومنتجة في القرار والمشاركة الفاعلة في المجتمع .
وإذا ما تطرقنا الى حالة 55 مؤسسة تعليم عالي في فلسطين بشكل عام ، وواقع 13 مؤسسة تعليم عالي من الجامعات والكليات الجامعية والمتوسطة الحكومية بشكل خاص أرتبط تاريخها كغيرها منذ نشأت بعضها في منتصف الثلاثينيات من القرن الماضي بشكل متلازم مع التطورات التاريخية للقضية الفلسطينية واستطاعت المضي قدما حتى اصبحت واقعا وواجهة علمية بالتوسع برسالاتها العلمية التخصصية وتأدية واجباتها الوطنية في مواجهة العديد من المحاولات والانتهاكات والإجراءات للاحتلال الاسرائيلي لإلغاء دورها ومكانتها المتراكمه، والتصدي لها بإرادة وحكمة إداراتها من النخب والمتميزين بالخبرات العلمية والبحثية والإدارية وربطها بعجلة التكنولوجيا الحديثة للتنافس على البقاء بتخصصات ذات قيمة وجودة ومكانة مرموقة مجتمعيا.
ومنذ عام 1996 خطت الحكومات المتعاقبة ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي خطوات ملموسة مؤمنة بان الاستثمار بالعنصر البشري يمثل عمقا استراتيجيا في خططها وبرامجها كمشروع وطني فلسطيني بامتياز تتكاتف فيه كل القوى الرسمية والأكاديمية والمجتمعية داخل وخارج الوطن للنهوض بواقعه ، وهو امر مهم وضروري حتى صدور قرار منتصف العام 2007م بتحويل كلية فلسطين التقنية/خضوري الى جامعة، وتحويل كلية التربية الى جامعة الاقصى في غزة عام 2000 ، وتأسيس الأكاديمية الفلسطينية للعلوم الأمنية 1998 وافتتحت عام 2007 قبل أن يتم تحويلها إلى جامعة الاستقلال في العام 2011. وأصبحت هذه الجامعات تضاهي ومنافس قوي في استقطاب اعداد كبيرة من الطلبة للانتساب اليها في حقول متعددة نتيجة للسياسات والإدارات الحكيمة التي قادتها حتى يومنا هذا لتكون جامعات حكومية ريادية تقدم الخدمة التعليمية ، والقرار الحكيم لوزارة التعليم العالي لإنشاء جامعة حكومية في مدينة نابلس للتعليم المهني والتقني عام 2020 ودمج العديد من الكليات الحكومية لتكون نواة لانطلاقة الجامعة الرابعة حكوميا. و8 كليات جامعية ، وكلية مجتمع واحدة حكومية تقدم خدماتها العلمية للمجتمع.
ونظرا للتحديات الكبيرة التي يواجهها المجتمع الفلسطيني بمختلف شرائحه،استمرت الجامعات والكليات الحكومية بتحقيق انجازات بالمواكبة والتقدم بالمحتوى العلمي والتقني والمهني والأمني والإنساني،ومن هنا فان تطوير برامج الجامعات والكليات الحكومية يعد احد الخطوات المهمة التي سعت وزارة التعليم العالي لتنمية آفاقها مع ضرورة التعاون مع المؤسسات ذات العلاقة الرسمية والمجتمعية ان توفر لها كل الدعم والمساندة والإرشاد لتحقيق رؤيتها ومتطلباتها من التخصصات وتسهيل ما تطرحه من برامج تعليمية بالتوسع جغرافيا وتطوير كلياتها الى جامعات لحاجة المجتمع المحلي وتطلعات الفئات الفقيرة والمستورة وغيرها لاستكمال مسيرة حياتهم بالتخصصات التي يرغبون فيها والتي تبدد الحلم لدى شريحة كبيرة من ذات الدخل المحدود والفقيرة والمستورة بتحقيق احلامهم نظرا للظروف الاقتصادية والاجتماعية.
والسؤال: من المستفيد من عدم تطور المؤسسات الجامعية والكليات الحكومية ورفدها بتخصصات وكوادر علمية وإدارية تحمل همومها ؟ وهل أصبحت عبئا على الحكومة تحت مسميات الاعتمادات المالية في حين تعاني العديد من المؤسسات الحكومية من بطالة مقنعة ؟ ولماذا يتم الاهتمام بالمؤسسات الاكاديمية الخاصة ورفدها بتخصصات في حين الحكومية تعاني من نقص حاد في برامجها وتحت مسميات بأنها متوفرة لدى الجامعات الاخرى وبأسعار مضاعفة ؟ ولماذا لا يتم انصاف ابناء موظفي الدولة جميعا بالتساوي بدفع الرسوم اسوة بموظفي التعليم العالي ووزارة التربية والتعليم؟
لقد أثبتت الجامعات والكليات الحكومية خلال السنوات القليلة الماضية ، قدرتها على التنافس العلمي الاكاديمي ورصيدها المعرفي والبحثي بين الجامعات المحلية والإقليمية والدولية وهي جهود مركبة رسمية . وادارة الجامعات والكليات العلمية والبحثية ورفدها بتخصصات مهنية وعلمية وإنسانية تلبي حاجة مثلث الشركاء الحقيقيون لها في التطور والتنمية والتوسع ” القطاع الحكومي والقطاع الخاص والمجتمع المحلي “، الا ان المؤسسات الاكاديمية والبحثية الحكومية تعاني من نقص كبير وعدم الاهتمام الكافي من المستوى الرسمي بالخطط الاكاديمية الداعمة لتطور عمل الكليات وتحويلها الى جامعات بالدمج ، واعتماد تخصصات وفق خطة توسعية عاموديا وافقيا ( البكالوريوس والماجستير والدكتوراه ) وأعادة النظر بالسن التقاعدي للعاملين اكاديميا للاستمرار حتى عام 65 للاستفادة من خبراتهم وعلاقاتهم أسوة بسياسات الدول المجاورة والعالمية بأن تكون الجامعات الحكومية متقدمة ومتطورة ولها خصوصية بفتح كافة التخصصات وخاصة الطبية والصيدلة والهندسة واي تخصص آخر لكلفتها الباهظة في الجامعات الأخرى، ورصد ميزانيات مالية من ميزانية الدولة وتوفير الدعم من معونات عربية ودولية مما سيكون محط اجماع شعبي ومؤسساتي بدعم ومساندة أي توجه لتطوير المؤسسات الاكاديمية الحكومية المرتبطة بوضع تنبؤات دقيقة لمتطلبات سوق العمل والمهارات التي سيحتاجها الشباب في المستقبل لتحمل المسؤوليات واتخاذ القرارات للوصول الى مجتمع حيوي وتنمية مستدامة ووطن طموح وتوفير فرص التعليم للجميع .
نعم ،،، توجد فرصة حقيقية وثقة عالية ومسؤولية ملقاة على عاتق الجميع “وزارة التعليم العالي والبحث العلمي وهيئة الاعتماد والجودة” كجهة أختصاص بأهمية وضع الخطوات العملية والتفكير نظريا وعمليا لمناقشة دمج الكليات الجامعية والمتوسطة الحكومية ضمن الجامعات المتواجدة أو إنشاء جامعة تضم جميعها وفتح تخصصات تمنح الفرصة للانتساب اليها بدل الاغتراب او الانتساب الى الجامعات الأخرى باسعار مضاعفة ، خاصة أن العديد منها لم يتقدم خطوات ملموسة في رفد كلياتها بتخصصات جديدة منذ سنوات وهي خطوة ستكون علامة فارقة في تاريخ التعليم الحديث في فلسطين ، لهذا فأن تطوير الاداء الجامعي ونهضته مرتبط بوجود ادارات قادرة بالحضور والمشاركة في صنع القرار ، وتنشيط الاعلام الحكومي والجامعي الذي يعتبر متواضعا للحد ما بين الفئات المجتمعية ، فالجميع يدرك تماماً أمانة المسؤولية في تذليل العقبات للتوسع التخصصي في الجامعات الحكومية .
*رئيس الهيئة الفلسطينية لحملة الدكتوراه في الوظيفة العمومية