بقلم: د. دلال صائب عريقات
تم بتاريخ 2022/6/15 توقيع اتفاق بخصوص الغاز بين الاتحاد الاوروبي ومصر واسرائيل. يستند هذا الاتفاق لمذكرة تفاهم بشأن شراكة إستراتيجية في الطاقة بين جمهورية مصر العربية والاتحاد الأوروبي تم توقيعها عام 2018.
كما تم التوقيع على النظام الأساسي لمنتدى غاز شرق البحر الأبيض المتوسط في 22 سبتمبر 2020 والذي أنشأ منظمة حكومية دولية إقليمية للدول المنتجة والمستهلكة للغاز الطبيعي تهدف إلى تنسيق المناقشات المنظمة وتطوير المبادرات المشتركة بهدف دعم وتسريع التأسيس لسوق غاز إقليمي فعال وتنافسي في شرق البحر الأبيض المتوسط. جمهورية مصر العربية وإسرائيل إلى جانب أربع دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي (قبرص، فرنسا، اليونان وإيطاليا) أعضاء في منتدى غاز شرق المتوسط، والاتحاد الأوروبي مراقب والذي يخدم كمنصة لحوار سياسي منظم بشأن الغاز الطبيعي.
وتم بناءً على ذلك، العام الماضي توقيع مذكرة تفاهم أخرى بين وزارة البترول والثروة المعدنية بجمهورية مصر العربية ووزارة الطاقة لدولة إسرائيل في نوفمبر 2021، والتي تهدف إلى وضع إطار عام لدراسة إنشاء وتشغيل خط أنابيب لنقل كميات إضافية من الغاز الطبيعي من حقول الغاز البحرية الإسرائيلية إلى مصر.
ثم شهدنا قبل عشرة أيام توقيع اتفاقية ثلاثية مصرية إسرائيلية أوروبية، المثير الآن أن توقيت ونص الاتفاق مثير وخطير، النص لا يذكر الحق الفلسطيني بتاتاً ولا يتطرق بأي شكل للأراضي المحتلة في النص.
بنفس الوقت الذي أعاد الاتحاد الأوروبي الأموال للفلسطينيين، تم عقد صفقة استراتيجية مع دول المنطقة تستثني الفلسطينيين تماماً حتى في الديباجة.
من الجدير ذكره أن حقل الغاز الإسرائيلي ليفياثان ينتج حاليًا 12 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي سنويًا، يستخدم معظمها لتلبية الاحتياجات المحلية لإسرائيل. تمت مناقشة فكرة الشراكة مع لاعبين إقليميين آخرين لإنشاء خط أنابيب يربط حقل ليفياثان بدول أخرى بما في ذلك في أوروبا، مع قبرص واليونان، ومؤخراً مع تركيا، التي أعربت عن رغبتها في الشراكة في مثل هذا المشروع الاستراتيجي بعد سنوات من العداء مع دولة الاحتلال.
بعد الأزمة الروسية الأوكرانية، بدأت الدول الأوروبية تبحث عن بدائل للطاقة حتى تستقل عن روسيا كقوة مسيطرة كمصدر أساسي لإمداد أوروبا بالغاز، مع العلم أن الغاز الروسي يمثل حوالي 155 مليار متر مكعب من الطلب السنوي لأوروبا، وبالتالي اتجاه دول اوروبا نحو المنطقة ليس عبثياً بل استراتيجياً.
حتى نكون واقعيين في التحليل، لا بد أن نتذكر أنه ومن أجل أن يكون حقل ليفياثان خيارًا قابلاً للتطبيق لمطالب أوروبا وحاجاتها للتقليل بشكل كبير من اعتمادها على روسيا، سيتطلب من جهاز الحفر الإسرائيلي على الأقل مضاعفة إنتاجه وهذا بحاجة لكثير من الوقت!
رداً على الغزو الروسي لأوكرانيا ترددت دول أوروبية في ردودها بحظر الطاقة الروسية نظرًا لأن المعاهد الاقتصادية الرائدة في اوروبا توقعت أن الوقف الفوري لواردات الطاقة الروسية من شأنه أن يرسل كثيرا من دول أوروبا العظمى وخاصة ألمانيا إلى “ركود حاد” خلال عام. وقد يعاني أكبر اقتصاد في أوروبا من “انتكاسة” في نهاية عام 2023 إلى عام 2024، حيث يرتفع الطلب على الطاقة في فصل الشتاء الأوروبي قبل أن يعود “تدريجيًا” إلى النمو.
الغاز الطبيعي سيستمر في لعب دور مهم فيما يتعلق باستهلاك الطاقة وتوليد الكهرباء في الاتحاد الأوروبي حتى عام 2030 وبعد ذلك سينخفض استخدامه في الاتحاد الأوروبي بما يتماشى مع التزامه بالحياد المناخي بحلول عام 2050.
من المعروف ان قطر تمتلك ثروة تستطيع ان تعوض اعتماد اوروبا على روسيا، ولكن نرى الآن ان التعاون الاقليمي والدولي مهم، وها هو الاتحاد الاوروبي يتجه للاعتماد والاستثمار بإسرائيل كشريك استراتيجي في المنطقة بدلاً من غيرها، وهنا ضروري جداً ان تطالب فلسطين بحقوقها في مثل هذه الاتفاقيات الاستراتيجية التي قد تطال حدود فلسطين الاقليمية والبحرية فيما يسمى EEZ وحقول الغاز المختلفة وخاصة في الاراضي الواقعة داخل حدود ١٩٦٧ شواطئ المتوسط. من غير المقبول السكوت، ضروري حفظ الحق الفلسطيني في نص هذه الاتفاقيات وضروري جداً التأكد من حضور الحق الفلسطيني في النصوص ومن هنا على الفلسطينيين الا يسكتوا عن حقوقهم في هذه المشاريع الاستراتيجية العميقة أمام بعض المليارات الاوروبية التي تزامنت عودتها بنفس ايام توقيع الاتفاق الأخير.
– دلال عريقات: أستاذة الدبلوماسية والتخطيط الاستراتيجي، كلية الدراسات العليا، الجامعة العربية الأمريكية.