بقلم: واصف عريقات
خبير ومحلل عسكري
ما أعلنه رئيس هيئة أركان الجيش الاسرائيلي أفيف كوخافي ان لدى الجيش الإسرائيلي بنك كبير من الأهداف للمعركة القادمة مع لبنان، مشيرا إلى “آلاف الأهداف، وليس 2000، أو 3000، هي (الأهداف المحتملة) أكثر من ذلك بكثير وان شدة الهجوم الاسرائيلي ستكون شيئا لم يره اللبنانيون “.
وما أعلنه كوخافي نفسه قبل ذلك بأن قواته قادرة على اجتياح غزة، واحتلال المدن الفلسطينية في القطاع المحاصر، على غرار العملية العسكرية التي نفذها الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية المحتلة عام 2002، في محاولة للقضاء على انتفاضة الاقصى.
وما هدد به وزير الجيش بيني غانتس من اجتياح لبنان وما نشره من تغريدات على حسابه بموقع “تويتر” عقب مشاركته في الاحتفال بذكرى مرور 40 عامًا على حرب لبنان الأولى عام 1982 المعروفة في إسرائيل بـ “عملية سلام الجليل”:
إذا طُلب منا القيام بعملية في لبنان، فستكون قوية ودقيقة. وستفرض ثمنا باهظا على حزب الله ودولة لبنان.”
كل ذلك ليس بجديد. انما الجديد قول غانتس أن “القضاء على وحدة ’الرضوان’ التابعة لحزب الله، يستوجب توغّلا ميدانيًّا للجيش الإسرائيلي داخل الأراضي اللبنانية”. وهو ما تم تدريب الجيش الاسرائيلي عليه في قبرص نهاية الشهر الماضي، وقد اشرف غانتس وكوخافي على هذه التدريبات العسكرية الواسعة والمسمّاة “عربات النار”، والتي امتدّت لشهر كامل، وشملت التدرّب على سيناريوهات مختلفة، وعلى الرغم من محاولة بعض القبارصة التخفيف من اهمية هذه المناورات وتطمين اللبنانيين بان المناورات ليست ضد لبنان، وعلى الرغم من غضب بعض الاحزاب القبرصية المعارضة خاصة حزب “اكيل” من هذه المناورات واعتراضهم عليها ورفضها واعتبارها تطورا خطيرا، الا انها اي المناورات تأتي في سياق تصريحات غانتس ذاتها.
فهل تقود هذه التهديدات إلى حرب جديدة في المنطقة وتصعيد في قطاع غزة، لا سيما في ظل تصويت الكنيست الاسرائيلي لحل نفسه في خطوة اولية نحو اجراء انتخابات خامسة خلال اربع سنوات.
يعرف غانتس وكوخافي ان اسرائيل تتجه الى تفكك خطير وان الانتخابات ان حصلت ستستغرق 4 او 5 اشهر على اقل تقدير في ظل ازمة اقتصادية حادة، فعلى ماذا يستند الاثنان بتهديداتهما؟
صحيح ان الكنيست اقر في نهاية نيسان 2018 تعديلا للقانون الاساس للحكومة الاسرائيلية المتعلق ببند الصلاحيات بشأن شن الحرب او القيام بعمليات عسكرية واسعة ومنح هذا التعديل اللجنة الوزارية لشؤون الامن (القومي) “الكابينت السياسي الامني” صلاحية اتخاذ قرار الحرب والعمليات العسكرية التي قد تقود للحرب، هذا (الكابينت) الذي بدء العمل به عند التوقيع على اتفاقية الائتلاف الحكومي بين حزبي “العمل” و”الليكود عام 1984 وتم الاتفاق على تشكيل مجلس وزاري مصغر مؤلف من عشرة اعضاء (خمسة عن كل حزب) وبالرغم من ان صفته الرسمية غير قائمة في الحكومات المتعاقبة، إلا ان كل رئيس حكومة يقوم بتعيين عدد من الوزراء المقربين اليه للعمل معه كهيئة مصغرة لشؤون الأمن بشكل خاص، وما عجز عن تنفيذه الاصل سيعجز عن تنفيذه الفرع.
تصريحات وتهديدات العسكريين الاسرائيليين توضحها تصريحات السياسيين الذين يعتبرون زيارة بايدن المرتقبة للشرق الاوسط سيكون لها تأثير كبير على الصراع مع ايران، اضافة الى تحقيق طموحاتهم باندماج اكبر في المنطقة، ما يعني ان الامور ستبقى رهن التطورات لهذه الزيارة بالرغم من ما يشوبها من غموض.
التهديدات العسكرية الاستباقية مع وقف التنفيذ تحل الان محل العمليات العسكرية الاستباقية اساس العقيدة العسكرية القتالية التي كانت تقوم بها اسرائيل، وان دل هذا على شيء فانما يدل على عدم تعافي قدرات الردع عند الجيش الاسرائيلي رغم التدريبات والمناورات المتواصلة، وعدم ثقة بقدرتهم على تنفيذ تهديداتهم. وهناك فرق بين الرغبة والقدرة. وكوخافي وغانتس يتحدثان عن رغبتهما التي لا تتساوق مع قدراتهما. فالقوي اصبح ضعيفا والضعيف اصبح قويا.
وهذا ما دفعهما ويدفعهما الى تصعيد عملياتهما الانتقامية في فلسطين باشكالها الاجرامية كافة. وهو ما يدعو الفلسطينيين الى اخذ المزيد من الحذر وفي نفس الوقت تعزيز قدراتهم على التصدي للاعتداءات المتكررة.