تعرضنا فيما سبق للصهيونية -المسيحية منذ الجذور في القرن السادس عشر مرورا بالفكرة الكالفنية، ثم أوليفر كرومويل (القرن17) والتطهيريين، وصولًا لأول رجل دولة يطالب بدولة لليهود نابليون بونابرت الذي هزمته عكا العربية الفلسطينية، الى اللورد شافستبري ونسيبه اللورد بالمرستون وزير الخارجية الانجليزي المتصهينان، ثم موسى مونتفيوري وامواله. وسنعرض عن روتشيلد في هذه المقالة :
كتب دافيد بن غوريون البولندي اليهودي، رئيس الحكومة الاسرائيلية الأول، في مديحه لروتشيلد قائلاً:”أشك إن كنا سنجد في جميع أجيال “الشعب”[1] اليهودي على مدى ألفي عام شخصا رائعا كهذا الذي بنى التوطين اليهودي في هذا الموطن.”
البارون إدموند دي روتشيلد (1845-1934م) الفرنسي الجنسية والقومية، اليهودي الديانة، ساهم في بناء الاستعمار اليهودي لفلسطين، فقد كان شخصية مركزية في استعمار فلسطين وسرقة الأرض العربية، وكان لثرائه هو وأسرته الدور الأكبر في الاستعمار/التوطين اليهودي.
فقد بدأ في الاستعمار اليهودي منذ بداية ثمانينيات القرن الـ19، حين تعرضت المستعمرات التي بنيت على يد منظمة “أحباء صهيون”[2]-قبل ظهور الحركة الصهيونية إلى أزمة مالية، فأخذت أسرته على عاتقها تمويل أول مستعمرة بريطانية لليهود “بتاح تكفاه”، وقام البارون روتشيلد بتنظيم أول هجرة جماعية لليهود إلى فلسطين عام 1882، كما أنه تبرع بـ 30 ألف دونم من الأراضي التي امتلكها فترة الحكم العثماني بمنطقة قيسارية لليهود.
وقد ترك بصماته على التصنيع اليهودي حين بنى أول مصانع”إسرائيل” ومصانع زراعية ومحطات توليد الطاقة. وأسس عام 1924 شركة بيكا “رابطة الاستعمار اليهودي لفلسطين”.
ولم يتوقف دوره عند ذلك، فأسرته حتى يومنا هذا تمتلك صناديق ضخمة لتمويل المشاريع المختلفة التي تعمل على خدمة دولة الاحتلال حول العالم، كما أنها تمول الأبحاث وتقدم منحًا طلابية للمحتلين من أبناء الدولة العبرية في فلسطين.
يقول عبد الوهاب المسيري عن روتشيلد: «ما كان بوسع المستعمرات/المستوطنات الأولى في فلسطين الاستمرار لولا معوناته». ثم أشار المفكر العربي المصري إلى تواصل روتشيلد المباشر مع السلطان عبد الحميد الثاني، وحصوله منه على إذن بشراء أرض في فلسطين أواخر العام 1883 لإقامة «بؤرة (صهيونية) زراعية نموذجية لحسابه الخاص أطلق عليها اسم والدته، كما أسس صناعات للمستوطنين مثل الزجاج وزيت الزيتون، وعددًا من المطاحن في حيفا، وملاحات في عتليت».[3]
حاشية هامة
[1] لم يوجد عبر التاريخ شيء اسمه “الشعب” اليهودي بل اليهود جماعات متنوعة من جنسيات مختلفة اعتنقوا ديانة مختلفة كما الحال مع المسلمين والمسيحيين والخ. وقد رد شلومو ساند تفصيلا بكتابه اختراع “الشعب” اليهودي.
2″أحباء صهيون” اسم يطلق على جمعيات صهيونية نشأت في روسيا سنة 1881م؛ بعد صدور قوانين أيار التي فرضت قيوداً على المواطنين اليهود الروس هناك بين عامي 1881 و ـ1883م، وعلى حركة المهاجرين اليهود من روسيا وبولونيا ورومانيا إلى فلسطين “الهجرة الأولى 1881ـ- 1904″. وكان هدف حركة أحباء صهيون محاربة اندماج اليهود في المجتمعات التي يعيشون فيها، و”العودة إلى صهيون”. وقد اتخذت لها شعاراً “إلى فلسطين” ودعت إلى الاستعداد للهجرة لشراء الأراضي فيها، ومساعدة الاستيطان اليهودي هناك. وكانت حركة أحباء صهيون همزة الوصل بين ما أطلق عليه “طلائع الصهيونية” في منتصف القرن التاسع عشر، وبداية الصهيونية السياسية مع ظهور تيودور هرتزل وانعقاد المؤتمر الصهيوني الأول سنة 1897م-مركز المعلومات الوطني الفلسطيني.
3- من مقال خالد أبوهريرة في موقع تركيا الآن المعنون : عبد الحميد الثاني والقدس ، كيف أعان روتشيلد على توطين الصهاينة بفلسطين.