كتب: وليد الهودلي
كثير من الأمور متروكة للاجتهاد الفردي بينما المواطن الفلسطيني بأمّس الحاجة الى الموقف الوطني الجماعي كي يتسلّح به ويحمي نفسه من عواقب الموقف الفردي وكي لا يقع في حالة التردد الصعبة والتي يكون فيها غالبا أحلاهما مرّ.
ومن المثال يتضح الامر: عندما تقرّر سلطات الاحتلال أرشفة المواطن الفلسطيني الكترونيا ومنحه هوية ممغنطة، ما هو الموقف الوطني من هذا الامر؟ هل يتعاطى المواطن الفلسطيني مع هذا الامر أم يرفضه؟ هل هذا خيار فردي أم ينبغي ان يكون موقفا جماعيا؟
عندما يتلقى المواطن الفلسطيني اتصالا هاتفيا ويطلب منه أن يأتي للمقابلة. فهل يرفض أو يذهب صاغرا ويعرّض نفسه للابتزاز أو الاعتقال فيذهب برجليه للمعتقل بمواصلات على حسابه ودون ان يكلفهم أية تكلفة!!، فحالة عدم الذهاب مشكلة والذهاب مشكلة، فلو كان هناك اي موقف وطني معلن فإنه يتسلّح به ويقول أنه لا يستطيع الخروج عن الفتوى الوطنية في هذا الموضوع.
التعاطي مع صفحة المنسّق والصفحات المماثلة للمحتلّ هل هو مسموح ولا غضاضة في الامر أم هو مخالف للموقف الوطني؟. وهل هذا الموقف الوطني معلن عنه ووصل الى أغلب الناس بصورة واضحة لا لبس فيها؟ أم هو مغيّب ومتروك للاجتهاد الفردي؟
هناك نجاحات جيدة لمقاطعة البضائع الإسرائيلية وهذا ما تبنته وعملت له “حركة مقاطعة اسرائيل ،وممكن البناء على هذه التجربة الناجحة بمقاطعة البضائع كافة المعنوية والماديّة والسياسية وكل ما يحيكه الاحتلال للإيقاع بنا.
لماذا يُترك ظهر المواطن مكشوفا دون أن تكون هناك ما أسميته “فتوى وطنية” تجعل من الموقف جماعيا وعندها يتحمّل المواطن مسؤوليته الوطنية في حالة الانسجام مع الفتوى أو عدم الالتزام.
ويبقى السؤال من؟ وكيف؟ يتم اصدار مثل هذه المواقف الوطنية، لا بد من اعتماد مرجعية تحظى بمصداقية عالية لدى الناس من شخصيات وطنية معروفة بحرصها الشديد على القضية والوطن والمواطن. ففصائل العمل الوطني والإسلامي ممكن بداية أن تفرز هذه الشخصيات وتعتمدها لتدارس هذه المسائل وغيرها مما يطرأ على الحالة الفلسطينية. ولقد مرّت التجربة النضالية الفلسطينية في مثل هذا الامر فترتي انتفاضة الحجارة وانتفاضة الأقصى وكانت هناك مرجعية وطنية تصدر عنها عبر بيانات القيادة الموحّدة المواقف الوطنية التي يطلب من الناس الالتزام بها.
الاحتلال يتعامل مع المجتمع الفلسطيني على أنه قطيع من الخراف أو مجموعات من الاعراب البدو الرحّل المشتتين القاطنين في هوامشهم والمطلوب منهم القيام على خدمة المحتلّ وفق ما يريد وبالطريقة التي يختارها دون ان يكون هناك أية ممانعة ، يمغنطهم ويؤرشفهم في سجلاته الالكترونية، ويتحكم رجل الامن عندهم بالفلسطيني على انه تابع ذليل يطلبه وقت ما يشاء، يهينه ويسائله بصفاقة وابتزاز، إن شاء حبسه وإن شاء أطلقه، يتعاملون معنا من الموقع الأعلى واعتبار الفلسطيني هو الأدنى والاذلّ، لذلك فإن المطلوب التعامل الفلسطيني من موقع الأعلى كون الفلسطيني على الحق وصاحب القضية، أو على الأقل من موقع النديّة والرفض الحاسم لأي تعامل دوني مع الفلسطيني. وهذا يحتاج لأن يتسلّح الفلسطيني بالموقف الوطني المنبثق من مرجعية وطنية عليا تحظى بثقة المواطن الفلسطيني.
اذكر أن عمر البرغوثي رحمه الله اتصل به رجل الامن الإسرائيلي وسأله “جئتك بالأمس الساعة الثانية ليلا ولم أجدك في البيت، أين كنت؟ فرد عليه عمر: هل سألتك يوما أين كنت الساعة الثانية ليلا؟ لماذا تسألني؟ وعندما تذاكرت مع عمر هذه الحادثة بعد عدة سنوات قال لي: هذا كان من زمان، نتعامل معهم بنديّة، اليوم نحن الأعلى وهم الادنى.
لا ينبغي للفلسطيني أبدا أن يذلّ للمحتل مهما كلّف الامر. ولا بدّ من أن يتسلّح بفتوى وطنية مستندة لموقف وطني تتخذه مرجعية وطنية ذات مصداقية عالية.