كتب: حافظ البرغوثي
غاب لاعب النرد عن طاولته في ديوانية عمه الباشا عبد الحي المجالي في منطقة الشميساني فقد كان يحلو له لعب الطاولة كل مساء، كان الباشا الذي تجاوز الثالثة والتسعين من عمره يتلاعب بسيجاره بإضطراب بعد رحيل المناضل سعد المجالي والعودة من جنازته في مسقط رأسه رابة الكرك الجنوبية. كنت على موعد مع سعد لنلتقي في الديوانية في مساء اليوم السابق لتوديع الباشا قبل عودتي للضفة لكن سعد رحمه الله ارتبط بمواعيد خارج عمان فتوجهت الى اصدقاء في بيت القدس بجبل اللويبدة حيث جودت مناع وثلة من الأصدقاء يتدارسون وضع القدس فأتصل سعد عند الثامنة والربع بي وقال انه لن يحضر الى الديوانية فتوجهت هناك وحدي حيث اوصلني الصديق باسم الوزير الى المكان واتصلت بالزميل سلطان الحطاب لنلتقي هناك.
ولم اجد عبد الحي حيث كان توجه فجأة مع شقيقه الاكبر دولة رئيس الوزراء الاسبق عبد السلام الى العقبة فدعاني سلطان الى مقهى قرب منزله في عبدون وفي الطريق لاحظنا ان المنزل الذي يقيم فيه الرئيس ابو مازن مضاء فقال سلطان يبدو ان الرئيس عاد من قبرص. ولم تمر دقائق على جلوسنا في المقهى حتى تلقى سلطان نبأ وفاة سعد عندما صدمته سيارة وهو يقطع الشارع قرب فندق كراون بلازا فقال سلطان يبدو انه كان في طريقه اليك حيث كنت اقيم في الفندق فقلت لا اظن لأنه يعلم أنني في اللويبدة عندما اتصل بي. وفورا توجهت الى الفندق وسألت هل شاهدتم احدا سأل عني او عن اي مسؤول فلسطيني ربما كان ضمن الوفد المرافق للرئيس فاجابوا بالنفي وتدخل احد موظفي الفندق وقال انه يعرف سعد ويتردد كثيرا على اصحاب محلات قرب الفندق فقلت اعرف ذلك لأنه عندما كان يأتي الي يتوقف للحديث معهم خاصة صاحب محل الموبايلات والحلاق ولاحقا علمت من صاحب المقهى ان سعد كان في طريقه اليهم عندما اجتاحته سيارة مسرعة بعد ان اوقف سيارته على الرصيف المقابل.
كنت افترقت عن سعد عند منتصف ذلك النهار حيث رافقني لإنجاز معاملة،فقد كان شهما ويساعد اي شخص يطالب منه العون. ولم اكن أعرف تاريخه النضالي الى ان تم تعيينه في وزارة الداخلية في بداية تأسيس السلطة، فقد صادف ان ذهبت الى الرئيس الراحل ابوعمار في المنتدى في غزة فطلب مني ان أجلس على يمينه وظهري الى البحر بينما كان يحب ان يتأمل البحر من مقعده وكان يستمع الى قضايا مختلفة من المراجعين كقصة عن قضية طلاق في جباليا الى خلاف عائلي في رفح الى مختار يبث شكواه الى وفد جنبي زائر وكنت استمع الى هذا الخليط واتعجب من قدرة ابو عمار في الإنتقال من قضايا عائلية الى قضايا سياسية وصار ابوعمار يمرر لي اوراقا وبيانات للإطلاع عليها وينظر الي فأهز رأسي بأنها تمام ثم وقع ورقة وناولني إياها فقرأتها مرتين للتأكد من الإسم فهي قرار بتعيين السيد سعد المجالي مديرا عاما في وزارة الداخلية ما اثار استغرابي فهززت رأسي رغم انني لا اعرف سعدا وخجلت من سؤال ابو عمار عنه، فسالت لاحقا احد الحضور في المكتب عن سعد المجالي فقال انه احد مناضلي فتح التحق بالثورة وهو اردني. وقد رويت ذلك لسعد عندما التقيته بعد ان بدأ عمله في الداخلية. فهو سليل عائلة ذات تاريخ ووالده جمال شيخ مشايخ الكرك ذهب ضحية التفجير الآثم الذي اودى بحياة ابن عمه رئيس الوزراء هزاع المجالي سنة 19661. كان سعد ذا حظوة عند الرئيس الراحل ابو عمار وكذلك عند الرئيس ابو مازن.
وتميز بأنه صريح وجريء وظل متعصبا لإنتمائه الفتحاوي ولفلسطين لا يتورع عن الرد القاسي على كل من يتطاول على الحركة وكثيرا ما كان يرسل لي مقالات لأنشرها على موقع شاشة نيوز، وكان كثير التردد على الضفة بعد تقاعده برفقة عمه عبد الحي وكانا يخططان لزيارة قريبة. فهو نقي وصريح خدوم وكريم وبسيط في آن لذا تعرض للنصب كثيرا في مشاريع حاول ان يقيمها في الأردن واقترض من اجلها فخسر امواله ومبعث شكواه دائما ان ابنيه الخريجين عاطلان عن العمل.
رحل سعد فجأة ، فالموت الفجائي يريح الميت لكنه يميت في أحبته بعض الروح .وكنت في جلسة تناول الشاي في مقهى الفندق المطل على الشارع المشؤوم الذي شهد وفاته قبل الحادث بيوم تأملته وهو يحدق في موبايله كان صافي الوجه لكنه كان مهموما فلأول مرة دفعني احساس غريب لإلتقاط صورة له وكانت آخر الصور لسعد. رحمك الله يا ابن العروبة والقاسم المشترك بين فلسطين والأردن.