قالت “هيومن رايتس ووتش”، اليوم الثلاثاء، في الذكرى الـ 15 للإغلاق الذي فُرض عام 2007 إن القيود الإسرائيلية الشاملة على مغادرة غزة تحرم أكثر من مليونَي نسمة من السكان من فرص تحسين حياتهم، بعد أن دمر الإغلاقُ الاقتصاد في غزة، وساهم في تشتيت الشعب الفلسطيني، كما يشكل جزءا من جريمتَي السلطات الإسرائيلية ضد الإنسانية المتمثّلتين في الفصل العنصري والاضطهاد ضد ملايين الفلسطينيين.
جاء ذلك في تقرير موسع للمنظمة الحقوقية الدولية التي تحدثت عن الأوضاع في قطاع غزة، ننشره بشكل كامل كما ورد.
أضافت المنظمة: تمنع سياسة الإغلاق الإسرائيلية معظم سكان غزة من الذهاب إلى الضفة الغربية، ما يمنع أصحاب المهن والفنانين والرياضيين والطلاب وغيرهم من السعي إلى فرص داخل فلسطين ومن السفر إلى الخارج عبر إسرائيل، مُقيّدا بذلك حقوقهم في العمل والتعليم. أدت القيود على معبر رفح مع غزة بفعل السياسات المصر ية، بما فيها التأخير غير الضروري وإساءة معاملة المسافرين، إلى تفاقم الضرر الذي يلحقه الإغلاق بحقوق الإنسان.
قال عمر شاكر، مدير إسرائيل وفلسطين في هيومن رايتس ووتش: “بمساعدة مصر، حوّلت إسرائيل غزة إلى سجن في الهواء الطلق. بينما يستأنف العديد من الأشخاص حول العالم السفر بعد عامين من بدء تفشي فيروس كورونا، ما يزال أكثر من مليونَي فلسطيني في غزة منذ 15 عاما تحت ما يشبه الإغلاق الذي سبّبه الفيروس”.
وأضاف: على إسرائيل إنهاء المنع العام للسفر الذي تفرضه على سكان غزة والسماح بحرية تنقل الأشخاص من القطاع وإليه، والاكتفاء، في أقصى الحالات، بالفحص الفردي والتفتيش الجسدي لأغراض أمنية.
بين فبراير/شباط 2021 ومارس/آذار 2022، قابلت هيومن رايتس ووتش 20 فلسطينيا سعوا إلى الخروج من غزة إما عبر معبر بيت حانون (أو إيرز) الذي تديره إسرائيل أو معبر رفح الذي تديره مصر. كتبت هيومن رايتس ووتش إلى السلطات الإسرائيلية والمصرية لالتماس وجهات نظرهما بشأن النتائج التي توصلت إليها، وللسعي بشكل منفصل للحصول على معلومات حول شركة السفر المصرية التي تعمل عند معبر رفح، لكنها لم تتلق أي ردود حتى كتابة هذا التقرير.
منذ 2007، تمنع السلطات الإسرائيلية، باستثناءات ضيقة، الفلسطينيين من المغادرة عبر معبر بيت حانون، وهو معبر الركاب من غزة إلى إسرائيل، والذي يمكنهم من خلاله الوصول إلى الضفة الغربية والسفر إلى الخارج عبر الأردن. كما تمنع إسرائيل السلطات الفلسطينية من تشغيل مطار أو ميناء بحري في غزة. كذلك، تقيّد السلطات الإسرائيلية بشدة دخول البضائع وخروجها.
غالبا ما تبرّر إسرائيل الإغلاق، الذي جاء بعد أن أخذت “حركة حماس” السيطرة السياسية على غزة من “السلطة الفلسطينية” بقيادة “حركة فتح” في يونيو/حزيران 2007، بأسباب أمنية. قالت السلطات الإسرائيلية إنها تريد تقليص السفر بين غزة والضفة الغربية لمنع تصدير “شبكة بشرية إرهابية” من غزة إلى الضفة الغربية، التي لها حدود غير مُحكَمة مع إسرائيل، ويعيش فيها مئات آلاف المستوطنين الإسرائيليين.
قالت هيومن رايتس ووتش إن هذه السياسة قلّصت السفر بشكل كبير مقارنةً بما كان عليه قبل عقدين. وضعت السلطات الإسرائيلية “سياسة فصل” رسمية بين غزة والضفة الغربية، على الرغم من الإجماع الدولي على أن هذين الجزأين من الأرض الفلسطينية المحتلة يشكلان “وحدة إقليمية واحدة”. قبلت إسرائيل هذا المبدأ في “اتفاقية أوسلو” لعام 1995 الموقعة مع “منظمة التحرير الفلسطينية”. تقيّد السلطات الإسرائيلية جميع الرحلات بين غزة والضفة الغربية، حتى عندما يتم السفر عبر الطريق غير المباشر عبر مصر والأردن وليس عبر الأراضي الإسرائيلية.
بسبب هذه السياسات، فقد المهنيون، والطلاب، والفنانون، والرياضيون الفلسطينيون الذين يعيشون في غزة فرصا مهمة للتقدم غير متوفرة في غزة. قابلت هيومن رايتس ووتش سبعة أشخاص قالوا إن السلطات الإسرائيلية لم تستجب لطلباتهم للسفر عبر معبر بيت حانون، وثلاثة آخرين قالوا إن إسرائيل رفضت تصاريحهم، على ما يبدو لعدم ملاءمتها للمعايير الإسرائيلية الضيقة.
قالت المخرجة السينمائية ولاء سعادة (31 عاما) إنها تقدمت بطلب تصاريح للمشاركة في تدريب على صناعة الأفلام في الضفة الغربية في 2014 و2018، بعد أن أمضت سنوات في إقناع عائلتها بالسماح لها بالسفر بمفردها، لكن السلطات الإسرائيلية لم تستجب لطلباتها. الطبيعة العملية للتدريب، التي تتطلب تصوير مشاهد حية والعمل في الإستوديوهات، جعلت المشاركة عن بعد غير عملية، وفي النهاية لم تتمكن سعادة من المشاركة في التدريب.
قالت سعادة إن “الدنيا ضاقت” بها عندما تلقت هذا الرفض، ما جعلها تشعر “بأنها عالقة في صندوق صغير… بالنسبة لنا في غزة، عقارب الساعة توقفت. يمكن للأشخاص في جميع أنحاء العالم حجز رحلات الطيران والسفر بسهولة وبسرعة، بينما… نموت في انتظار دورنا”.
فاقمت السلطات المصرية تأثير الإغلاق من خلال تقييد الحركة خارج غزة والإغلاق الكامل أحيانا لمعبر رفح الحدودي، وهو منفذ غزة الوحيد باستثناء معبر بيت حانون إلى العالم الخارجي. منذ مايو/أيار 2018، تُبقي السلطات المصرية معبر رفح مفتوحا بشكل أكثر انتظاما، ما يجعله، وسط القيود الإسرائيلية الشاملة، المنفذ الأساسي لسكان غزة إلى العالم الخارجي.
ومع ذلك، ما يزال الفلسطينيون يواجهون عقبات شاقة في السفر عبر مصر، منها الاضطرار إلى الانتظار لأسابيع للحصول على تصاريح سفر، ما لم يكونوا مستعدين لدفع مئات الدولارات لشركات السفر التي لها علاقات قوية بالسلطات المصرية لتسريع سفرهم. كما يواجهون منع الدخول والانتهاكات من قبل السلطات المصرية.
قالت سعادة إنها حصلت أيضا على فرصة للمشاركة في ورشة عمل حول كتابة السيناريو في تونس في 2019، لكنها لم تستطع تحمل دفع ألفَي دولار أمريكي مقابل الخدمة التي تضمن قدرتها على السفر في الوقت المحدد. جاء دورها في السفر بعد ستة أسابيع، بعد أن كانت ورشة العمل قد انتهت.
بصفتها سلطة احتلال تتمتع بسيطرة كبيرة على جوانب الحياة في غزة، فإن إسرائيل ملزمة بموجب القانون الدولي الإنساني بضمان رعاية السكان هناك. بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، يتمتع الفلسطينيون أيضا بالحق في حرية التنقل، لا سيما داخل الأراضي المحتلة، وهو حق لا يمكن لإسرائيل تقييده بموجب القانون الدولي إلا ردا على تهديدات أمنية محددة.
ومع ذلك، فإن سياسة إسرائيل تعمّم منع حرية تنقل الأشخاص في غزة، مع استثناءات ضيقة، بغض النظر عن أي تقييم فردي للمخاطر الأمنية التي قد يشكلها الشخص. هذه القيود على الحق في حرية التنقل لا تفي بشرط أن تكون ضرورية ومتناسبة بشكل صارم لتحقيق هدف قانوني. أتيحت لإسرائيل لسنوات فرص عدة لتطوير استجابات أدقّ للتهديدات الأمنية تقلل القيود على الحقوق.
أما الالتزامات القانونية التي تقع على عاتق مصر تجاه سكان غزة فهي محدودة أكثر، لأنها ليست سلطة احتلال. لكن، بصفتها دولة طرف في اتفاقية “جنيف الرابعة”، عليها ضمان احترام الاتفاقية “في جميع الأحوال”، بما في ذلك حماية المدنيين الذين يعيشون تحت الاحتلال والذين لا يستطيعون السفر بسبب القيود غير القانونية التي تفرضها قوة الاحتلال. على السلطات المصرية أيضا أن تنظر في تأثير إغلاقها للحدود على حقوق الفلسطينيين الذين يعيشون في غزة والذين لا يستطيعون السفر من غزة وإليها عبر طريق آخر، بما في ذلك الحق في مغادرة البلد.
على السلطات المصرية إزالة العقبات غير المعقولة التي تقيّد حقوق الفلسطينيين والسماح بعبورهم عبر أراضيها، مع مراعاة الاعتبارات الأمنية. عليها أيضا ضمان أن تكون قراراتها شفافة وغير تعسفية وأن تأخذ بعين الاعتبار الحقوق الإنسانية للمتضررين.
قال شاكر: “إغلاق غزة يمنع الموهوبين وأصحاب المهن، الذين لديهم الكثير ليقدموه لمجتمعهم، من السعي وراء الفرص التي يعتبرها الناس في أماكن أخرى من المسلّمات. منع الفلسطينيين في غزة من التنقل بحرية داخل وطنهم يعيق حياتهم ويؤكد الواقع القاسي للفصل العنصري والاضطهاد بحق ملايين الفلسطينيين”.
التزامات إسرائيل تجاه غزة بموجب القانون الدولي
تمنح السلطات الإسرائيلية نفسها “سلطات تنفيذية وتقديرية واسعة… لتقرير من يمكنه دخول أراضيها” وتقول إن “الأجنبي ليس له حق قانوني في دخول الأراضي السيادية للدولة، بما في ذلك لأغراض العبور” إلى الضفة الغربية أو الخارج. في حين أن القانون الدولي لحقوق الإنسان يمنح مجالا واسعا للحكومات فيما يتعلق بدخول الأجانب، إلا أن على إسرائيل التزامات تجاه سكان غزة. بسبب استمرار سيطرة إسرائيل على حياة ورفاه سكان غزة، ما زالت إسرائيل سلطة احتلال بموجب القانون الإنساني الدولي، على الرغم من سحب قواتها العسكرية ومستوطناتها من المنطقة في 2005. توصلت الأمم المتحدة و”اللجنة الدولية للصليب الأحمر”، اللتان ترعيان القانون الإنساني الدولي، إلى هذا القرار. بصفتها سلطة الاحتلال، تظل إسرائيل ملزمة بتزويد سكان غزة بالحقوق والحماية التي يمنحهم إياها قانون الاحتلال. تواصل السلطات الإسرائيلية السيطرة على المياه الإقليمية والمجال الجوي لغزة، وعلى حركة الأشخاص والبضائع، باستثناء حدود غزة مع مصر. تسيطر إسرائيل أيضا على سجل السكان الفلسطينيين والبنى التحتية التي تعتمد عليها غزة.
إسرائيل ملزمة باحترام الحقوق الإنسانية للفلسطينيين الذين يعيشون في غزة، بما في ذلك حقهم في حرية التنقل في جميع أنحاء الأراضي الفلسطينية المحتلة وفي الخارج، ما يؤثر على الحق في مغادرة بلد ما، والحق في دخول بلدهم. إسرائيل مُلزمة أيضا باحترام حقوق الفلسطينيين التي تعتمد على حرية التنقل كشرط مسبق، على سبيل المثال الحق في التعليم، والعمل، والصحة. قالت “لجنة حقوق الإنسان” التابعة للأمم المتحدة إنه بينما يمكن للدول تقييد حرية التنقل لأسباب أمنية أو لحماية الصحة العامة والآداب العامة وحقوق الغير، فإن أي قيود من هذا القبيل يجب أن تكون متناسبة، وينبغي “أن تسترشد دائما بالمبدأ القائل بعدم إعاقة جوهر الحق من جراء القيود؛ ويجب أن تُقْلَب العلاقة بين الحق والقيد، بين القاعدة والاستثناء”.
بينما يسمح قانون الاحتلال لسلطات الاحتلال بفرض قيود أمنية على المدنيين، فإنه يطالبهم أيضا بإعادة الحياة العامة للسكان الخاضعين للاحتلال. يزداد هذا الالتزام في ظل الاحتلال طويل الأمد، حيث يكون لدى المحتل المزيد من الوقت والفرص لتطوير استجابات محدّدة أكثر للتهديدات الأمنية التي تقلل القيود على الحقوق. بالإضافة إلى ذلك، تزداد احتياجات السكان الخاضعين للاحتلال بمرور الوقت. تعليق حرية التنقل بشكل كلي تقريبا لفترة قصيرة يوقف مؤقتا الحياة العامة العادية، ولكن التعليق طويل الأمد وغير المحدود في غزة كان له تأثير أكثر تدميرا، حيث أدى إلى تشتيت السكان، وإضعاف الروابط الأسرية والاجتماعية، ومضاعفة التمييز ضد المرأة، ومنع الناس من الحصول على فرص لتحسين حياتهم.
التأثير ضار بشكل خاص نظرا إلى حرمان الأشخاص العالقين في جزء من الأرض المحتلة من حرية التنقل. يُحرَم هؤلاء الأشخاص من التفاعل شخصيا مع غالبية السكان الخاضعين للاحتلال الذين يعيشون في الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، حيث يوجد تنوع ثريّ من المؤسسات التعليمية، والثقافية، والدينية، والتجارية.
بعد 55 عاما من الاحتلال و15 عاما على الإغلاق في غزة دون نهاية تلوح في الأفق، على إسرائيل أن تحترم الحقوق الإنسانية للفلسطينيين احتراما كاملا، باستخدام الحقوق التي تمنحها للمواطنين الإسرائيليين كمعيار. على إسرائيل أن تتخلى عن النهج الذي يمنع التنقل إلا في ظروف إنسانية فردية استثنائية تحددها هي، لصالح نهج يسمح بحرية التنقل إلا في ظروف أمنية فردية استثنائية.
الإغلاق الإسرائيلي
معظم الفلسطينيين الذين نشأوا في غزة في ظل هذا الإغلاق لم يغادروا قط قطاع غزة البالغة مساحته 40 × 11 كيلومتر. على مدى السنوات الـ25 الماضية، فرضت إسرائيل قيودا متزايدة على تنقل سكان غزة. منذ يونيو/حزيران 2007، عندما أخذت حماس السيطرة على غزة من السلطة الفلسطينية بقيادة فتح، تم إغلاق غزة في الغالب.
تبرّر السلطات الإسرائيلية هذا الإغلاق بأسباب أمنية، في ضوء “وصول حماس إلى السلطة في قطاع غزة”، كما ورد في ملف إحدى المحاكم في ديسمبر/كانون الأول 2019. تسلّط السلطات الضوء على وجه الخصوص على الخطر المتمثل في قيام حماس والجماعات الفلسطينية المسلحة بتجنيد سكان غزة الذين لديهم تصاريح للسفر عبر معبر بيت حانون أو إجبارهم على “تنفيذ أعمال إرهابية أو نقل الأنشطة أو المعرفة أو الاستخبارات أو الأموال أو المعدات لأغراض إرهابية”. إلا أن سياستها ترقى إلى مستوى منع شامل مع استثناءات نادرة، بدلا من احترام عام لحق الفلسطينيين في حرية التنقل، والذي لا يمكن حرمان الناس منها سوى لأسباب أمنية فردية.
فرض الجيش الإسرائيلي منذ 2007 قيودا على السفر عبر معبر بيت حانون باستثناء ما يعتبره “ظروفا إنسانية استثنائية”، تشمل بشكل أساسي أولئك الذين يحتاجون إلى علاج طبي ضروري خارج غزة ومرافقيهم، على الرغم من أن السلطات تستثني أيضا مئات رجال الأعمال والعمال وآخرين. فرضت إسرائيل قيودا على التنقل حتى للأشخاص الذين يسعون إلى السفر في ظل هذه الاستثناءات الضيقة، ما يمسّ بحقوقهم في الصحة والحياة، من بين أمور أخرى، بحسب ما وثّقت هيومن رايتس ووتش ومجموعات أخرى. معظم سكان غزة لا يندرجون ضمن هذه الإعفاءات للسفر عبر معبر بيت حانون، حتى لو كان ذلك للوصول إلى الضفة الغربية.
بين يناير/كانون الثاني 2015 وديسمبر/كانون الأول 2019، قبل بدء قيود كورونا، غادر كمعدّل حوالي 373 فلسطينيا غزة عبر معبر بيت حانون يوميا، أي أقل من 1.5% من المعدل اليومي البالغ 26 ألف في سبتمبر/أيلول 2000، قبل الإغلاق، بحسب المنظمة الحقوقية الإسرائيلية “چيشاه- مسلك”. شددت السلطات الإسرائيلية الإغلاق بشكل أكبر خلال تفشي فيروس كورونا؛ بين مارس/آذار 2020 وديسمبر/كانون الأول 2021، غادر ما معدله 143 فلسطينيا غزة عبر معبر بيت حانون كل يوم، بحسب چيشاه-مسلك.
أعلنت السلطات الإسرائيلية في مارس/آذار 2022 أنها ستمنح 20 ألف تصريح عمل للفلسطينيين في غزة للعمل في إسرائيل في البناء والزراعة، على الرغم من أن چيشاه-مسلك أفادت أن العدد الفعلي للتصاريح السارية في هذه الفئة بلغ 9,424، حتى 22 مايو/أيار.
كما فرضت السلطات الإسرائيلية منذ أكثر من عقدين قيودا شديدة على استخدام الفلسطينيين للأجواء والمياه الإقليمية لغزة. ومنعت إعادة فتح المطار الذي دمرته القوات الإسرائيلية في يناير/كانون الثاني 2002، ومنعت السلطات الفلسطينية من بناء ميناء بحري، فلم تترك للفلسطينيين خيارا سوى مغادرة غزة برا للسفر إلى الخارج. يُمنع عدد قليل من الفلسطينيين المسموح لهم بالعبور عند معبر بيت حانون عموما من السفر إلى الخارج عبر مطار إسرائيل الدولي وعليهم بدلا من ذلك السفر إلى الخارج عبر الأردن. يقدم الفلسطينيون الذين يرغبون في مغادرة غزة عبر معبر بيت حانون، إما إلى الضفة الغربية أو إلى الخارج، طلباتهم من خلال “الهيئة العامة للشؤون المدنية” الفلسطينية في غزة، والتي ترسل الطلبات إلى السلطات الإسرائيلية التي تقرر ما إذا كانت ستمنح تصريحا أم لا.
الفصل بين غزة والضفة الغربية
كجزء من الإغلاق، سعت السلطات الإسرائيلية إلى “التفريق” بين مقارباتها السياسية تجاه كلّ غزة والضفة الغربية، مثل فرض قيود أكثر شمولا على حركة الأشخاص والبضائع من غزة إلى الضفة الغربية، وتعزيز الفصل بين هذين الجزئين من الأراضي الفلسطينية المحتلة. نصّ “الإجراء الخاص بالاستيطان في غزة من قبل سكان يهودا والسامرة [الضفة الغربية]”، الصادر في 2018، على أنه “اتخذ قرار في 2006 باعتماد سياسة الفصل بين يهودا والسامرة وقطاع غزة نظرا لصعود حماس إلى السلطة في القطاع. السياسة السارية حاليا تهدف بشكل صريح إلى تقليص السفر بين المناطق”.
في 11 حالة راجعتها هيومن رايتس ووتش لأشخاص يسعون للوصول إلى الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، للحصول على فرص مهنية وتعليمية غير متوفرة في غزة، لم تستجب السلطات الإسرائيلية أو رفضت طلبات التصاريح، إما لأسباب أمنية أو لأن الأشخاص لم يمتثلوا لسياسة الإغلاق. كما راجعت هيومن رايتس ووتش طلبات التصاريح على موقع “الهيئة العامة للشؤون المدنية” الفلسطينية، أو لقطات شاشة لها، بما فيها الوضع الحالي لطلبات التصاريح، وتاريخ إرسالها إلى السلطات الإسرائيلية، والرد المستلَم، إن وجد.
قال رائد عيسى، وهو فنان عمره 42 عاما، إن السلطات الإسرائيلية لم تردّ على طلبه الحصول على تصريح في أوائل ديسمبر/كانون الأول 2015 لحضور معرض لأعماله الفنية في صالة عرض في رام الله بين 27 ديسمبر/كانون الأول و16 يناير/كانون الثاني 2016.
سعى معرض “ما وراء الحلم” إلى تسليط الضوء على الوضع في غزة بعد حرب 2014. قال عيسى إن الهيئة العامة للشؤون المدنية واصلت وصف حالة طلبه بأنه “أُرسل وبانتظار الرد” وانتهى به الأمر بحضور افتتاح المعرض على الإنترنت. شعر عيسى أن عدم وجوده شخصيا أعاق قدرته على التفاعل مع الجمهور، والتواصل، والترويج لعمله، وهو ما يعتقد أنه قيّد وصوله وأضرّ بمبيعات أعماله الفنية. قال إنه شعر بالألم “لأنني أنظم معرضي الفني في وطني ولا أستطيع حضوره، ولا أستطيع التنقل بحرية”.
قال أشرف سحويل (47 عاما)، وهو رئيس مجلس إدارة “مركز غزة للثقافة والفنون”، إن الفنانين المقيمين في غزة عادة لا يتلقون أي رد بعد التقدم للحصول على تصاريح إسرائيلية، ما يضطرهم إلى تفويت فرص حضور المعارض والفعاليات الثقافية الأخرى. وهو كرسام، قدم طلبا للحصول على سبعة تصاريح بين 2013 و2022، لكن السلطات الإسرائيلية إما لم ترد أو رفضت كل طلب. قال سحويل إنه “فقد الأمل في إمكانية السفر عبر إيريز”.
يواجه الرياضيون الفلسطينيون في غزة قيودا مماثلة عند سعيهم للتنافس مع نظرائهم في الضفة الغربية، رغم أن المبادئ التوجيهية للجيش الإسرائيلي تحدد بشكل خاص “دخول الرياضيين” ضمن الاستثناءات المسموح بها للإغلاق. تنص المبادئ التوجيهية، المحدّثة في فبراير/شباط 2022، على أنه “يحق لجميع سكان قطاع غزة من أعضاء الفرق الرياضية الوطنية والمحلية دخول إسرائيل بالعبور إلى منطقة يهودا والسامرة [الضفة الغربية] أو إلى الخارج للقيام بأنشطة الفرق الرسمية”.
قال هلال الغواش (25 سنة)، لـ هيومن رايتس ووتش إن فريقه لكرة القدم “خدمات رفح” كان لديه مباراة في يوليو/تموز 2019 مع فريق منافس في الضفة الغربية، “مركز شباب بلاطة”، في نهائي “كأس فلسطين”، مع حق الفائز بتمثيل فلسطين في “كأس آسيا”. تقدم “الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم” (الاتحاد الفلسطيني) بطلب للحصول على تصاريح لكامل الفريق المكون من 22 لاعبا و13 إداريا، لكن السلطات الإسرائيلية، دون تفسير، منحت تصاريح لأربعة أشخاص فقط، واحد منهم فقط لاعب. ونتيجة لذلك، تأجلت المباراة.
بعدما استأنفت چيشاه-مسلك القرار في المحكمة المركزية في القدس، منحت السلطات الإسرائيلية تصاريح لـ 11 شخصا، بينهم ستة لاعبين، قائلة إن الـ 24 الآخرين رُفضوا لأسباب أمنية دون تحديدها. وكان الغواش من بين اللاعبين الذين لم يحصلوا على تصريح. أيدت المحكمة الرفض. مع منع نادي خدمات رفح من الوصول إلى الضفة الغربية، ألغى الاتحاد الفلسطيني مباراة نهائي كأس فلسطين.
قال الغواش إن مباريات الضفة الغربية لها أهمية خاصة للاعبي كرة القدم في غزة، لأنها تتيح الفرصة لعرض مواهبهم لأندية الضفة الغربية، التي تعتبر بشكل كبير متفوقة على أندية غزة وتدفع أجورا أفضل. قال الغواش إنه رغم الإلغاء، عرض عليه مركز شباب بلاطة لاحقا ذلك العام عقدا للعب معهم. قدم الاتحاد الفلسطيني مرة أخرى طلبا للحصول على تصريح نيابة عن الغواش، لكن الغواش قال إنه لم يتلق ردا ولم يتمكن من الانضمام إلى الفريق.
في 2021، وقّع الغواش عقدا مع فريق آخر في الضفة الغربية، نادي “هلال القدس”. قدم الاتحاد الفلسطيني طلبا مرة أخرى، ولكن هذه المرة، رفض الجيش الإسرائيلي التصريح لأسباب أمنية غير محددة. قال الغواش إنه لا ينتمي إلى أي جماعة مسلحة أو حركة سياسية وليس لديه أي فكرة عن سبب رفض السلطات الإسرائيلية منحه التصريح.
أدى ضياع هذه الفرص إلى خسارة الغواش فرصة دخل أعلى، وخسر أيضا فرصة اللعب مع فرق أكثر تنافسية في الضفة الغربية، الأمر الذي كان يمكن أن يقرّبه من هدفه بالانضمام إلى المنتخب الوطني الفلسطيني. قال: “هناك مستقبل في الضفة الغربية، لكن هنا في غزة، لا يوجد سوى الحكم بالإعدام. الإغلاق يدمر مستقبل اللاعبين. غزة مليئة بالموهوبين، لكن المغادرة صعبة”.
غالبا ما لا يستطيع الطلاب وأصحاب المهن الفلسطينيون الحصول على تصاريح للدراسة أو التدريب في الضفة الغربية. في 2016، وافق مستشفى “الأوغستا فيكتوريا/المطّلع” في القدس الشرقية على دعوة عشرة طلاب فيزياء من “جامعة الأزهر” لبرنامج تدريبي لستة أشهر في المستشفى. قال طالبان منهم إن السلطات الإسرائيلية رفضت منح تصاريح لخمسة طلاب دون تقديم مبرر.
تلقى الطلاب الخمسة الآخرون في البداية تصاريح صالحة لـ 14 يوما فقط، ثم واجهوا صعوبات في الحصول على تصاريح لاحقة. قال الطالبان إن أحدا لم يتمكن من إكمال البرنامج بالكامل. قال أحدهما، محمود دبور (28 عاما)، إنه عندما تقدم بطلب تصريح ثان، لم يتلق أي رد. بعد شهرين، تقدم مرة أخرى وحصل على تصريح صالح لأسبوع. حصل على تصريح آخر، صالح لعشرة أيام، ولكن لاحقا، عندما عاد وتقدم للمرة الخامسة، رفضت السلطات الإسرائيلية طلبه دون إبداء أسباب. نتيجة لذلك، لم يتمكن من إنهاء البرنامج التدريبي، وقال إنه بدون الشهادة التي يحصل عليها المشاركون عند الانتهاء، لا يمكنه التقدم لوظائف أو حضور مؤتمرات أو ورش عمل في الخارج في هذا المجال.
قال دبور إن التدريب غير متوفر في غزة، حيث إن المواد الإشعاعية الضرورية تنتهي صلاحيتها بحيث لا يمكن تشغيلها بعد اجتياز عمليات التفتيش الإسرائيلية المطولة للمواد التي تدخل قطاع غزة. قال دبور إنه لا توجد أجهزة عاملة من النوع الذي يحتاج إليه الطلاب للتدريب في غزة.
قال أحد الطلاب الذين رُفضت تصاريحهم: “أشعر أنني درست لخمس سنوات بلا فائدة، وأن حياتي توقفت”. طلب الطالب حجب اسمه لسلامته.
قال موظفان في “زِمام فلسطين”، وهي منظمة مقرها رام الله تركز على تمكين الشباب وحل النزاعات، إن السلطات الإسرائيلية رفضت مرارا منحهما تصاريح لحضور تدريبات تنظيمية واجتماعات استراتيجية. قال مدير مكتب غزة عطا المصري (31 عاما) إنه تقدم أربع مرات للحصول على تصاريح، لكنه لم يتلق أي رد. لم تردّ السلطات الإسرائيلية في المرات الثلاث الأولى، وفي المرة الأخيرة في 2021، رفضت طلبه على أساس أنه “غير مطابق” مع الإعفاءات المسموح بها في الإغلاق. يعمل المصري لدى زمام منذ 2009، لكنه التقى بزملائه شخصيا لأول مرة في مصر في مارس/آذار 2022.
قالت عهد عبد الله (29 عاما)، وهي منسقة برامج الشباب في زمام في غزة، إنها تقدمت مرتين للحصول على تصريح في 2021، لكن السلطات الإسرائيلية رفضت كلا الطلبين على أساس “عدم المطابقة”:
يُفترض أن يكون هذا حقي. أبسط حقوقي. لماذا رفضوني؟ تمكن زملائي خارج فلسطين من النجاح، بينما أنا داخل فلسطين، لم أتمكن من الذهاب إلى الجزء الآخر من فلسطين… تبعد غزة عن رام الله ساعتين أو ثلاثة فقط، فلماذا أتلقى التدريب عبر الإنترنت؟ لماذا أُحرم من التواجد مع زملائي والقيام بأنشطة معهم بدلا من الجلوس في غرف جانبية مملة على “زووم”؟
سبق أن وثّقت هيومن رايتس ووتش أن الإغلاق منع أخصائيّي الأجهزة المساعِدة للأشخاص ذوي الإعاقة من فرص التدريب العملي على أحدث طرق التقييم، وصيانة الأجهزة، وإعادة التأهيل. كما وثّقت هيومن رايتس ووتش القيود المفروضة على تنقّل الحقوقيين. أفادت چيشاه-مسلك، المنظمة الحقوقية الإسرائيلية، أن إسرائيل منعت العاملين الصحيين في غزة من حضور تدريب في الضفة الغربية حول كيفية تشغيل معدات جديدة وعرقلت عمل منظمات المجتمع المدني العاملة في غزة.
كما جعلت السلطات الإسرائيلية من المستحيل فعليا على الفلسطينيين من غزة الانتقال إلى الضفة الغربية. بسبب القيود الإسرائيلية، فإن الآلاف من سكان غزة الذين وصلوا بتصاريح مؤقتة ويعيشون الآن في الضفة الغربية غير قادرين على الحصول على إقامة قانونية. رغم ادعاء إسرائيل أن هذه القيود مرتبطة بالحفاظ على الأمن، فإن الأدلة التي جمعتها هيومن رايتس ووتش تشير إلى أن الدافع الرئيسي هو السيطرة على الديموغرافيا الفلسطينية في مختلف أنحاء الضفة الغربية، والتي تسعى إسرائيل للاحتفاظ بها، على عكس قطاع غزة.
مصر
مع عدم قدرة معظم سكان غزة على السفر عبر معبر بيت حانون، أصبح معبر رفح بإدارة مصر المنفذ الرئيسي لغزة على العالم الخارجي، لا سيما في السنوات الأخيرة. أبقت السلطات المصرية معبر رفح مغلقا في الغالب حوالي خمس سنوات عقب الانقلاب العسكري في يوليو/تموز 2013 في مصر الذي أطاح بالرئيس محمد مرسي، الذي اتهمه الجيش بتلقي الدعم من حماس. إلا أن مصر خففت القيود في مايو/أيار 2018، وسط “مسيرة العودة الكبرى”، وهي الاحتجاجات الفلسطينية المتكررة حينها قرب السياج الفاصل بين غزة وإسرائيل.
رغم إبقاء معبر رفح مفتوحا بشكل أكثر انتظاما منذ مايو/أيار 2018، إلا أن الحركة عبر رفح ليست سوى جزءا يسير مما كانت عليه قبل انقلاب 2013 في مصر. في حين كان يعبر 40 ألف شخص شهريا في كلا الاتجاهين قبل الانقلاب، كان المتوسط الشهري 12,172 في 2019 و15,077 في 2021، بحسب چيشاه-مسلك.
تحدثت هيومن رايتس ووتش مع 16 شخصا من سكان غزة سعوا للسفر عبر رفح. قال جميعهم تقريبا إنهم اختاروا هذا الطريق بسبب صعوبة الحصول على تصريح إسرائيلي للعبور عبر بيت حانون.
على سكان غزة الذين يأملون في المغادرة عبر رفح التسجيل مسبقا عبر إجراءات اعتبرها “مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية” (أوتشا) “مربكة” و”غامضة”. يمكن لسكان غزة إما التسجيل عبر عملية التسجيل الرسمية التي تديرها “وزارة الداخلية” في غزة أو بشكل غير رسمي عبر ما يعرف بـ “تنسيق” السفر مع السلطات المصرية، بالدفع لشركات السفر أو الوسطاء مقابل مكان في قائمة منفصلة تنسّقها السلطات المصرية. وفقا لـ أوتشا، أثار وجود قائمتين منفصلتين للأشخاص الذين لديهم تصريح سفر، بتنسيق من سلطات مختلفة، “ادعاءات بدفع الرشاوى في غزة ومصر لضمان السفر والاستجابة بشكل أسرع”.
قال سكان غزة الذين سعوا لمغادرة غزة عبر رفح إن الإجراءات الرسمية تستغرق غالبا شهرين إلى ثلاثة أشهر، باستثناء المسافرين لأسباب طبية، والذين تُعالج طلباتهم بشكل أسرع. رفضت السلطات المصرية أحيانا الساعين لعبور رفح إلى مصر على أساس أنهم لا يستوفون معايير محددة للسفر. تفتقر المعايير إلى الشفافية، لكن چيشاه-مسلك أفادت بأن من بينها إحالة لموعد طبي في مصر أو وثائق صالحة لدخول بلد ثالث.
لتجنب الانتظار وخطر الرفض، يختار الكثيرون طريق “التنسيق”. قال عدة أشخاص عند مقابلتهم إنهم دفعوا مبالغ كبيرة لسماسرة فلسطينيين أو شركات سفر في غزة تعمل مباشرة مع السلطات المصرية لتسريع حركة الناس عبر معبر رفح. تعلن بعض هذه الشركات على مواقع التواصل الاجتماعي أن بإمكانها تأمين السفر خلال أيام لمن يوفرون الدفعة ونسخة من جواز سفرهم. تفاوتت تكلفة “التنسيق” من عدة مئات إلى عدة آلاف دولارات خلال العقد الماضي، ويتوقف ذلك جزئيا على فتح معبر رفح أو إغلاقه.
في السنوات الأخيرة، أضافت شركات السفر فئة تنسيق “كبار الشخصيات”، والذي يُسرّع السفر دون تأخير في العبور بين رفح والقاهرة، ويوفر مرونة في موعد السفر ويضمن معاملة أفضل من قبل السلطات. كانت التكلفة 700 دولار بحلول يناير/كانون الثاني 2022.
قال ناشط حقوقي وصحفي حقّقا في هذه القضايا لـ هيومن رايتس ووتش إن شركة “هلا للاستشارات والخدمات السياحية” في القاهرة، التي توفر خدمات تنسيق كبار الشخصيات، لها صلات قوية مع المؤسسة الأمنية المصرية ويعمل بها بشكل كبير ضباط عسكريون مصريون سابقون. يتيح ذلك للشركة تقليل أوقات الإجراءات والتأخير عند نقاط التفتيش أثناء الرحلة بين رفح والقاهرة. طلب الناشط والصحفي حجب اسميهما لأسباب أمنية.
ترتبط الشركة برجل الأعمال المصري البارز إبراهيم العرجاني، الذي تربطه علاقات وثيقة بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. يرأس العرجاني “اتحاد قبائل سيناء”، الذي يعمل يدا بيد مع الجيش المصري وأجهزة المخابرات ضد المسلحين العاملين في شمال سيناء. العرجاني، أحد رجال الأعمال المصريين القلائل القادرين على تصدير البضائع إلى غزة من مصر، يمتلك شركة “أبناء سيناء”، صاحبة العقد الحصري للتعامل مع جميع العقود المرتبطة بجهود إعادة إعمار غزة. كتبت هيومن رايتس ووتش إلى العرجاني لالتماس آرائه حول هذه القضايا، لكنها لم تتلق أي رد حتى كتابة هذا التقرير.
قال مهندس كمبيوتر ورائد أعمال عمره 34 عاما إنه سعى للسفر في 2019 إلى السعودية للقاء مستثمر لمناقشة مشروع محتمل لبيع قطع غيار السيارات عبر الإنترنت. اختار عدم التقديم للسفر عبر معبر بيت حانون، حيث تقدم بطلب تصاريح ثماني مرات بين 2016 و2018 ورُفض أو لم يتلق ردا.
سجل في البداية عبر الإجراءات الرسمية لوزارة الداخلية ونال الموافقة على السفر بعد ثلاثة أشهر. ومع ذلك، وفي اليوم المحدد لخروجه عبر رفح، قال ضابط مصري هناك إنه وجد أن سبب سفره غير “مقنع” بما يكفي ورفض السماح له بالمرور. بعد بضعة أشهر، حاول السفر مرة أخرى لنفس الغرض، واختار هذه المرة “التنسيق” ودفع 400 دولار، وفي هذه المرة، وصل بنجاح إلى السعودية خلال أسبوع من سعيه للسفر.
قال إنه يود الذهاب في إجازة مع زوجته، لكنه قلق من أن السلطات المصرية لن تعتبر الإجازة سببا مقنعا بما يكفي للسفر وأن خياره الوحيد سيكون دفع مئات أو آلاف الدولارات “للتنسيق”.
سعى رجل عمره 73 عاما للسفر عبر رفح في فبراير/شباط 2021، مع ابنته (46 عاما)، لإجراء جراحة استبدال الركبة في “مستشفى الشيخ زايد” في القاهرة. قال إن غزة تفتقر إلى القدرة لإجراء هكذا عملية. الرجل وابنته قريبا أحد موظفي هيومن رايتس ووتش. قدّما الطلب عبر إجراءات وزارة الداخلية وحصلا على الموافقة خلال ما يزيد قليلا عن أسبوع.
وفقا للابنة، بعدما انتظرا عدة ساعات في القاعة المصرية في رفح يوم السفر، أدرجت السلطات المصرية اسم الابنة ضمن 70 اسما لم يُسمح لهم بالمرور ذلك اليوم. أظهر الأب لمسؤولي الحدود مذكرة طبيب تشير إلى حاجته إلى شخص يسافر معه بسبب وضعه الطبي، لكن الضابط قال له: “إما أن تسافر بمفردك أو ستعود معها إلى غزة”. قالت إنها عادت إلى غزة مع 70 شخص آخر، وسافر والدها لاحقا بمفرده.
قال خمسة أشخاص تمكنوا من السفر عبر رفح إنهم تعرضوا لظروف سيئة وسوء معاملة، بما فيها عمليات تفتيش تخرق الخصوصية، من قبل السلطات المصرية، وقال العديد منهم إنهم شعروا بأن السلطات المصرية تعاملهم مثل “المجرمين”. قال عدة أشخاص إن عناصر الأمن المصريين صادروا أشياء منهم أثناء الرحلة، منها كاميرا باهظة الثمن وهاتف محمول، دون سبب واضح.
عند مغادرة رفح، يُنقل الفلسطينيون بالحافلة إلى مطار القاهرة. تستغرق الرحلة حوالي سبع ساعات، لكن عدة أشخاص قالوا إن الرحلة استغرقت ثلاثة أيام بين فترات انتظار طويلة في الحافلة، عند نقاط التفتيش ووسط تأخيرات أخرى، غالبا في طقس قاسٍ. قال العديد ممن سافروا عبر رفح إنه، خلال هذه الرحلة، منعت السلطات المصرية الركاب من استخدام هواتفهم.
قال والدا طفل عمره 7 أعوام لديه التوحد ومرض دماغي نادر إنهما سعيا للسفر لعلاجه في أغسطس/آب 2021، لكن السلطات المصرية سمحت للطفل ووالدته فقط بالدخول. قالت الأم إن رحلة عودتهما إلى غزة استغرقت أربعة أيام، غالبا بسبب إغلاق معبر رفح. قالت إنهما قضيا ساعات في الانتظار عند نقاط التفتيش حينها، في جو شديد الحرارة، وابنها يبكي باستمرار. قالت إنها شعرت “بالذل” وإنها عوملت مثل “الحيوانات”، وأوضحت أنها “تفضل الموت على السفر مرة أخرى عبر رفح”.
قال مخرج سينمائي عمره 33 عاما، سافر عبر رفح إلى المغرب في أواخر 2019 لحضور عرض فيلم، إن العودة من القاهرة إلى رفح استغرقت ثلاثة أيام، قضى معظمها عند نقاط التفتيش وسط الشتاء البارد في صحراء سيناء.
قال رجل عمره 34 عاما إنه خطط للسفر في أغسطس/آب 2019 عبر رفح إلى الإمارات لمقابلة عمل كمدرس للغة العربية. قال إنه في يوم سفره، أعادته السلطات المصرية، قائلة إنها استوفت الحصة المخصصة من المسافرين. عبر في اليوم التالي، لكنه قال بما أن اليوم كان الخميس ومع إغلاق رفح يوم الجمعة، جعلت السلطات المصرية المسافرين يقضون ليلتين في رفح، دون توفير طعام أو حمام نظيف.
ثم استغرقت الرحلة إلى مطار القاهرة يومين، وصف خلالها عبور نقاط التفتيش حيث جعل العناصر المسافرين “يضعون أيديهم خلف ظهورهم أثناء تفتيش حقائبهم”. نتيجة لهذه التأخيرات البالغة أربعة أيام منذ يوم السفر، فاتته مقابلة العمل ووجد أن شخصا آخر نال الوظيفة. هو حاليا عاطل عن العمل في غزة.
بسبب حالة عدم اليقين بشأن عبور رفح، قال سكان غزة إنهم غالبا ما يؤجلون حجز رحلاتهم الجوية من القاهرة حتى وصولهم. يعني الحجز المتأخر غالبا، بخلاف العقبات الأخرى، الاضطرار إلى الانتظار حتى يجدوا رحلة مناسبة بأسعار معقولة، والتخطيط لأيام إضافية للسفر وإنفاق أموال إضافية على التذاكر القابلة للتغيير أو تذاكر اللحظة الأخيرة. تسود ديناميات مماثلة عند السفر إلى الخارج عبر معبر بيت حانون إلى عمّان.
قابلت هيومن رايتس ووتش أربعة رجال دون سن الـ 40 يحملون تأشيرات دخول إلى دول ثالثة، سمحت لهم السلطات المصرية بالدخول فقط لغرض العبور. ونقلت السلطات هؤلاء الرجال إلى مطار القاهرة وجعلتهم ينتظرون فيما يشار إليه بـ “غرفة الترحيل” حتى موعد رحلاتهم. شبّه الرجال الغرفة بـ “زنزانة سجن” بمرافق محدودة وظروف غير صحية. وصفوا جميعا نظاما يُطلب فيه رشوة لمغادرة الغرفة لحجز تذكرة طائرة، أو إحضار الطعام، أو المشروبات، أو السجائر، ولتجنب سوء المعاملة. ذكر أحد الرجال أن عنصرا أخذه خارج الغرفة، وسأله: “ألن تعطي شيئا لمصر؟”، وقال إن آخرين في الغرفة أخبروه أن العنصر الأمني فعل الشيء نفسه معهم.