تحقيق دبلوماسي بريطاني: أهداف بوتين تشكل إهانة لمنصبه ولشعبه

رحب الغرب بفلاديمير بوتين كرئيس سيعمل على استعادة النظام وإجراء إصلاحات عندما حل محل الرئيس بوريس يلتسين المتعب وفاقد المصداقية في عام .2000 وشعر قليلون آنذاك أنه ربما يقود الشعب الروسي بدلا من ذلك إلى المأساة التي تحوم حوله الآن.


وقال السير أندرو وود، سفير بريطانيا الأسبق في موسكو والزميل المشارك في مركز أبحاث تشاتام هاوس (المعهد الملكي للشؤون الدولية) وهو معهد مستقل للسياسات مقره لندن، في تقريرنشره ا لمركز إن السعي الحثيث من جانب الرئيس الروسي في اتجاهين سياسيين متشابكين كان خيانة لواجباته الدستورية ومصالح شعبه: أولا من خلال تركيز السلطة في يديه وثانيا بهوسه بما يرى أنه حق روسيا تحت حكمه عبر التهديد والعنف لإعادتها كقوة تتم معاملتها كقوة موازية لقوة الولايات المتحدة بنفس الطريقة التي كانت قائمة خلال الحرب الباردة.

وكان الهدفان موجودين منذ بداية انتخاب بوتين في عام 2000، إلا أن تداعياتهما المدمرة أصبحت أكثر وضوحا في السنوات الأخيرة. لقد أصبح بوتين الآن زعيما لا يتحلى بضبط النفس ولا يقبل النصيحة النزيهة.

وقال السير وود الزميل في برنامج روسيا-أوراسيا في مركز “تشاتام هاوس” إن الأشخاص الذين كانوا يفكرون بطريقة مختلفة عن بوتين، كانوا يتعرضون للتهديد والعقاب لكي يلتزموا الصمت أو يتم دفعهم إلى منفى وقائي حتى قبل 24 شباط/فبراير، وأصبح الوضع أسوأ الآن. ولكن مثل هذه القوة الشخصية ستؤدي إلى وجود أزمات أو مشكلات سيصر الزعيم على زيادة تفاقمها خوفا من أن يبدو حكمه أو قوة ارادته في موقف ضعف.

ورأى وود أن بوتين ونظامه الصارم تسببا في خنق روسيا. وقد منح التدمير الفعال للمؤسسات الحكومية المستقلة بوتين والموالين له الملتزمين صلاحيات فورية للعمل، لكنه لم يمنحهم ثقل الجدال المنطقي والذي كان يمكن أن يجعلهم يتخذون قراراتهم بناء على معلومات كافية، ناهيك عن التوصل إليها من خلال الرد على نقاش أو شعور عام.

إن الحكم من خلال “تفاهمات” خارج إطار القانون ربما يبدو أكثر ملائمة في الكرملين مقارنة بالحكم باتباع القوانين والذي يربط بين الحكومات والمواطنين. لكنه أيضا يغذي السلطة وانتشار أجهزة الحكم شبه الشرعية.

وأشار السير أندرو وود إلى أن القواعد المرنة بشأن حقوق الملكية المقترنة بالالتزام بتفضيل سائد لمشروعات الموارد الطبيعية التي تدعمها الدولة لن تجعل الاستثمار الابداعي المستقبلي جذابا على الإطلاق. إن اعتماد النظام على الدعاية التي تشمل أكاذيب واضحة لن يؤدي إلى طاعة شعبية دائمة، مهما كانت العقوبات الموقعة على أولئك الذين يعارضون هذه الأكاذيب.

وأكد أن الإنجازات الملموسة والحقيقية التي يمكن أن تعزز الآمال الشعبية بشأن المستقبل، هي فقط التي يمكن أن تقود في هذا الاتجاه. وحتى قبل 24 شباط/فبراير، كانت هناك أعراض متنامية من الضعف والفراغ وإمكانية حدوث فوضى أثرت على ثقة النظام والشعب الروسي بشأن مستقبله. ومرة أخرى تفاقم كل ذلك الآن .

لقد نجح نظام بوتين- في نظر شعب روسيا ومعظم دول العالم- في التأكيد مجددا على ثقله الدولي بإعادة تسليحه وانتشاره في مسارح مختلفة كقوات مسلحة معززة بدرجة كبيرة. وقد كان هذا مناسبا بشكل مقنع لرسائل الكرملين عن الظلم الماضي ووجود تهديد حالي لروسيا من الغرب. وإذا كانت الانتخابات تعبر عن الحقيقة، فإن معظم المواطنين الروس لا يزالون يصدقون، أنه من خلال الحرب في أوكرانيا، فإنهم يحمون “روسيا الأم”. وقد تم تصوير دعم حلف شمال الأطلسي (الناتو) لكييف على أنه دليل على ذلك الاعتقاد.

ولكن لدى الكرملين الكثيرالذي يريد أن يخفيه، وستتضح الحقيقة في يوم ما، خاصة عدم الكفاءة المخيف للقوات المسلحة الروسية، وحجم خسائرها ومسؤولية بوتين عن كل هذا. وسوف يتحمل أولئك الذين يوجهون أو يديرون النظام الذي رعاه بوتين على مدى الأعوام والذين ظلوا طائعين لطلبات النظام واستفادوا منه، المسؤولية وسيخضعون للمساءلة في نهاية الأمر.
ورأى الدبلوماسي البريطاني السابق أن ما يحدث في أوكرانيا هو تأكيد على افتقار روسيا لمستقبل واعد حال بقاء نظام بوتين.

وأوضح أن الشعب الروسي ككل سيحتاج إلى التفكير في الأوهام التي قادت بلادهم إلى فشلها مجددا من أجل إنضاج حكومة فعالة يمكن محاسبتها. من غير القيام بذلك، لن تصبح روسيا مزدهرة مبدعة ومستقرة مثلما أصبحت دول أخرى في أوروبا. إن تدمير أوكرانيا وقتل شعبها ليس طريق المجد والاحترام.

وقال السير وود إن “الفوز” في أوكرانيا كقوة عظمى ليس في متناول روسيا. فعجز القوات المسلحة الروسية وقيادتها وعلى رأسها بوتين، وكذلك الالتزام الذي أظهرته أوكرانيا وحلفاؤها، يجعلان الانتصار الكامل غير محتمل. ولكن حتى إذا كان هذا التقييم مفرطا في التفاؤل، وأسفر القتال الحالي في دونباس عن “انتصار” روسي، فإن مغامرة بوتين المتهورة وغير المحسوبة ستكون في النهاية هزيمة دائمة.

واعتبر وود أن الأوكرانيين لا يمكن أن ينسوا أو يغفروا ما فعلته روسيا بالفعل، ناهيك عن العمل مع عملاء بوتين كجزء من روسيا جديدة أوسع نطاقا تخضع للحكم الذي تخضع له روسيا اليوم. ولا يمكن لروسيا بقيادة بوتين أن تدفع مالا مقابل إعادة إعمار أوكرانيا بعد الدمار الذي تسببت فيه. وسيكون لدى الدول المجاورة لأوكرانيا- ومن بينها تلك التي تعتبرها موسكو جزءا من المنطقة الأمنية لروسيا- معلومات واضحة عما حدث في أوكرانيا وعن وحشية وضعف القوات المسلحة الروسية.

وقال وود إن مأساة روسيا هي أن بوتين وحاشيته لن يغيروا ولا يستطيعون أن يغيروا حكمهم أو السياسات التي نتجت عنه. وعلى الأرجح سيكون رد فعل النظام على الكارثة التي تسبب فيها ، هو مضاعفة الجهود في الداخل، وفي حالة التعرض لهزيمة، سيبحث عن فرصة لاستئناف طموحاته الدولية كلما سنحت الفرصة لذلك، خاصة فيما يتعلق بأوكرانيا. ويبقى السؤال هو كيف سيفهم الشعب الروسي ما الذي فعله حكامه به وببلاده.إن أهداف بوتين تشكل إهانة لمنصبه ولشعبه ولمستقبلهما.

واختتم وود تقريره بالقول إن تلك القوى التي أصبحت تدرك طبيعة روسيا الحالية بقيادة بوتين، يجب ألا تتصور إنها ستقوم بضبط وتعديل أهدافها بمرور الوقت إذا تم كسب ودها بشكل ملائم، أو أن خليفة بوتين في نهاية الأمر سيكون إما نسخة كربونية منه أو شخص ربما يكون أسوأ. إن ما سيحدث في روسيا لاحقا، سيقابله الروس إما بالترحيب أو بالندم، وبقية العالم ربما يمكن أن يخمن ماذا ومتي ومن. ولكن لا أحد يمكن أن يؤسس سياسات مستقبلية على ما لا يستطيع معرفته الآن، كما فعل الكثيرون عندما احتفلوا بوصول بوتين إلى الكرملين في عام 2000 .

Exit mobile version