بقلم: جيمس زغبي
إلى جانب المعارك المتوقعة التي ستدور بين الحزبين «الجمهوري» و«الديمقراطي»، تتميز الانتخابات التمهيدية في الولايات المتحدة هذا العام بصراعات كبيرة داخل الحزبين. وفي الجانب «الجمهوري»، الصراعات الداخلية ليست أيديولوجية. ويخوض معظم «الجمهوريين»، فيما عدا استثناءات قليلة، السباق وفق قائمة الأولويات التي حملت دونالد ترامب إلى السلطة عام 2016.
وقائمة الأولويات هذه تركز على مجموعة من القضايا «الثقافية» تتمثل في الخوف من زيادة عدد مهاجري البلدان غير الأوروبية، وفرض قيود على الإجهاض، ورفض جهود تثقيف الشباب بشأن مسائل العدالة العرقية والمساواة بين الرجل والمرأة، ورفض مساعي إصلاح سلوك الشرطة، ورفض أي سيطرة على السلاح. ووضع «الجمهوريون» هذه القضايا الثقافية في إطار أنها مسائل تتعلق بالحرية الشخصية أو حماية القيم التقليدية.
وعلى هذا النحو، نجحوا في الاستفادة من السخط والشعور بالخسارة اللذين عانتهما شريحة واسعة من الطبقة المتوسطة، من متوسطي العمر غير الحاصلين على درجات جامعية ومعظمهم من الناخبين المسيحيين البيض الذين عانوا من عدم الاستقرار بسبب التحولات الشديدة في الاقتصاد والثقافة والتركيبة السكانية للولايات المتحدة. وباحتضانهم لهؤلاء، قدم «الجمهوريون» أنفسهم على أنهم حزب الطبقة الوسطى المنسية مقدمين وعدهم في عبارة ترامب التي تستهدف «جعل أميركا عظيمة مرة أخرى»، وهي العبارة التي فهمها أنصاره على أنها تعني إعادتنا إلى ماض مجيد متخيل.
صحيح أن هذا النهج قد نال دعم كثيرين من البيض في الطبقة الوسطى الذين يعانون صعوبات، لكن قائمة الأولويات «الجمهورية» الفعلية تمثلت في إطلاق العنان لسياسات خفض الضرائب على الأثرياء، وتعطيل اللوائح الحكومية التي تحمي الصحة والسلامة والبيئة، وتقليص الخدمات الاجتماعية وتعيين مسؤولين على أساس أيديولوجي وقضاة يدعمون هذه السياسات. لقد ولت أيام «الجمهوري» المعتدل. والرئيسان السابقان جورج بوش الأب والابن رفضا جاذبية ترامب الفجة. بل إن السيناتور ميت رومني، المرشح «الجمهوري» للرئاسة لعام 2012، لم يعد يشعر بالراحة في الحزب الذي كان يتزعمه ذات يوم.
وبعد أن أصبح مذهب ترامب يعد تعريفا للحزب «الجمهوري» اليوم، فالسؤال الوحيد المتبقي هو: هل مازال الرئيس السابق يقود الحركة التي ساعدها على تحقيق الانتصار في عام 2016؟ فهناك أشخاص يدعون حقهم في خلافة ترامب ومن بينهم، نائب الرئيس السابق لترامب مايك بنس، ووزير خارجيته مايك بومبيو، وسفيرته لدى الأمم المتحدة نيكي هيلي، وحاكم فلوريدا رون ديسانتيس.
وفي معظم القضايا، فيما عدا واحدة، يعتمد جميعهم على قاعدة دعم ترامب. فنجد أن ترامب نفسه ظل مصراً على تحقيقه الفوز في انتخابات عام 2020 لكن فوزه سرقه «الديمقراطيون» و«الجمهوريون» غير المخلصين، لكن الهوس بهذه القضية لم يتملك منافسوه السابقون، ولا سيما «بنس»، الذي مازال أتباع ترامب يلومونه على التصديق على نتيجة الانتخابات التي أقرت بفوز جوزيف بايدن.
وكان من الشيق مشاهدة الحيل البهلوانية التي مارسها المرشحون «الجمهوريون» في انتخابات التجديد النصفي لهذا العام، لضمان الحصول على تأييد ترامب، وأهم هذه الحيل هي الموافقة على أن «فوز» ترامب عام 2020 سرقه «الديمقراطيون». ومن ثم، لا تتعلق الانتخابات التمهيدية حتى الآن بسياسات مختلفة لأن جميعها متفق عليه إلى حد كبير. بل تتعلق بمن يستطيع التقرب بما يكفي من ترامب ليضمن الحصول على موافقته والتعهد بدعم هذا النوع من سياسات «الإصلاح» الانتخابية التي تمنح حكام الولايات «الجمهوريين» والهيئات التشريعية سلطة نقض إرادة الناخبين في الانتخابات المستقبلية. وحتى الآن، أبلى المرشحون الذين يدعمهم ترامب بلاء حسناً.
وفاز مرشحوه المختارون في سباقات مهمة، في أوهايو وبنسلفانيا ونورث كارولينا. وحصلوا على نحو ثلث الأصوات في المتوسط في سباقات تنافسية متعددة المرشحين، مما يدل على أن ترامب ما زال يتمتع بنفوذ سياسي كبير. وكل هذا ترك «الجمهوريين» التقليديين الأكثر اعتدالاً في مأزق. وترك بعضهم الحزب عام 2020. ويجد آخرون صعوبة في العثور على مكان جديد يحطون فيه رحالهم. و«الجمهوريون» في مجلسي الشيوخ والنواب ومعظم المرشحين لهذا العام يتبعون الآن خطى ترامب عن كثب، ويتعين علينا الانتظار حتى نرى مدى نجاعة هذه الصيغة للجمهوريين في تشرين الثاني ومدى قوة الرئيس السابق في صناديق الاقتراع على الدفع بمرشح ما للفوز بترشيح الحزب «الجمهوري»، إذا رشح ترامب نفسه مرة أخرى في عام 2024.