شكل استشهاد الزميلة الصحفية شيرين أبو عاقلة في جنين، اليوم الأربعاء، صدمة لدى الشارع الفلسطيني بشكل عام، ولجمهور الصحفيين الذين استيقظوا على صدمة انسانية ونفسية من الصعب تصديقها، خاصة وانها تتزامن مع الذكرى السنوية الاولى للحرب الأخيرة على غزة في مايو /أيار 2021 ،حين استشهد وأصيب خلالها عدد من الصحفيين الفلسطينيين من بينهم الصحفي الشهيد يوسف ابو حسين، ودمر خلالها 40 مؤسسة إعلامية وتدمير برج الجلاء ومقر الجزيرة بغزة ووكالة الصحافة الأمريكية.
ولم تكن الصحفية شيرين أبو عاقلة هي الأولى التي تسقط برصاص الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية، فقد سبقها العشرات من الشهداء الصحفيين الذين اغتالتهم إسرائيل لطمس الحقيقة وتغييب الرواية الفلسطينية ومنع صورة الجرائم اليومية التي ترتكبها دولة الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني.
واعتبرت مؤسسات حقوقية وصحفية استشهاد الصحفية شيرين أبو عاقلة، يشكل انتهاكا خطيرا وجريمة بشعة نفذتها قوات الاحتلال بشكل متعمد، وذلك بعد أيام من احتفال العالم باليوم العالمي لحرية الصحافة ما يشكل استهتارا إسرائيليا بكل المبادئ الأخلاقية والقيم والقوانين الدولية، وتأكيداً أنها ماضية في استهداف الصحفيين الفلسطينيين، ومصرة على طمس الحقيقية ومنع الكاميرا من نقل جرائمها.
وأعلنت وزارة الصحة الفلسطينية، في وقت سابق من اليوم الأربعاء، استشهاد الصحفية شيرين أبو عاقلة (51 عاما) برصاص جيش الاحتلال، وإصابة الصحفي علي السمودي برصاصة في الظهر ووضعه مستقر، خلال اقتحام قوات الاحتلال الإسرائيلي مدينة جنين ومخيمها.
شهود عيان
وأكد شهود عيان أن قوات الاحتلال أطلقت الرصاص الحي بشكل مباشر باتجاه الصحفية أبو عاقلة أثناء تغطيتها للأحداث في مخيم جنين، مؤكدين أنها كانت ترتدي الزي الخاص بالصحافة وخوذة رأس، لكن هذه الإجراءات لم تمنع القناص الإسرائيلي من إطلاق الرصاص عليها.
وقال الصحفي علي سمودي الذي أصيب أيضا، إنه كان يتواجد برفقة الزميلة أبو عاقلة ومجموعة من الصحفيين في محيط مدارس وكالة الغوث قرب مخيم جنين، وكان الجميع يرتدي الخوذ والزي الخاص بالصحفيين.
وأضاف أن قوات الاحتلال استهدفت الصحفيين بشكل مباشر، ما أدى إلى إصابته برصاصة في ظهرة، واستشهاد زميلته أبو عاقلة بعد إصابتها برصاصة في الرأس.
وأكد السمودي أن المكان الذي كان يتواجد فيه الصحفيون مكشوفا وواضحا لجنود الاحتلال، وأنه لم يكن في المنطقة أى مواجهات أو مسلحين، وأن ما جرى هو استهدافهم جرى بشكل مباشر ومتعمد.
55 شهيداً صحفياً منذ 2000
وقال نقيب الصحفيين الفلسطينيين ناصر أبو بكر، إن اغتيال الصحفية شيرين أبو عاقلة، جريمة بشعة نكراء ترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلي وهي مجزرة بحق كل الصحفيين الفلسطينيين. مشدداً على أن هذه الجريمة تعد مجزرة بحق كافة الصحفيين الفلسطينيين بهدف منعهم من نقل الحقيقية وكشف جرائم الاحتلال للعالم الخارجي.
وأضاف في بيان صحفي “قوات الاحتلال ارتكبت هذه الجريمة بقرار رسمي كما ارتكبت كل جرائمها بقرار رسمي ضد الصحفيين الفلسطينيين”. مشيراً انه باستشهادها يرتفع عدد شهداء الحركة الصحفية إلى 55 شهيدا من العام 2000.
وتابع “نحن نؤكد أننا ماضون بقضايانا لمحكمة الجنايات الدولية التي قدمناها في الـ27 بشهر نيسان الماضي في مكتب النائب العام بالمحكمة الجنائية الدولية، وسيأتي اليوم القريب الذي يحاكم فيه الاحتلال الإسرائيلي على جرائمه بحق الصحفيين الفلسطينيين”.
وقال المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان: “رصدنا خلال العام الأخير 150 اعتداءً على الصحفيين والطواقم الإعلامية العاملة في الأرض الفلسطينية المحتلة من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي.
وأوضح المركز الحقوقي ان الاعتداءات شملت، جرائم إطلاق نار، أدت في إحداها إلى قتل صحفي، وإصابة 40 آخرين؛ واعتداءات جسدية، بما في ذلك الضرب والدفع، وبلغت 35 حالة؛ و28 حالة احتجاز واعتقال صحفيين؛ وتدمير 23 مكتبا صحفيا جراء القصف؛ و20 حالة إبعاد ومنع من التغطية الصحفية.
شيرين أبو عاقلة أيقونة إعلامية
وتعد شيرين أبو عاقلة واحدة من الوجوه الإعلامية المتميزة والتي تحظى باحترام وتقدير الشعب الفلسطيني بكافة قواه السياسية والشعبية نظرا لتميزها في نقل الأخبار والانتهاكات الجسيمة التي ترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية وخاصة أنها قامت بتغطية الأحداث على مدار 17 عاما في الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة.
وتنحدر أصول شيرين نصري أبو عاقلة (51 عاما) التي تحمل الجنسية الأمريكية، من مدينة بيت لحم لكنها ولدت وترعرعت في مدينة القدس المحتلة، وهي من مواليد عام 1971، وعملت في عدة وسائل إعلامية عربية وفلسطينية قبل أن تستقر في العمل بقناة الجزيرة الفضائية.
وقبل عملها في الصحافة درست الهندسة المعمارية في جامعة العلوم والتكنولوجيا في الأردن، ثم انتقلت إلى تخصص الصحافة المكتوبة، وحصلت على درجة البكالوريوس من جامعة اليرموك في الأردن.
عادت بعد التخرج إلى فلسطين وعملت في عدة مواقع مثل وكالة الأونروا، وإذاعة صوت فلسطين، وقناة عمان الفضائية، ثم مؤسسة مفتاح، وإذاعة مونت كارلو ولاحقًا انتقلت للعمل في عام 1997 مع قناة الجزيرة الفضائية وما زالت حتى الآن.
جريمة إعدام مدبرة
وحملت نقابة الصحفيين الفلسطينيين، الاحتلال الإسرائيلي المسؤولية الكاملة عن جريمة الإعدام البشعة بحق الصحفية شيرين أبو عاقلة في الوقت الذي يحيي به العالم اليوم العالمي لحرية الصحافة.
وأكدت نقابة الصحفيين، أن جريمة الاحتلال التي استهدفت أبو عاقلة هو عمل مقصود ومدبر وعملية اغتيال حقيقة كاملة الأركان، تتطلب تحركا واضحا لحماية الزملاء الصحفيين من استمرار التحريض والقتل التي يمارسها الاحتلال الإسرائيلي وكل مكونات الاحتلال.
وأكدت أنها ماضية في إجراءاتها في ملاحقة قادة الاحتلال على جريمة الاغتيال أمام المحاكم الدولية ومحكمة الجنايات الدولية مطالبة المنظمات الدولية والأمم المتحدة بوقفة جادة تجاه هذه الجريمة البشعة .
وقالت نقابة الصحفيين أن هذه الجريمة التي تأتي في الذكرى الأولي لتدمير أكثر من 40 مؤسسة إعلامية واستشهاد الزميل يوسف أبو حسين وتدمير برج الجلاء ومقر الجزيرة بغزة ووكالة الصحافة الأمريكية هو دليل واضح على استمرار الاحتلال في جرائمه.
محاكمة الاحتلال
ودعت شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية، إلى ضرورة تضافر كافة الجهود من أجل محاكمة دولة الاحتلال على جرائمها بحق الصحفيين الفلسطينيين، مشددةً أن استشهاد الصحفية شيرين أبو عاقلة، لحظة فاصلة لمحاكمة الاحتلال وحماية الصحفيين.
وقالت الشبكة في بيان لها ” لم يكن استشهاد الإعلامية شيرين أبو عاقلة مراسلة قناة الجزيرة التي كانت تقوم بعملها المهني الصحفي في تغطية اقتحام الاحتلال لمخيم جنين فجر اليوم، واستهدافها بالرصاص الحي وإصابتها إصابة مباشرة في الرأس، وإصابة زميلها علي السمودي، الحدث الأول أو حادثا استثنائيا بل هو جريمة يومية تقترفها دولة الاحتلال بشكل متعمد ومقصود بهدف حجب الرواية ومنع نقل الحقيقة للعالم”.
وأضافت “إن هذه الجريمة النكراء يجب ان تمثل لحظة فاصلة على مستوى المؤسسات الحقوقية الدولية، والاتحاد الدولي للصحفيين، والمؤسسات المحبة للعدل والسلام، من أجل العمل على محاكمة دولة الاحتلال ومحاسبتها على جرائمها، والعمل على توفير الحماية للإعلاميين والصحفيين العاملين في الأراضي الفلسطينية، ورفع الغطاء عن دولة الاحتلال في ظل استهتارها بكل القوانين الدولية وإمعانها في مسلسل اعتداءاتها المتواصلة بحق الشعب الفلسطيني، ومنظومة القوانين الدولية برمتها.
التغطية مستمرة
ونعت لجنة دعم الصحفيين إلى الأسرة الصحفية وإلى الأمة العربية الزميلة الصحفية شيرين أبو عاقلة، خلال تغطيتها اقتحامات الاحتلال لمخيم جنين.
وقالت اللجنة “إن هذا الاستهداف الجبان لن يخرس صوت فلسطين وصوت الحقيقة وستستمر التغطية بكل مهنية ومسؤولية والانحياز لقضايا الحق والحرية والحقوق الفلسطينية”.
وشددت اللجنة أن هذه الجرائم لن تنال من إرادة وعزيمة الصحفيين رغم هذا العدوان الواسع الشرس الذي استهدف منذ بداية العام الحالي اكثر من 66 صحفياً تنوعت إصاباتهم بالرصاص الحي والمطاط وقنابل الغاز السام في محاولة لاغتيال الحقيقة.
إدانة دولية
وأعربت بعثة الاتحاد الأوروبي في فلسطين عن صدمتها من استشهاد مراسلة الجزيرة الصحفية شيرين أبو عاقلة، خلال تغطيتها اقتحام قوات الاحتلال الإسرائيلية لمدينة ومخيم جنين.
وعزت البعثة أسرة أبو عاقلة، ودعت إلى إجراء تحقيق سريع ومستقل لتقديم الجناة إلى العدالة، مؤكدة ضرورة ضمان سلامة وحماية الصحفيين.
وقال مبعوث الأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط، تور وينيسلاند، في تغريدة “أدعو لإجراء تحقيق فوري وشامل في مقتل الصحفية شيرين أبو عاقلة ومحاسبة المسؤولين”.
وقالت منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في فلسطين إنه “يجب إجراء تحقيقات فورية في قتل الصحافية شيرين أبو عاقلة”.
وقال السفير الأمربكي لدى إسرائيل في تغريدة له على “تويتر” أنني “حزين لمقتل الصحافية الأمربكية والفلسطينية شيرين أبو عاقلة وندعو لتحقيق معمق في ملابسات مقتلها وإصابة صحفي آخر في جنين”.
الجنايات الدولية
وأكد المستشار السياسي لوزير الخارجية السفير الديك، أن الوزارة ستتابع بالتنسيق مع نقابة الصحفيين والمنظمات الحقوقية والانسانية المختصة هذه الجريمة البشعة، تمهيدا لرفعها للمحكمة الجنائية الدولية، والمحاكم الوطنية المختصة، وصولا الى ملاحقة ومحاسبة ومحاكمة مجرمي الحرب الاسرائيليين، كما ستتابعها مع الأمين العام للأمم المتحدة والهيئات والمجالس الدولية بما فيها مجلس حقوق الإنسان.
عمّمت الوزارة على سفارات دولة فلسطين ضرورة التحرك الفوري تجاه وزارات الخارجية ومراكز صنع القرار والرأي العام والإعلام ووسائله المختلفة في الدول المضيفة، من أجل فضح جريمة إعدام مراسلة قناة “الجزيـرة” الصحفية شيرين أبو عاقلة، وإطلاق النار بشكل مباشر على الصحفيين.
كما طالبت الدول والاطراف الأممية والدولية كافة بإدانة هذه الجريمة بشكل صريح وواضح، وحشد أوسع تدخل دولي لتوفير الحماية لشعبنا وللصحفيين الذين يعملون على نقل حقيقة معاناة شعبنا جراء الاحتلال والاستيطان.
واعتبرت وزارة الخارجية، أن هذه الجريمة المركبة امتداد لجرائم الإعدامات الميدانية المتواصلة ضد ابناء الشعب وضد الصحفيين بشكل خاص في محاولة إسرائيلية ممنهجة لاسكات صوت الحقيقة وللتغطية على جرائم الاحتلال ومستوطنيه، وهي ترجمة لتعليمات المستوى السياسي في دولة الاحتلال التي حولت جنوده الى مجرد آلات متحركة لقتل الفلسطينيين واستباحة حياتهم وأرضهم وممتلكاتهم ومقدساتهم.
وحملت الوزارة رئيس الوزراء الإسرائيلي المتطرف بينت المسؤولية الكاملة والمباشرة عن هذه الجريمة البشعة، وتعتبر أن الشهيدة ابو عاقلة هي ضحية مباشرة لارهاب دولة الإحتلال المنظم التي تتصرف بعقلية العصابات الصهيونية، وهي ضحية ازدواجية المعايير الدولية والصمت المريب للجنائية الدولية.