ذات يوم، قبل سنوات، كنت مع صديق نتجول في منطقة الأغوار الشمالية، وعدنا صعوداً من منطقة فصايل المشهورة بمقبرة الأرقام من الشهداء، ومع صعودنا نحو طريق نابلس تساقطت الأمطار، وعند أحد المنحنيات أمامي برزت سيارة إسرائيلية تترنح وكأن سائقها فقد السيطرة عليها لإنزلاقه بفعل المطر، فركنت السيارة بسرعة على يمين الطريق ونزلت وصديقي مسرعين لأنني توقعت أن تصطدم بنا.
وبالفعل ظلت السيارة تترنح يمنة ويساراً ثم استدارت إلى أعلى بعد أن سقطت في خندق وارتطمت بالجبل فصارت مقدمتها إلى أعلى. نظرت فرأيت سرير عربة رضيع إلى جانب السائق فتوجهت مسرعاً للإنقاذ فوجدت العربة فارغة ونظرت، فإذ بالسائق امرأة شقراء نحيفة كانت قي حالة صدمة، أشرت إليها أن تخرج من جهتها وكانت في حالة رعب واستطاعت فتح الباب رغم أنه ملتصق بجدار الجبل ونزلت تترنح هي الأخرى وتتحدث بلغة لم أفهمها لكنها لم تكن مصابة.
هنا سألتها بالإنجليزية، فأشارت أنها لا تعرفها وتحدثت بالعبرية التي لا أفهمها شخصيا وأشرت إلى جهاز الموبايل لكي تطلب النجدة فأخرجت حقيبة يدها من السيارة وصارت تطلب الرقم ثم تعيده أكثر من مرة لأنها تخطيء فيه بفعل الصدمة وأخذت تثرثر بالعبرية وبلغة أخرى لا أعرفها، فقلت لصديقي أنا لا أعرف العبرية بل أكرهها لأني أسمعها في السجن وعند الحواجز لذا يرفضها عقلي وطلبت منه أن يتصل بأحد يعرفها فأتصل بقريب له وطلبنا منه الاستفسار من المرأة وأعطيناها الجهاز، وبعدها قال صاحبنا أنها تريدكم أن تبقوا معها حتى تأتيها النجدة من زوجها.
بالطبع كانت ظاهرة الدهس منتشرة في تلك الفترة خاصة في القدس وغيرها، فخشيت أن نتهم بأننا من تسببنا بالحادث، فأنتظرنا قليلا وإذا بسيارة شرطة قادمة من الأسفل فأشرت اليها ثم الى المرأة فنزل رجال الشرطة مسرعين وبعد أن تحدثوا معها سألت الضابط هل يمكن أن نمشي فأشار بنعم!.
قبل شهرين توجهت منفردا أستمتع بشتاء الأغوار، وقبل المنطقة التي انزلقت فيها سيارة المستوطنة لاحظت دخانا ورائحة احتراق من سيارة بعد التي أمامي، حاولت التجاوز لكن سيارة مستوطن كانت أمامي فلم أفلح لأن الطريق ضيق ولما خرجنا نحو منحدر واسع انطلقت سيارة المستوطن بسرعة وإذ بي خلف سيارة عربية والدخان ينبعث من إطارها الخلفي على اليمين وتجاوزتها وتوقفت ونزلت مسرعا فتوقفت السيارة ورأيت الدخان والاحتراق فنزلوا غير مصدقين.
كان المستوطن يرى أن السيارة العربية أمامه تحترق لكنه لم يحذر ركابها بل تجاوزهم ومضى مسرعا.
فالمرأة مستوطنة تتحدث الروسية أو الأوكرانية، لا أعرف، لكنها مستوطنة لأن هناك مئات الألاف مثلها هاجروا في التسعينيات ومنهم اليهودي ومنهم غير اليهودي لكنهم ساهموا في الاستيطان والقتل.
وقد جرى عبر العقود الثلاثة الماضية تهويد أو تجنيد أغلبهم، لكن بقي الآن نصف مليون غير يهود، أي ظلوا مسيحيين روس وأوكران. وكان عضو الكنيست الإسرائيلي افرايم هاليفي، قال قبل أيام إن هؤلاء مشكلة لإسرائيل ويجب التخلص منهم لاستيعاب 100 ألف يهودي أوكراني جديد.
الآن باتوا مشكلة مع أنهم كانوا حلا من قبل، فمنهم من خدم في الجيش الاحتلالي وسفك دمنا دون مبرر.
وأذكر هنا حادث جرى إبان الانتفاضة الثانية حيث كان جند الاحتلال يغلقون الطرق أمام السيارات ويجبرون المارة على المشي عبر الحواجز، وكنت أحدهم عند حاجز شمال بيرزيت ووجدت الناس ممنوعين من المرور مشياً، وكان هناك جنود شُقر يأمرون طالبات من جامعة بيرزيت بالجلوس على الأرض، وكان الوقت ظهرا في رمضان فتقدمت لأرى ما يحدث وصرخت على الجالسين: قوموا لا تردوا عليهم وبالفعل قام البعض وبعد دقيقة جذبني أحد الشبان من الخلف وهمس في أذني إرجع لا تتقدم ،فقد درست في روسيا وأفهم اللغة وسمعت جنديا يقول لآخر: لماذا يصرخ هذا، دعنا نقتله برصاصة ونرمي سكينا إلى جانبه.
فهمت الرسالة، فوقفت في منتصف الجمع ثم فتحت الطريق.
أمثال هؤلاء القتلة هم الذين الذين يتباكى عليهم العالم أما نحن فلم يبكنا أحد.