بقلم: غال بيرغر
ألم تضع دولة إسرائيل اليوم كل بيضها في سلة واحدة؟ قبل بضع سنوات، في مكان ما حوالي 2016-2017، ناقشت مع مسؤول إسرائيلي كبير مسألة الخلافة في الساحة الفلسطينية: من سيحل محل أبو مازن.
طرحت عدة خيارات في بورصة الأسماء ، من جانبه ذكر اسما واحدا بثقة تامة: حسين الشيخ. كان ذلك مفاجأة بالنسبة لي ، على العكس من اليوم، لم يكن الشيخ آنذاك الرجل الأكثر نجومية في المقاطعة في رام الله. كان واحدًا آخر من عدة اشخاص.
بالتأكيد ليس المرشح الرئيسي لخلافة الرئيس، على الأقل ليس من وجهة نظري في ترتيب المرشحين. قال لي ذلك المسؤول الاسرائيلي الكبير في حينه “تذكر ما قلته لك ” ،والذي تحدث عن نفسه بصيغة الغائب.
مرت السنين وبدأت النبوءة تتحقق. قد لا يكون حسين الشيخ هو الخليفة، لكن نجمه يسطع منذ ذلك الحين بقوة. بدأت انطلاقته بعد تعافي صائب عريقات في عام 2017 من وعكة صحية المت به. حتى ذلك الوقت، كان أبو مازن حريصًا على اصطحاب شخصين بشكل دائم معه في رحلاته إلى الخارج: عريقات، الذي كان مسؤولا عن ملف المفاوضات مع اسرائيل (حتى بدون مفاوضات) وماجد فرج، رئيس المخابرات الفلسطينية الذي يعتبر احد اهم المقربين من أبو مازن.
وهو مبعوث خاص للمهام السرية. وعريقات، الصندوق الأسود مع اللغة الإنجليزية الممتازة، والعارف بكل تفاصيل المفاوضات مع اسرائيل، على مدى أجيال.
في ذلك الوقت (قبل 6 سنوات فقط) لم يكن حسين الشيخ رقم 3 أو 4 ، ولم يكن مؤكدا انه حتى 5 او 6 .
كان منصبه الرسمي، آنذاك والآن الوزير المسؤول عن التنسيق بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية.
شخص ارتبط على مر السنين بجبال من القصص الخيالية او الحقيقية حول الفساد الشخصي والأخلاقي ، والتي في حال اعادة تردادها وبحزم قد تؤدي الى تهديد كاتب هذه السطور بتقديم شكوى بحقه بتهمة التشهير. ليس لدي أي دليل على بحر المزاعم التي سمعتها طوال سنوات في هذا الصدد ، من كلا الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي. ربما ياتي يوم يقوم فيه اولئك الذين يمتنعون عن الوقوف امام الكاميرات علنا اليوم ويتحدثون عن افعاله المزعومة ، ويفتحون قلوبهم .
حتى ذلك الوقت نضع هذا جانبا. عندما مرض عريقات وزرعت له رئتين جديدتين في الولايات المتحدة واستبدلت أجندته المزدحمة باللقاءات السياسية والمؤتمرات الصحفية بالعلاج في المستشفى، بدأ صعود نجم حسين الشيخ . بدأ ابو مازن في اصطحابه في رحلاته إلى الخارج ، إلى جانب ماجد فرج رئيس المخابرات .بدأ القرب من الرئيس يفعل فعله. حقيقة أنه شغل منصبا رئيسا باعتباره حلقة الاتصال مع إسرائيل، ساعده كثيرا على الصعود إلى أعلى. اقترب أكثر وأكثر من الرئيس حتى اصبح الرجل رقم 2 بعد أبو مازن وان لم يكن ذلك رسميا.
توفي عريقات في نهايات العام 2020 بعد أن أصيب بالكورونا، حل محله حسين الشيخ بل وتجاوزه. اليوم حسين الشيخ هو الرجل الذي يحج إليه المجتمع الدولي. اسرائيل تريد تعزيز مكانته. كبار المسؤولين في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية وليس هم فقط راضون عن الرجل الذي يمكن التعامل معه،حتى أنه طغى في العام الأخير على ماجد فرج . في اللقاءات الأخيرة التي أجراها في القاهرة : في أحد المرات مع ماجد فرج ومرة أخرى مع ابو مازن وماجد ، الصور تتحدث عن نفسها . عندما يكون ابو مازن في الغرفة يتم تصوير حسين الشيخ يكون الشخص الأول إلذي يجلس إلى جوار ابو مازن وليس ماجد ، وعندنا لا يكون ابو مازن في الغرفة يكون هو وماجد جالسون وحدهم مع المخابرات المصرية والأردنية، لا تخطا العين من هو الزعيم الفلسطيني في الغرفة ، ذلك الذي يجلس في المقدمة ، أنه حسين الشيخ . شاهدنا في السنوات السابقة كيف أن الشيخ وهو واحد من 18 عضو في اللجنة المركزية لحركة فتح يقوم ببناء نفسه بالتدريج . هذا ليس فقط حساب التويتر الخاص به الذي يقوم بتشغيله هو ومكتبه بالعربية والإنجليزية والذي حوله إلى نوع من المتحدث الرسمي الايقوني للسلطة الفلسطينية الذي ينفي ويؤكد تقريبا اي أخبار تتعلق بالسلطة . يدور الحديث عن عدد لا حصر له من اللقاءات مع مسؤولين دوليين وعربا كبار ، بالإضافة إلى الإيجازات التي بدأ يقدمها للصحافة بعد اجتماعات ابو مازن مع الضيوف المهمين جدا في المقاطعة ،واللقاءات المتكررة مع شخصيات اسرائيلية رفيعة المستوى -بينما ابو مازن في الغرفة أو لم يكن . كما التقى في السابق مع ليبرمان عندما كان وزيرا للدفاع في حكومة نتنياهو ، وهنالك من يقول إنه التقى في حينه سرا بوزير الخارجية السابق جابي اشكنازي، وفي رام الله يزعمون أن لقاءه مؤخرا مع وزير الخارجية لبيد في منزله شمال تل أبيب لم يكن الاول. ( لكنه الاول منذ تولى لبيد وزارة الخارجية ).
كان هو الشخصية المحركة خلف اللقاءات الأخيرة بين وزير الدفاع جانتز ورئيس السلطة ابو مازن : تلك التي أجريت في منزل ابو مازن في أب الماضي وتلك التي جرت في منزل جانتز في راس العين في كانون الاول. هذه اللقاءات التي نسقها من الجانب الإسرائيلي منسق أنشطة الحكومة في المنطق الفريق غسان عليان. اما اللقاءات التي جرت بينه وبين يائير لابيد فلا يعرف من قام بتنظيمها.
وصل الشيخ إلى لبيد وحده بدون ابو مازن وبدون غسان عليان. حدث هذا بعد عدة أسابيع على على لقاء مماثل عقده لبيد مع رئيس المخابرات العامة الفلسطينية ماجد فرج، بشكل منفصل أيضا. ليس كل الأشخاص في اسرائيل يموتون من أجل هذه اللقاءات التي نظمها لبيد لنفسه مع الشخصيات الفلسطينية رفيعة المستوى وبشكل منفصل. ليس واضحا أن كان لبيد يريد أن يلعب في الساحة الفلسطينية أو أنه وقع فريسة لمحاولة فلسطينية للعب في الملعب الإسرائيلي، في الائتلاف المعقد الراهن .
تقوية حسين الشيخ ام تقوية السلطة
عند التفحص المتعمق لنتائج الاجتماع بين ابو مازن وجانتز في اب وكانون اول الماضي بحضور ماجد فرج وحسين الشيخ من الصعب التمييز بين اذا كانت اسرائيل من خلال بوادر حسن النية والخطوات التي قدمتها تريد تعزيز مكانة السلطة الفلسطينية ام تعزيز مكانة حسين الشيخ نفسه بطريقة مباشرة أو غير مباشرة .
منح جانتز السلطة عشرات بطاقات الشخصيات المهمة للسلطة VIP بالإضافة إلى عشرات التصاريح BMC لرجال الأعمال الفلسطينيين الكبار – وهي البطاقة التي تمنح حامله امتيازات متنوعة . في إطار بوادر حسن النية حصل عدد من رجال الأعمال على تصاريح خاصة للدخول إلى إسرائيل بسياراتهم . ربما انكم صادفتم أحدهم عندما ترون سيارة تحمل لوحة ترخيص فلسطينية في مكان ما على الطرق في اسرائيل .
مكتب حسين الشيخ في رام الله هو المسؤول عن توزيع بطاقات BMC لرجال الأعمال الفلسطينيين .وهو يختارهم واحدا واحدا . وهو يختار اي منهم سيحصل على تصريح للدخول إلى إسرائيل بسيارته . هؤلاء الاشخاص يحتاجون هذه البطاقات للتحرك والقيام بأعمال تجارية مع السوق الإسرائيلي . بصفته شخصا قريبا من ابو مازن ويهمس في أذنه يمكن الافتراض أن له تأثيرا كبيرا على اي من بين المسؤولين الفلسطينيين والموالين له سيحصل على بطاقة VIP من اسرائيل . هذه قوة هائلة تحت تصرفه . وفقا الادعاءات التي تسمع على مدار سنوات طويلة لم يتم استخدام هذه القوة دائما على النحو المناسب . أيضا في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية يسمعون عن ذلك ، ويخبرون محاوريهم بذلك ويغضون الطرف عن ذلك . وزعم مسؤول إسرائيلي كبير ومطلع على مجريات الأحداث في الساحة الفلسطينية امامي ” عندما تسمع ذلك من شخص او اثنين يمكنك أن تقول إن ذلك شائعة لكن عندنا تسمعها من مئات أو آلاف الأشخاص طوال سنوات لا يمكن أن يكون ذلك بهدف الإرشاد ” .
بادرة حسن نية أخرى منحها جانتز هدفت إلى تعزيز مكانة السلطة الفلسطينية ، تتعلق بالموافقة الإسرائيلية على تغيير عناوين آلاف الفلسطينيين لأول مرة الذي انتقلوا للسكن في الضفة من قطاع غزة ، أو دخلوا قطاع غزة ولم يحصلوا على بطاقة هوية فلسطينية – وهي البطاقة التي يحتاج إصدارها موافقة اسرائيلية . أيضا في هذه النقطة يدور الحديث عن لفتة تعزز مكانة حسين الشيخ . قبل بضعة أشهر من اللفتة تظاهرت مئات العائلات الفلسطينية خارج مكتبه مطالبة بأن يمارس الضغط على إسرائيل للموافقة على تغيير العنوان في بطاقة الهوية . دون تغيير العنوان ، انت من دون هوية ، لا تستطيع السفر الى الخارج أو تلقي العلاج الطبي في اسرائيل . لقد عاشوا في خوف دائم من أن يتم اعتقالهم على أحد حواجز الجيش الإسرائيلي وترحيلهم إلى غزة أو الاردن فقط لأن اسرائيل لم تعترف بوجودهم الذي امتد لسنوات طويلة في الضفة . عاد حسين الشيخ من الاجتماعات مع جانتز بمهر جيد : آلاف الفلسطينيين الذي عاشوا حتى تلك اللحظة اشباحا في الخليل ، رام الله ،نابلس وجنين أصبحوا مواطنين فلسطينيين شأنهم شأن البقية .
هل تقوم اسرائيل بصناعة بشير جميل جديد ؟
يقولون اليوم أن حسين الشيخ وماجد فرج هم من يتحكم بكل ما يخرج ويدخل إلى مكتب ابو مازن في المقاطعة . وفق نفس هؤلاء الرواة هم من يقرر في حالات كثيرة اذا كان شخصا معينا قادرا على الوصول الى ابو مازن ام لا. وليس فقط مديرة مكتبه انتصار ابو عماره . هم يحافظون عليه وهو في المقابل يحافظ عليهم
يعتبر ماجد فرج مقربا من الأمريكيين تحديدا من CIA الذي تربطه بهم علاقة طوال الوقت . حسين الشيخ الذي يتكلم العبرية بطلاقة أكثر من ماجد ، هو رجل الاتصال مع الإسرائيليين . ينظر إليه باعتباره قادرا على تحريك الاشياء ويغلق الاطراف واحيانا يحرص ايضا على لفت انتباه ابو مازن للمخاوف الإسرائيلية – على سبيل المثال المخاوف من تدهور الأوضاع الأمنية . اذا قمنا بالاقتباس عن مسؤول اسرائيلي كبير في محادثات مغلقة في الآونة الأخيرة : من المهم بالنسبة لنا تقوية مسار ابو مازن قبل كل شيء ، لكن أيضا الجوار المقرب منه ” . من وجهة نظر عدد من المسؤولين الإسرائيليين الكبار حسين الشيخ هو رجلنا في المقاطعة . في الجمهور الفلسطيني والقيادة الفلسطينية ، اكتسب حسين الشيخ عددا كبيرا من الخصوم على مر السنين . وكما قال لي قيادي بارز في فتح سابقا ” الهواء الذي يتنفسه حسين الشيخ وماجد فرج هو ابو مازن ، في اليوم الذي لا يكون فيه ابو مازن هناك – هذا الاكسجين سينتهي ” .عدد ليس قليل من الأشخاص ينتظرون تلك اللحظة ، بما في ذلك في قيادة فتح . في الأيام الأخيرة اتيحت لي الفرصة للتحدث مع عدد من الزملاء في الجانب الفلسطيني . ” أغلبهم لا يمكنهم تصور أن يكون حسين الشيخ هو خليفة ابو مازن ” قال لي احدهم واضاف ” لديه الكثير من الكارهين وسمعته في الشارع سيئة ” . و قال لي أحدهم بصوت خافت ” الإعلام الإسرائيلي لن يعين الرئيس القادم ” . تأتي هذه الأقوال وسط تقارير إعلامية إسرائيلية تفيد بأن حسين الشيخ نجح في وضع نفسه في موقع اقلاع افضل من بقية المرشحين الفلسطينيين الآخرين لخلافة ابو مازن ، بعد أن قرر ابو مازن تعيينه عضوا في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير في اجتماع المجلس المركزي الفلسطيني المتوقع انعقاده اليوم الاحد في رام الله . ومن غير المستبعد أن يحصل على الموقع المهم جدا أمين سر اللجنة التنفيذية للمنظمة . كان من الأفضل أن تمارس إسرائيل ضبط النفس وتتجنب التدخل المباشر أو غير المباشر في لعبة الخلافة في الساحة الفلسطينية . تعزيز مكانة حسين الشيخ على سبيل المثال ، والرهان عليه وعليه فقط من قبل مسؤولين إسرائيليين قد يتبين أنها خطوة قصيرة النظر ويمكن أن تعود على إسرائيل كسهم مرتد . علاوة على ذلك أن الهدايا التي عاد بها من إسرائيل – VIP وBMC – من المشكوك به أنها تستطيع تعزيز مكانته ، وربما تنتج تأثيرا عكسيا يؤدي إلى إثارة الانتقادات عليه من داخل البيت وتضعفه . هناك من يعتقد أن احتكاكه المتزايد مع المسؤولين الإسرائيليين بالذات وصعوده المبكر إلى قيادة منظمة التحرير سيقصران خط حياته السياسية ، على العكس من الاعتقاد أنه تحسن فرصه كخليفة محتمل للرئيس . طبعا هناك من يرى الأمور على العكس من ذلك . بالمناسبة المصريون يدركون جيدا الخطأ في وضع كل البيضات في سلة واحدة وتحديدا في خضم صراع الخلافة تمهيدا لليوم الذي يلي ابو مازن . ليس من قبيل الصدفة قيامهم الاسبوع الماضي بدعوة المسؤول الكبير في فتح جبريل الرجوب لإجراء سلسلة من اللقاءات السياسية . هناك عدد آخر من الأشخاص في المعرض يطمحون إلى التاج ويريدون خلافة ابو مازن ، مثل محمد دحلان ، خصم ابو مازن ، الذي جرى أبعاده إلى الخليج مطلع العقد الماضي . ناهيك عن مروان البرغوثي المعتقل منذ عقدين في اسرائيل . هناك أيضا اسماء أقل شهرة في اسرائيل مثل روحي فتوح الذي من المتوقع أن يحصل على منصب رئيس المجلس الوطني الفلسطيني . بعد أن استقال سليم الزعنون الديناصور الذي ترأسه لمدة 25 عاما . هناك من يدعي أنه في ظل غياب البرلمان الذي قام ابو مازن بحله في 2018 وفي ظل عدم وجود آلية منظمة لانتقال السلطة قد يقع التاج في ظروف معينة على رأس فتوح ولو لفترة قصيرة من الوقت . خلاصة القول لا مفر من طرح السؤال : هل ينبغي على دولة إسرائيل أن تضع كل ثقلها على حسين الشيخ على سبيل المثال ؟ بمعنى أن تأخذ مسؤولا فلسطينيا كبيرا من داخل معرض كامل ، وتميزه وتضع عليه جميع رهانها . الا تراهن على الحصان الخطأ هذه الأيام ، حتى لو كان الحلم الوردي لعدد كبير من القادة الأمنيين الإسرائيليين من الأفضل لاسرائيل أن يخلف حسين الشيخ أو اي شخص آخر ابو مازن في يوم من الايام فقط لأنه اللاعب البارز الذي يتحدث بطريقة ابو مازنية ومن الممكن العمل معه .
السؤال هو ما إذا كانت إسرائيل التي تعرضت للحرق في الماضي تحاول مرة ثانية في العام 2022 انتاج بشير جميل جديد وهذه المرة في رام الله .