مع تزايد التهديدات الأمنية المحيطة بدولة الاحتلال، تتحدث أوساط عسكرية أن الجيش لم يعد قادرا على التصدي لها رغم ما لديه من إمكانيات عسكرية وموازنات مالية، على اعتبار ما حصل في عقيدته العسكرية من تغيير الإنجاز المطلوب منه “كسب الحرب” أمام الدول والقوى المعادية للاحتلال إلى الاكتفاء بـ”تحسين الواقع الأمني” لإسرائيل، وهذا انحراف خطير في قناعات الجيش، وفقا لبعض القراءات العسكرية الإسرائيلية.
ومناسبة الحديث الإسرائيلي “المتشائم” عن واقع الجيش الذي يعد من أقوى جيوش المنطقة، ما بات يتداوله كبار الضباط في المجالس المغلقة والكتابات الصحفية، وآخرها ما أعلنه رئيس أركان الجيش السابق غادي إيزنكوت من خلال المقابلة الصحفية التي نشرت مؤخرا على أجزاء، وذكر فيها أن “إسرائيل ليس لديها مفهوم أمني”.
آرييه إلداد الكاتب اليميني اعتبر في مقاله الذي نشرته صحيفة معاريف أن “اعتراف آيزنكوت هذا عيب كبير، رغم أننا أمام جنرال مخضرم، فقد قاد حرب لبنان الثانية من خلال عقيدة الضاحية، وركز هجومه على مركز عصب حزب الله في بيروت، وبدأ بناء الحاجز التحت الأرضي ضد أنفاق حماس في غزة، وقاد استراتيجية “المعركة بين الحروب”، وضرب الجيش تحت قيادته فيلق القدس الخاص بقاسم سليماني، ونفذ عملية الدرع الشمالي وأزال تهديد أنفاق حزب الله”.
وأضاف أنه “رغم كل هذا السجل العسكري، لكنه لا يمنح آيزنكوت الحق في الادعاء بأن إسرائيل ليس لديها مفهوم أمني، خاصة وهي تواجه تهديدا رئيسيا يتمثل بطموح إيران لتحقيق هيمنة إقليمية وأسلحة نووية، الأمر الذي يتطلب بالأساس وجود حاجة ماسة للتعامل مع التغيرات الداخلية في المجتمع الإسرائيلي، جنبًا إلى جنب مع النمو السكاني، والقوة الاقتصادية، وقدراتها العلمية والتكنولوجية، فضلا عن ظهور تصدعات مزعجة في ذات المجتمع، وهذه كلها مصادر قلق للغاية”.
لعل الخلاف القائم بين مدرستي الأمن الإسرائيلي ذلك الفرق بين إنجاز الحسم في المعركة، أو تحسين الوضع الأمني فقط، من أجل مواجهة التهديدات الماثلة أمام الدولة، رغم أن الهدف الثاني مخالف للتصور المعتمد استراتيجيا لدى الدوائر العسكرية الإسرائيلية الداعية للإطاحة بالعدو، أو احتلال أرضه، ولعل هذا الخلاف يعود بالأساس إلى حالة الضعف الرئيسي الذي يمر به الجيش الإسرائيلي في العقود الأخيرة.
في الوقت ذاته، فإن انخراط الجيش الإسرائيلي في العديد من الجولات القتالية خلال السنوات الأخيرة، لم يستطع خلالها تحصيل نتيجة أفضل من التعادل، حتى مع أولئك الأعداء الذين قد يعتبرون “ضعافا” من حيث العدة والعتاد، وفي النهاية لم يتم تحقيق الهزيمة ضده، ربما لأن الجيش الذي شن هجمات عنيفة، اكتفى بالقيام بسلسلة من الإجراءات الدفاعية فقط، ومنها إقامة جدار حديدي على شكل حاجز تحت الأرض في الجنوب مع غزة، وتدمير أنفاق هجومية في الشمال.
يستعيد الإسرائيليون النظرية الصهيونية المسماة “الجدار الحديدي” التي ظهرت عام 1923، ومؤداها أنه لن يكون هناك سلام مع العرب، حتى ييأسوا من قدرتهم على هزيمة المشروع الصهيوني، لكنه في حقيقة الأمر قد يوصل إسرائيل اليوم إلى واقع الدولة الواحدة، وهذه بنظر كثير من الإسرائيليين “كارثة”، وبديلها حل دولتين، بالانفصال عن الفلسطينيين، رغم أن هذا الحل أفلس عمليا على الأرض، وفي الوقت ذاته دليل على أن إسرائيل غير قادرة على هزيمة الفلسطينيين، مما سيدفعهم للتمكن ببطء من تآكل قدرة الإسرائيليين على الصمود