كشفت مصادر رفيعة المستوى لصحيفة “العربي الجديد”، اليوم الاثنين، ، أنه لم يكن هناك أي إجماع في اللجنة المركزية لحركة “فتح”، لترشيح عضوها حسين الشيخ، ليكون عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، فضلاً عن تجديد عضوية عزام الأحمد وانتخاب روحي فتوح لرئاسة المجلس الوطني.
وبينما أورد بيان اللجنة المركزية لـ”فتح” أن ذلك تم بالإجماع، قالت المصادر إنّ “هذه القرارات جاءت من الرئيس عباس مباشرة، ولم تخضع لأي تصويت أو إجماع أو انتخاب مباشر أو غير مباشر من أعضاء اللجنة المركزية”.
وأضافت المصادر أنه “كما جرت العادة من قبل الرئيس (عباس)، لم يخضع قرار ترشيح الشيخ لأي تصويت أو إجماع، إذ قال في اجتماع اللجنة المركزية الأخير: أنا برشح حسين الشيخ للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، مين ضد؟”.
وتابعت المصادر: “رد عضو مركزية فتح توفيق الطيراوي على الرئيس عباس قائلاً: السؤال مين مع؟ وليس مين ضد؟ مش هيك التصويت، ولكن من حقك أن ترجّح مرشح على آخر. لكن الرئيس عباس كان قراره جاهزاً”.
وبحسب المصادر، الأمر ذاته كرره عباس عندما قرر أن يكون عضو اللجنة المركزية لـ”فتح”، روحي فتوح (73 عاماً)، رئيساً للمجلس الوطني الفلسطيني، وتجديد بقاء عزام الأحمد في عضوية اللجنة لتنفيذية لمنظمة التحرير عن “فتح”، لينتهي اجتماع اللجنة المركزية للحركة ببيان يوم 18 يناير/كانون الثاني الحالي يؤكد الوصول إلى هذه القرارات بالإجماع.
ولفتت المصادر إلى أن “أعضاء مركزية فتح لا يريدون أي مواجهة مع الرئيس محمود عباس”. وقالت المصادر “كان خيار الرئيس في اجتماع اللجنة المركزية قبل الماضي للحركة، الذهاب إلى عقد المجلس المركزي الفلسطيني (كان مقرراً عقده في 20 يناير الحالي)، وهناك يتم الحسم حول مقعد حركة فتح في اللجنة التنفيذية”.
وتابعت “لو التزم عباس بما قاله، لما كان الشيخ لينجح أو يكون له حظ في المنصب الذي ناله (الذي يمنحه رئاسة دائرة المفاوضات في منظمة التحرير)، بسبب حساسية هذا المنصب الذي يعطيه نفوذاً وشرعية أكبر، ويجعله يقترب أكثر من منصب الرئيس”.
من جانبه، قال عضو اللجنة المركزية لحركة “فتح”، عباس زكي، في حديث مع “العربي الجديد”: “لا أحد يريد أن يزاحم على منصب دائرة المفاوضات خلفاً لعريقات، ومنذ وفاة الأخير والشيخ هو الذي يقوم بمهمة التفاوض مع إسرائيل وأميركا، وواضح أنه لا يوجد فينا أحد يريد هذه المهمة”.
وحول ما إذا كان الشيخ وفتوح قد تم الإجماع عليهما من قبل مركزية “فتح” أم أن قرار تعيينهما اتخذ من قبل عباس، قال زكي: “لا شيء يتم من غير رضا الرئيس، كيف ممكن أن نغضبه وعمره 86 سنة؟”.
وحول من سيكون أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير المقبل؛ حسين الشيخ أم عزام الأحمد، قال زكي: “راح يقعدوا عند أبو مازن وهناك سيتم الاتفاق، وأعتقد أن الأمور بتمشي لأنه ما في فصائل قوية مثل زمان تنتخب منصب أمانة السر، لذلك الأمور ستكون سلسة”.
ويعتبر منصب أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، هو “بيت القصيد” في المعركة الساخنة الصامتة لخلافة عباس. إذ ينظر لشاغل هذا المنصب على أنه المرشح المرتقب لرئاسة اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير وكذلك السلطة الفلسطينية.
وكان عباس يشغل منصب أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير في زمن الرئيس الراحل ياسر عرفات، لكن قبل ذلك الوقت ظلّ هذا المنصب يشغله مستقلون أو أعضاء أحزاب صغيرة في المنظمة.
من جهته، قال القيادي المفصول من اللجنة المركزية لحركة “فتح”، ناصر القدوة، في حديث مع “العربي الجديد: “ما نراه اليوم هو استمرار لما كانت عليه الأوضاع في الفترة السابقة”.
وأوضح “لا يوجد أي التزام بالعمل المؤسساتي من حيث التقيّد بالقانون واللوائح والأنظمة وتقاليد العمل، ولا يوجد تمسك بضرورة وجود التوافق الوطني، كطريق للعمل الوطني المشترك”.
وتابع القدوة أن “ما يجري في منظمة التحرير هو تعبير عن هذا الوضع بشكل واضح، وهو أيضاً ما يجري في فتح من عدم التمسك بالتوافق الداخلي”.
وكانت اللجنة المركزية لحركة “فتح” أصدرت قراراً بفصل القدوة، في مارس/آذار من العام الماضي، بسبب مواقفه “المعلنة المتجاوزة للنظام الداخلي للحركة وقراراتها والمس بوحدتها”، حسب القرار.
لكن هذا القرار لم تتم المصادقة عليه من المجلس الثوري لحركة فتح، حسب النظام الداخلي للحركة، ليصبح نافذاً، على الرغم من أن المجلس الثوري اجتمع أكثر من مرة منذ ذلك الحين.
ودعا القدوة في حديثه مع “العربي الجديد”، إلى مقاطعة المجلس المركزي المخطط عقده مطلع الشهر المقبل، وقال: “المجلس المركزي فاقد لأي شرعية، والنتائج المترتبة عليه لا شرعية لها”.
وتساءل “كيف يمكن تصوّر انتخاب رئاسة المجلس الوطني وأعضاء اللجنة التنفيذية، في غياب عقد المجلس الوطني؟ مضيفاً أن “فكرة أن المجلس الوطني فوّض المجلس المركزي مثال آخر على انتهاك القانون واللوائح”. وقال القدوة: “لا يمكن على الإطلاق لجسم كبير أن يلغي نفسه، ويفوّض كل صلاحياته لجسم صغير”.
يعتبر منصب أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير “بيت القصيد” في المعركة الساخنة الصامتة لخلافة عباس
وحسب المصادر التي تحدثت مع “العربي الجديد”، فإن “الوضع السيئ لحركة فتح، والتنافس الحاد بين بعض أعضاء مركزيتها، وقرب الشيخ من الرئيس عباس، وتحالفه مع رئيس جهاز المخابرات العامة ماجد فرج، وتفرده بملف هيئة الشؤون المدنية الفلسطينية مع الاحتلال الإسرائيلي على مدار 15 عاماً، والجهود التي بذلها لعودة الاتصالات مع الإدارة الأميركية الحالية، ونفوذه الخارجي، كلها عوامل اجتمعت ليصل الشيخ إلى اللجنة التنفيذية للمنظمة، مع ترجيح كبير أن يصل لاحقاً إلى أمانة سر اللجنة التنفيذية”.
ويتفرّد الشيخ (62 عاماً) بقيادة المفاوضات اليومية “مفاوضات يوم بيوم” مع الاحتلال الإسرائيلي، بصفته رئيساً للشؤون المدنية الفلسطينية ورئيس لجنة التنسيق المدنية العليا منذ عام 2007.
وتعتبر هذه اللجنة بحسب موقعها الإلكتروني “حلقة الوصل بين السلطة الوطنية الفلسطينية وكافة مؤسسات السلطة المدنية مع الطرف الآخر”؛ أي الاحتلال الإسرائيلي بما يشمل التسهيلات والمعابر والتصاريح وسجل السكان، ودخول البضائع والأشخاص.
وتدرّج الشيخ في المناصب التنظيمية في حركة فتح على مدى سنوات، وهو أسير محرر أمضى 11 عاماً في معتقلات الاحتلال، ويتقن اللغة العبرية.
ومنذ وفاة أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير صائب عريقات في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، تولى الشيخ مهامه جميعها، من لقاء السفراء والقناصل، إلى تولي الاتصالات مع الإدارة الأميركية ولقاء المسؤولين الأميركيين جنباً إلى جنب مع رئيس جهاز المخابرات ماجد فرج.
وحسب مصادر “العربي الجديد”، فقد أوصى المسؤولون الروس، مثل وزير الخارجية سيرغي لافروف، بالشيخ لدى عباس قبل نحو عام، لتولي منصب عريقات.
وهو ما يفسّر تلقي الشيخ أول تهنئة له بمنصبه الجديد في 21 من الشهر الحالي، من الممثل الخاص لرئيس روسيا الاتحادية للشرق الأوسط وأفريقيا، نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف، في اتصال هاتفي. وقد تم نشر الخبر على صفحة الهيئة العامة للشؤون المدنية.
وفيما يبدو أن عباس يرتّب أمور خلافته عبر اختيار الشيخ للجنة التنفيذية، لكن الوجه الآخر لترتيباته يعني ترحيل الأزمات وتعميقها داخل البيت الفتحاوي بشكل خاص، والنظام السياسي الفلسطيني بشكل عام.
وحسب المصادر، فإن مساعد وزير الخارجية الأميركي للشؤون الإسرائيلية الفلسطينية هادي عمرو، ومسؤولين إسرائيليين، أبلغوا عباس ربيع العام الماضي، أن الأفضل هو عدم إجراء أي انتخابات تشريعية أو رئاسية خلال العامين المقبلين (2022 و2023). فبحسب هؤلاء، فإنه “من الأفضل خلال هذه الفترة أن يعكف الرئيس على ترتيب البيت الفلسطيني، تجنباً لأي فوضى تتعلق بخلافته”.
ورأت المصادر ذاتها أن “النصائح الأميركية الإسرائيلية لعباس، ليست متعلقة فقط بترتيب النظام الفلسطيني المتهالك، وإنما تتعلق أيضاً بصحة الرئيس وعمره، إذ يبلغ 86 عاماً”.
ويبدو ترحيل أزمة خلافة عباس أو فكفكتها من خلال تغيير وخلق مراكز قوى جديدة، هو العنوان الأبرز للمرحلة المقبلة، خصوصاً إذا ما انعقد مؤتمر حركة “فتح” الثامن، الذي سترحل له أزمات الحركة، عبر إعادة هندسة اللجنة المركزية لـ”فتح” بصعود ماجد فرج لعضويتها، وإخراج ناصر القدوة من اللجنة المركزية، وإضعاف مروان البرغوثي وجبريل الرجوب وآخرين من صقور الحركة، كما يدور في كواليس “فتح”.