في ظل حالة الاستقطابات الإسرائيلية الداخلية، سواء داخل الائتلاف الحكومي، أو بين الحكومة والمعارضة، وحتى في صفوف المعارضة ذاتها، تزداد التحذيرات الإسرائيلية من نشوب ما تصفها بأنها “حرب أهلية” بين اليهود أنفسهم، بسبب غياب لغة الحوار بينهم، وطغيان جانب تبادل الاتهامات.
وتظهر مثل هذه التحذيرات بين حين وآخر، سواء عند الأزمات الحكومية الداخلية، أو الانتخابات المبكرة، مما يجعل مثل هذا التخوف الإسرائيلي جرحاً نازفاً إذا استمرت مختلف الأطراف الإسرائيلية في الحفر الذاتي والقضم الداخلي، مما يباعد أي فرص لمحاولة التئام هذه الجروح وشفائها، والنتيجة أن يصبح الجرح حفرة تمتص كل شيء، وتلغي مفاعيل الصهيونية بصورة عامة، حتى يفقد الإسرائيليون أنفسهم.
يفعات إرليخ الكاتبة في صحيفة إسرائيل اليوم ذكرت في مقالها أن “انتقادات المعارضة الإسرائيلية الأخيرة لجملة من مشاريع القوانين التي تقدمها الحكومة الحالية برئاسة نفتالي بينيت، قد يكون لها ما يبررها إلى حد كبير، ومنها مثلا تعزيز البناء العربي في مناطق الجليل والنقب في مسعى لتحقيق مزيد من المساواة بين العرب واليهود داخل الدولة، كي لا تتكرر أحداث مايو الماضي، حين هاجم العرب منازل اليهود، وممتلكاتهم، وتحولوا إلى أعداء في داخل الدولة”.
وأضافت أن “جانبا آخر من جوانب الخلافات اليهودية الداخلية التي قد تتسبب بنشوب حرب أهلية داخلية يتمثل بجهود الحكومة والجيش وأجهزة الأمن لمنع جماعات المستوطنين الملقبين بـ”فتيان التلال”، من توسيع البؤر الاستيطانية في الضفة الغربية، مما يثير الغضب في أوساط اليهود”.
قد تبدو مثل هذه الخلافات الحزبية أمرا طبيعيا ومتفهما في سنوات سابقة شهدتها إسرائيل، لكن الأجواء الملبدة بالغيوم في الكنيست الحالية، مع اتهام معسكر اليمين لرئيس الحكومة بينيت بأنه باع مبادئه الصهيونية لصالح معسكر يسار الوسط، ووجود قائمة عربية داخل الائتلاف الحكومي، وعدم توفر هوية واضحة للحكومة بسبب تركيبتها المتناقضة، كلها عوامل متزايدة تصب مزيدا من الزيت على نار الخلافات الداخلية، وتنذر باندلاع تلك الحرب، على الأقل وفق المخاوف الإسرائيلية الداخلية.
لا يتردد كبار القادة الإسرائيليين في التعبير عن مخاوفهم من القول إن الحرب الأهلية داخل الصهيونية هي جرح نازف، لأنه إذا استمرت الأطراف اليهودية في التنقيب عن أسبابها، وزيادة عواملها، فإنها ستبعد أي جهد لإبعاد شبحها، وقد باتت تخيم في الأجواء الإسرائيلية الداخلية فيه الحزبية منها والائتلافية والمعارضة، على حد سواء.
في مثل هذه الحالة، التي قد تندلع فيها الحرب الأهلية الإسرائيلية من الداخل، سيفقد اليهود كل شيء، ليس فقط الشراكة في قيادة الدولة، بل إن ذلك سيضع علامات تساؤل عديدة حول مدى بقاء هذه الدولة ذاتها، لأن تحقق ذلك الكابوس أمام اليهود يعني أن الساعة الرملية للدولة ستأخذ في النفاد، مما سيعمل على تضييق هامش الخيارات أمام الحكومة الحالية، وسيبدو أنه لا خيار لها، إلا التحضير للشروع في جولة أخرى من الانتخابات المبكرة، لأنها سوف تتفكك في نهاية المطاف، عاجلاً أم آجلاً.
تطورات اليوم التالي عند نشوب تلك الحرب الأهلية الداخلية، وفق القراءات الإسرائيلية، تتطلب أن تبدأ الأحزاب الصهيونية والدينية بالتفكير في هذا السيناريو أيضا، خشية تسببها، دون أن تقصد، بحرق آخر الحظائر والجسور المتبقية، بسبب فشلها مرارًا وتكرارًا في تقديم زعيم يفوز في الانتخابات المقبلة، ينجح في توحيد المعسكر الصهيوني الديني والقومي، وبالتالي فإن هذا الواقع المأزوم سيولد غضبا لدى اليهود من كل الأطراف، التي تتسبب بزيادة معدلات “الكراهية الأخوية” بين اليهود أنفسهم.