إسرائيل اليوم – بقلم: سارة هعتسني “الفوضى السياسية والصحية التي نعيشها تخلق الكثير من الضجيج والقليل من الجوهر. بين الصراخ في الكنيست وتعليمات كورونا المشوشة، يجلس شخص واحد ويقود خطاً أيديولوجياً عملياً، بهدوء، بدون إعلانات. وهذا هو وزير الدفاع بني غانتس، السياسي الأكثر حصانة على النقد اليوم، هذا الرجل الذي تعرض لضربات سياسية قاسية هو اليوم في موقع أساسي لا يمكن لأحد فيه، لا في الائتلاف ولا في المعارضة، أن يتجرأ على مهاجمته. مثل التاريخ الذي يكرر نفسه، يعيد غانتس التسعينيات “سنوات أوسلو”. اللقاءات المداعبة، والأحاديث عن خطوات شجاعة، والابتسامات الاضطرارية، وإلى جانبها ما يقوله مسؤولو السلطة الفلسطينية بلغتهم، بالعربية. غانتس يرى خطوات بناء ثقة، أما هم فيرون صراعاً. غانتس يرى سلاماً، أما هم فيرون ضعفاً. غانتس يتحدث عن “المسؤول عن إرسال الجنود إلى المعركة هو أيضاً مسؤول عن منعها”، في الوقت الذي يعلن فيه مستشار أبو مازن بأن “التسهيلات التي حصلنا عليها ستساعد المواطن الفلسطيني على التمسك بأرضه وستعطيه الوقت لمواصلة كفاحه ضد الاحتلال”. التاريخ يكرر نفسه مرتين، وكأننا لم نتعلم شيئاً من المأساة الأولى.
خطوات بناء الثقة التي منحها غانتس للسلطة بلا مقابل، مبنية من ثلاثة أضلاع: تعاظم اقتصادي، وتعاظم إقليمي، وتعاظم ديمغرافي. الوجه الاقتصادي، قروض بمئات الملايين وإقناع عالمي بدعم السلطة مالياً، وفتح الاتفاقات الاقتصادية بشكل يحسن لها، وهذا دون المطالبة بأن توقف رواتب القتلة. كما أن غانتس منح حرية حركة في إسرائيل الصغيرة لرجال أعمال وشخصيات فلسطينية مهمة، دون أن يتعهدوا من جانبهم بألا يعملوا ضد إسرائيل في الساحة المحلية والدولية. أما الجانب الإقليمي، فبإعطاء أذون بناء مكثفة في المناطق التي تحت السيطرة الإسرائيلية (المناطق ج)، في ظل تجاهل استمرار السيطرة أطواق الخنق التي تبنيها السلطة الفلسطينية حول البلدات اليهودية في يهودا والسامرة. وفي الجانب الديمغرافي إعطاء أذون لآلاف حالات لم شمل العائلات، وهي خطوة ذات معنى مرافق لدرجة عشرات آلاف الفلسطينيين. هذه خطوات لم يتجرأ نتنياهو على عملها. فوق كل شيء، يمنح غانتس شرعية متجددة وهواء تنفس لأبو مازن إياه، الذي يقود خطوة فتاكة حيالنا في محكمة الجنايات الدولية في لاهاي.
هذه الخطوات السياسية ترتبط كحركة كماشة بخطوات على الأرض: أصبحت الإدارة المدنية تحت غانتس عدواً للمستوطنين؛ فهو اليوم يركز على خنق الزراعة الإسرائيلية، وهدم “خيام” لفتيان من الصف الخامس في “غوش عصيون”، وإخلاء مستمر لـ”حومش”. لم تكن الإدارة جسماً محباً للاستيطان، لكن تحت غانتس ثمة من يرى فيها عدواً. كما أن إضافة الملاكات التي كان يفترض بها أن تكافح السيطرة الفلسطينية، توجه اليوم ضد المستوطنين.
لقد احتد غانتس على نقد وجه ضده من “سياسيين تحدثوا بدوافع سياسية”، لكنه عملياً هو رب البيت، وقد أوضح بأنه لا يسأل رئيس الوزراء بينيت عما يفعله، بل “يطلعه عليه لاحقاً”، وهكذا يبدو الأمر، في السياسة والميدان على حد سواء. في سنوات أوسلو الجديدة، لا يوجد الآن جوائز نوبل أو قمم سياسية، بل ثمة قضم ثابت يهيئ الدولة الفلسطينية ويبنيها. هذا هو خط غانتس، وهذا يحصل في وردية بينيت، وشكيد، والكين، وساعر، وفي وضع لا يزال فيه نتنياهو يعلق فيه آماله للعودة إلى الحكم.