تخشى الصحافية الفلسطينية براءة أبو رموز، فقدان مصدر رزقها في الشبكة الإخبارية التي تعمل فيها والتي تعرضت لتقييد حساباتها أو إغلاقها على “فيسبوك”، في ظاهرة طالت حسابات أخرى، يعتبرها نشطاء وصحافيون فلسطينيون “انتهاكات” يقومون بحملة إلكترونية لوقفها.
ونفت إدارة أكبر شبكة تواصل اجتماعي في العالم ردًا على سؤال لوكالة فرانس برس، هذه الادعاءات.
وتكرّرت في الآونة الأخيرة الإبلاغات لدى “فيسبوك” ضد شبكتي “ميدان القدس” و”القسطل” الإلكترونيتين اللتين تعتبران مصدرًا أساسيا للأخبار الفلسطينية، ويتابعهما أكثر من مليوني شخص.
وتسبب ذلك بإغلاق الحساب الرسمي للأولى على “فيسبوك” الشهر الماضي، وقيام الثانية بحجب حسابها تخوفًا من الحذف.
ويركز محتوى الشبكتين خصوصًا على ما يجري في القدس الشرقية المحتلة.
وتقول أبو رموز التي تعمل في “ميدان القدس”، “حذفوا صوت القدس، عدنا إلى نقطة الصفر”، مضيفة “حُذف حسابنا الاحتياطي أيضا، وحسابنا على إنستغرام، لكن قدمنا اعتراضا واسترجعناه”.
وتتخوف الصحافية العضو في نقابة الصحافيين الفلسطينيين “من خسارة مصدر رزقي”، قائلة “سياسة فيسبوك تشكل خطرًا علينا”.
وتتساءل الصحافية (24 عامًا) قائلة “المنصتان تابعتان لميتا (اسم الشركة الأم لفيسبوك)، لمَ استطعنا استعادة حسابنا على إنستغرام في حين أبقوا على حسابنا على فيسبوك محذوفا؟”.
وتتابع “نعمل على المنصات الأخرى، إنستغرام، تويتر، تلغرام، تيك توك، لكن فيسبوك أقوى فلسطينيا”، وفق قولها.
ويشير التقرير السنوي الخاص حول مواقع التواصل الاجتماعي الفلسطينية الذي تشرف عليه شركة “أيبوك”، الى أن أكثر من أربعة ملايين فلسطيني يستخدمون فيسبوك من أصل 4,5 ملايين موصولين بالإنترنت.
“ادعاءات خاطئة”
بحسب مركز “صدى سوشال”، وهو مبادرة شبابية فلسطينية لإدارة مواقع التواصل الاجتماعي، يعتبر العام الحالي “الأسوأ” رقميا مع “600 انتهاك للمحتوى الفلسطيني”، 91 منها خلال الشهر المنصرم.
في تشرين الأول/أكتوبر، قالت منظمة “هيومن رايتس ووتش” إن موقعي فيسبوك وإنستغرام أزالا محتوى حمّله فلسطينيون.
وفي تقريره الأخير، قال “صدى سوشال” إن ميتا “أفادت بإزالة 141 حسابا على فيسبوك وعشرات الصفحات والمجموعات بالإضافة إلى 21 حسابا على إنستغرام من قطاع غزة”، مضيفا أن “فيسبوك” برّر ذلك بارتباط هذه الحسابات بحركة حماس.
– خفض التقييم –
ودفع ذلك نشطاء وصحافيين فلسطينيين إلى إطلاق حملة إلكترونية ضد “انتهاكات” فيسبوك.
ودعت الحملة التي حصل وسمها الإنكليزي على أكثر من عشرة ملايين تفاعل ووصول، إلى خفض تقييم “ميتا” التي تضم فيسبوك ومسنجر وانستغرام وواتساب على متاجر “غوغل بلاي” و”آب ستور”.
وبين المشاركين في الحملة، الصحافية كريستين ريناوي التي يتابعها نحو 400 ألف شخص وقيّد حسابها لـ 30 يوما، بعد نشرها، على ما تقول، “خبرا وليس رأيي الشخصي” حول عملية إطلاق نار نفذها فلسطيني في القدس الشرقية.
وبعد حادث طعن ثان نفذه شاب فلسطيني قرب باب العمود في القدس مطلع الشهر الحالي، حذف موقع فيسبوك قصة مصورة لريناوي يظهر فيها شرطي إسرائيلي يطلق النار على الشاب.
ولجأت الصحافية إلى إنستغرام للنشر مستخدمة وسم الحملة “فيسبوك يحجب القدس”.
وتقول الحملة إن إدارة فيسبوك طورت خوارزميات خاصة “تقمع” المحتوى الفلسطيني “ولا تراعي الواقع الفلسطيني… ومن دون النظر إلى السياق الذي وردت به”.
ونفت إدارة “فيسبوك” لوكالة فرانس برس “الادعاءات بأن أفعالنا لها دوافع سياسية أو لإسكات الأصوات”، واصفا إياها بأنها “خاطئة”.
“رقابة ذاتية”
ويقول الصحافي أيمن قواريق الذي يعمل في “القسطل” منذ عامين تقريبًا: “بعد وصول عدد كبير من التبليغات من جهات داعمة للاحتلال، اضطررنا إلى إخفاء حساب” الشبكة على “فيسبوك”. ويشير الى أن نشر الأخبار متواصل “عبر حسابنا الاحتياطي وعبر إنستغرام، لكن مع ممارستنا رقابة ذاتية… هذا يضيق على عملنا الصحافي”.
صحافي فلسطيني يشير إلى وسم #فيسبوك تحجب القدس في إطار حملة شنت؛ للاحتجاج على ما يعتبره صحافيون وناشطون فلسطينيون رقابة من شبكة التواصل الاجتماعي هذه على المحتويات الفلسطينية في مدينة الخليل في الضفة الغربية المحتلة في 24 تشرين الثاني/نوفمبر 2021.
ويقول الخبير الإعلامي ومدير “صدى سوشال” إياد الرفاعي، إنه يجتمع بانتظام مع مسؤولين في “فيسبوك، و”يقولون بصراحة إنه ممنوع وصف أي منفذ لعملية بالشهيد”، وذلك لأنهم “يحتكمون إلى القانون الأميركي الذي يصنف المنفذين على أنهم إرهابيون”.
وترجح ريناوي أن يكون استخدامها كلمة “شهيد” تسبّب بتقييد حسابها.
أما شركة فيسبوك، فتؤكد على أن “قيود المحتوى تنفذ بناء على القانون المحلي (لكل بلد)… ووفقا للمعايير الدولية لحقوق الإنسان”.
ولم ترد بالتحديد على سياسة الشركة بالنسبة الى استخدام كلمة “شهيد”.
وتتهم المتحدثة باسم الحملة راما يوسف “فيسبوك” ب”تبني رواية الاحتلال الإسرائيلي” و”الكيل بمكيالين”.
الصيف الماضي، نشر المركز العربي في واشنطن مقالا حول “القمع الرقمي المنهجي” أشار فيه إلى تطوير وزارة العدل الإسرائيلية في العام 2015 وتحت إشراف الوزيرة اليمينية حينه إيليت شاكيد، وحدة السايبر الإلكترونية.
وبحسب المقال، “تقوم الوحدة منذ سنوات بالإبلاغ عن عشرات الآلاف من المنشورات والحسابات وتمتثل لها منصات التواصل الاجتماعي طواعية”.
لكن المتحدث باسم “ميتا” أكد “تطبيق هذه السياسات على الجميع على قدم المساواة بغض النظر عمن يقوم بالنشر”.
تحذير
في المقابل، يتهم مسؤولون إسرائيليون منصات الكترونية مختلفة بينها “فيسبوك” بأنها فشلت في وقف العداء للسامية على مواقعها.
وقدم وزير شؤون الجالية اليهودية السابق أومير يانكيليفيتش في شباط/فبراير اقتراحات الى فيسبوك وغوغل وتيك توك وتويتر لدعم مكافحة العداء للسامية على الانترنت.
ويشعر الرفاعي بالقلق متخوفا من “تغيير بنيوي يؤثر على الخطاب الفلسطيني”، بسبب القيود على مواقع التواصل الاجتماعي، ومن “عزوف مناصري القضية عن التفاعل مع القضايا المحورية” بسبب “خوفهم من خسارة إرثهم الرقمي”.
وبحسب الرفاعي، قدمت إدارة فيسبوك “وعودا بتحسين آليات عمل الخوارزميات بحيث تفرّق بين المحتوى الإعلامي والصحافي والمحتوى العادي”.
لكنه يرى أن هذه “الحلول موقتة، لا جذرية”.
الثلاثاء الماضي، وبعد انتهاء فترة حظر حسابها، تلقت ريناوي تحذيرا من إدارة “فيسبوك” جاء فيه “قد يتم تقييد حسابك مجددا في حال قمت بأي انتهاك”.