هآرتس – بقلم: جدعون ليفي “الخطيئة هي “حومش”. وما قتل “يهودا ديمنتمن” سوى عقاب لوجودها. ويرى معظم الإسرائيليين ذلك بصورة مختلفة؛ لأن ما يقال لهم: ذات يوم صاف، قتل طالب مدرسة دينية بدون أي ذنب، لا لشيء إلا لكونه يهودياً، لأن القتلة متعطشون للدماء وولدوا لهذا. الفلسطينيون هم الأشرار دائماً، واليهود هم الضحايا دائماً.
هذه رواية معزية، لكن ليس لها أي علاقة بالواقع. إذا كان هناك مكان في الضفة الغربية لا يمكن القول فيه بأن العملية نزلت من السماء، دون سبب ودون سياق، فـ”حومش” هي هذا المكان. وإذا كان هناك مكان لم يبق فيه للفلسطينيين أي طريقة لاسترجاع أراضيهم باستثناء العنف، فإن “حومش” هي هذا المكان. وإذا كان هناك مكان فعل فيه المستوطنون واليمين والحكومة والجيش كل ما في استطاعتهم من أجل التسبب بسفك هذه الدماء، فإن “حومش” هي هذا المكان. أيديهم ملطخة بدماء “ديمنتمن” أيضاً.
“لماذا، لماذا، لماذا؟” صرخ اريئيل دنينو متباكياً عبر “تويتر”، وهو مستوطن من البؤرة الاستيطانية “قومي اوري”، وهي البؤرة التي يهاجم سكانها أيضاً الجنود ورجال الشرطة. مع ذلك، لماذا هذا؟ قررت حكومة إسرائيل إخلاء “حومش” في عملية الانفصال. وأمرت المحكمة العليا الدولة بعد ثلاث سنوات بإلغاء أوامر وضع اليد وإغلاق المنطقة أمام الفلسطينيين. وأقام المستوطنون -بحماية من الجيش والحكومة واليمين- مدرسة دينية في المكان.
حاولنا خلال سنوات الاقتراب عدة مرات منها. خرج المستوطنون المسلحون والملثمون دائماً من بيت التوراة، هذا النقي الطاهر، وطردونا تحت التهديد، ونظر الحاخام من بعيد على ما يحدث ولم يتدخل. وعندما جئت إلى هناك بعد قرار المحكمة العليا مع عدد من أصحاب الأراضي في قرية برقة الفلسطينية، لم يتجرأوا على الخروج من السيارة. لم أشاهد في حياتي فلسطينيين خائفين بهذه الدرجة مثل هذه المجموعة من الفلاحين، الذين لم يسمح لهم طوال 35 سنة بالوصول إلى أراضيهم. للحظة، اشتعل فيهم الأمل بالعدالة المتأخرة. وعندما سمح لهم بالعودة، لم يتجرأوا على الخروج من السيارة خوفاً من المستوطنين.
منذ آذار 2020 وثقت “بتسيلم” سبعة اعتداءات لطلاب المدارس الدينية الذين هاجموا النساء والأولاد وضربوا رعاة أغنام مسنين وشباباً، وخربوا سيارات وبيوتاً في قرية سيلة الظهر، وهي قرية فلسطينية مجاورة.
قبل أربعة أشهر تقريباً، ألقوا القبض على فتى عمره 15 سنة، هو طارق الزبيدي، الذي تجرأ على الخروج للتنزه مع أصدقائه قرب مدرسة العنف المنفلت هذه، ونكلوا بهم. وقال إنهم ضربوه وقيدوه وركلوه وهو مستلق ومقيد، وربطوه فوق غطاء محرك سيارتهم، وبعد ذلك ألقوه. وفي النهاية، علقوه على شجرة، وأحرقوا قدميه. جاءوا من المدرسة الدينية، هم كما يبدو أصدقاء “ديمنتمن”.
أجري اليمين خلال هذه السنين مسيرات استعراضية في “حومش” بمشاركة وزراء وأعضاء كنيست. لم يحرك الجيش الإسرائيلي ساكناً، كالعادة. ومنذ العام 2013 عاد المتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي وأكد للصحيفة بشفاهه المعسولة بأن “سنفحص دخول الفلسطينيين إلى المنطقة طبقاً لعلاقة ملكيتهم”. “علاقة الملكية” هذه لم يقم الجيش بفحصها لزعران المستوطنين، في يوم من الأيام. ولم يبق من ينفذ قرارات الحكومة ويطبق أوامر المحكمة العليا أو من يعيد للفلاحين العاجزين من أراضيهم في قرية بُرقة.
لم يبق أمام الفلسطينيين سوى خيارين: الاستسلام والتنازل كما تصرف أصحاب الأراضي من برقة، أو محاولة إعادة الأرض وما بقي من الكرامة بالقوة. ويبدو أن هذا ما حاول فعله قتلة “ديمنتمن”.
ماذا كنتم تنصحون الفلسطينيين أن يفعلوا؟ ماذا كنتم ستفعلون لو كنتم مكانهم؟ من المقلق وقوع بؤرة “أفيتار” جنوبي بؤرة “حومش الاستيطانية. تسعة من الفلسطينيين سبق وقدموا أرواحهم في المظاهرات الاحتجاجية جراء استيلاء المستوطنين على تلك الأراضي. وإسرائيل تتذاكى بإقامتها “مدرسة دينية” هناك. في القريب، سيقوم المخرب المتعطش للدماء وسيحاول المس بالمستوطنين هناك أيضاً؛ عندها ستولول إسرائيل وستأخذ دور الضحية وتتباكى على المصير المر أمام الإرهاب الفلسطيني المتوحش.