في مقالة نشرت في احد المواقع الاخبارية بعنوان “عندما كسر المقدسيون التابو”،يشير فيها الى انه لأول مرة منذ 56 عاماً يشارك فيها المقدسيون بقائمة مهنية في الإنتخابات لبلدية الكيان في القدس، وانه جرى كسر “تابو” المقاطعة والمعارضة للمشاركة،وأصبحت مشاركة المقدسيين لأول مرة واقعاً،وانه تم تسجيل القائمة رسمياً من اناس مهنيين فيهم المحامي والطبيب والأكاديمي من الداخل الفلسطيني -48- ومن صورباهر والبلدة القديمة ومخيم شعفاط وكفر عقب،وبأن هذه القائمة متوزعة جغرافيا وجندرياً والخلاف سيكون حول ترتيب الأسماء والبرنامج الداخلي وغير ذلكً ….وقبل النقاش في جوهر المقالة فلا بد من الرد على المغالطات الواردة في المقالة ، فهذه ليست أول مرة يترشح فيها البعض الفلسطيني المقدسي من القدس في الإنتخابات لبلدية الكيان،والتي لم تزيد فيها المشاركة المقدسية في تلك الإنتخابات إنتخاباً وترشيحاً عن 2%،بما فيهم عرب الداخل -48- المقيمين في القدس منذ فترة طويلة،وكذلك من المقدسيين ممن لديهم إرتباطات ومصالح مع بلدية الكيان،بحكم العمل والوظيفة والمصلحة ….ولكن القائمة التي يتحدث عنها، هي ليست قائمة عربية او مقدسية خالصة،فهي قائمة عربية – يهودية فهي شركاء من “ميرتس” وشركاء عرب فلسطينيين وضعوا في المقدمة …يتقدمهم سيدة اكاديمية من الداخل الفلسطيني بعد ان جرى إزاحة أحد المحامين عن رأس القائمة …..
ولذلك قضية القائمة العربية والتمثيل الجغرافي والجندري وغيره ليست كما ذكر ….والمقدسيون يحافظون على ” التابو” ما دام الإحتلال جاثما على صدورهم وبلديته اداة من ادوات البطش والقمع والتنكيل بهم وهدم منازلهم وطردهم وتهجيرهم وإقامة المستوطنات على أراضيهم والسعي المستمر ” لأسرلة” منهاجهم الفلسطيني،ولعل الإخطارات التي وزعتها بلدية الكيان بالهدم لعدد من سكان حي البستان في سلوان يوم الخميس 28/9/2023 على عائلات بيضون والرجبي وبدران وجلاجل،والتي سبقها في 31/8/2023 توزيع تسع إخطارات بالهدم لعدد من العائلات الأخرى، ابو شافع وقراعين وعبد اللطيف وعايد وابو رجب وجلاجل وابو ذياب، يؤكد على ما نقوله، بشأن دور بلدية الكيان في تنفيذ مخططات حكومتها في طرد وتهجير أبناء شعبنا،والسعي المستمر في تهويد المسجد الأقصى،حيث نشرت بلدية الكيان في واحد من احتفالاتها،صورة للمسجد الأقصى اخفي منها صورة مسجد قبة الصخرة ،وكذلك فان التطبيل والتزمير لهذه المشاركة التي تشكل خرقا سافرا ووقحا لكل القوانين والأعراف الدولية التي تعتبر القدس مدينة محتلة وفق قراراتها،هي إقرار بأن القدس عاصمة لدولة الكيان،وشرعنة لعملية ضمها وتهويدها،كما عبر عن ذلك فيما عرف ب”صفقة القرن” الرئيس الأمريكي السابق المتطرف ترامب …ويجب معرفة أن القضايا ذات البعد الإستراتيجي لا تقررها بلدية الكيان،بل هي تصدر عن الدولة العميقة ،قضايا ملكية الأرض والإستيطان والأمن والتعليم والمخططات الهيكلية ….وانا هنا لا أريد أن أذكر بتجربة المشاركة العربية في الكنيست….
ولكن دولة الكيان وضعت خطة خماسية لمدينة القدس (2024-2028 ) من اجل تهويدها وأسرلتها وتعزيز الأمن والإستيطان فيها،قيمتها 3 مليار و200 مليون شيكل، منها فقط 120 مليون شيكل لتعزيز الأمن بقيادة الفاشي بن غفير، والخطة حملت عنوان جسر الفروقات والفجوات بين القسمين الغربي والشرقي من المدينة،ودمج السكان العرب في المجتمع والإقتصاد الإسرائيلي.
وعلى الجميع ان يدرك بأن قضية القدس ليست قضية حقوق مدنية ومطلبية حياتية ،ولا تحتاج الى مهنيين يعرفون لغة دولة الكيان ويعرفون مجتمع دولتها ،بل هي قضية سياسية بإمتياز،قضية مدينة تحت الإحتلال،لشعبها واهلها حقوق وطنية سياسية،ولا يمكن وضع تخوم واضحة ما بين المهني والسياسي ،وساذكر نماذج من الواقع ،في الإعتصامات المستمرة التي ينفذها أهالي المكبر عبر لجنة اولياء الأمور المركزية،إحتجاجاً على محاولة بلدية الكيان،فرض المنهاج الإسرائيلي على مدارسهم،هناك من شاركوا في تلك الإعتصامات واستدعتهم مخابرات الكيان،وقالت لهم سنتدبر أمركم لكي تتعلموا الدرس..!! ،وبالفعل أرسلوا لهم طواقم بلدية الكيان،لكي تحرر لهم مخالفات وتهددهم بهدم بيوتهم،رغم أنها مبنية منذ عشرين عاماً او أكثر تحت ذريعة عدم الترخيص، فهنا لا تخوم ولا فصل واضح ما بين ما هو سياسي وما هو مهني او مطلبي وحقوق مدنية،وكذلك في إطار سعي بلدية الكيان ووزارة معارفها “لأسرلة” المنهاج في مدينة القدس وإزاحة المنهاج الفلسطيني من القسم الشرقي من المدينة بشكل نهائي، رئيس بلدية الكيان قال بشكل واضح،أي مدرسة تبنيها البلدية ويجري افتتاحها فقط وفق المنهاج الإسرائيلي،وبالمناسبة فان قضية التعليم والعملية التعليمية في القسم الشرقي في المدينة، تتابعها وتشرف عليها خمسة مستويات ودوائر هي” الشاباك” والشرطة وبلدية الكيان ووزارة المعارف ومكتب رئيس الوزراء.
الحديث عن الصمود لن ينفع، من دون تمويل حقيقي للإسكان والتعليم والاقتصاد، والسياحة، والثقافة، وغيرها.
هذه القول دقيق ونحن ندرك القصور الكبير من قبل السلطة والمنظمة بحق القدس وأهلها وقطاعاتها ومؤسساتها المختلفة،ولكن الحل السحري لا يمكن في المشاركة في الإنتخابات لبلدية الكيان، التي تكرس وتشرعن إحتلاله للمدينة وسيادته عليها،ففي التعليم اوضحنا مخططات “أسرلة العملية التعليمية بالكامل في المدينة،ورصد 800 مليون شيكل في الخطة الخماسية لهذه الغاية،وفي الثقافة، موقف السيارات في ساحة مكتبة”البلدية”،بالقرب من شارع الزهراء والمدرسة المأمونية،جرى اغلاقه في وقت تعاني فيه القدس من نقص حاد في مواقف السيارات،بغرض بناء ” بيت ثقافي” والهدف منه ليس تطويرنا ثقافياً ومسرحياً،بل خلق فضاء ثقافي مسرحي لأنشطة وفعاليات تطبيعية ،”تطوع” العقل الفلسطيني وتقبله للمحتل،والعمل على إغلاق المؤسسات الثقافية الفلسطينية الموجودة في المدينة،لأنها تنشر ثقافة ” التطرف” و”التحريض” والتمسك بحقوق شعبنا وهويته وثقافته ،مثل المسرح الوطني الفلسطيني ” الحكواتي” ومركز ” يبوس” الثقافي ومعهد إدوارد سعيد وبرج اللقلق وغيرها من المؤسسات الثقافية.
ولذلك يجب أن لا تكون فزاعة المطلبي والحقوق المدينة للمقدسيين،اقتصادية وإجتماعية الحجة او الذريعة التي نتسلح بها،لكي نقول آن الأوان لكي نكسر ” التابو” ونشارك في الإنتخابات لبلدية الكيان،بل ان زيادة حدة الهجمة والحرب على شعبنا واهلنا في القدس ،وعلى حقوقنا الوطنية السياسية،يجب أن تدفعنا نحو المزيد من التسمك بها،وعدم فتح الطريق او تعبيدها،نحو تكريس سيادة الكيان على المدينة وسيطرته عليها وضمها وتهوديها.