هآرتس/ ذي ماركر – بقلم: دفنه ميئور “ليست المرة الأولى التي تنهار فيها الليرة التركية بعشرات النسب المئوية خلال شهر، ولكنها الآن تشكل أزمة اقتصادية لإضعاف سيطرة الرئيس التركي على مقاليد الحكم.
انخفضت الليرة التركية 25 في المئة في الشهر الماضي، وتدهورت إلى حضيض تاريخي يوماً بعد يوم. بعد أن اجتازت حاجز 10 ليرات للدولار، تسارع سقوطها. وصباح أمس بيعت بسعر 13 ليرة للدولار.
العملة التركية فقدت ثلثي قيمتها خلال ثلاث سنوات. وارتفعت العائدات على سندات حكومة تركيا في السنوات العشر المذكورة إلى 21.1 في المئة، وهي أعلى العائدات منذ أيار 2019.
تداعيات انهيار الليرة على الاقتصاد في تركيا أمر خطير. ولكن من شأنها إلى جانب التأثير الاقتصادي أن تخبرنا بتغييرات حكومية. قد يؤدي الوضع الاقتصادي إلى عدم استقرار خطير في الدولة الكبيرة التي تقع على مفترق طرق حاسم بين آسيا وأوروبا والشرق الأوسط.
يفصل البنك المركزي عن الواقع الاقتصادي
شهد اقتصاد تركيا في عهد الرئيس أردوغان نمواً سريعاً، تم تسريعه عبر الديون. ولكن أيضاً ثمة تراجع سريع وانهيار للعملة، بما في ذلك انخفاض قيمتها 30 في المئة خلال شهر في العام 2006، كان قد تسبب بخسارة كبيرة لرجل الأعمال الإسرائيلي، اليعيزر فيشمان، وانهيار آخر في 2008.
تبين بالتدريج في السنوات الأخيرة أن المشاريع الضخمة والنمو الذي يرتكز على الاستهلاك، لن يقود تركيا إلى نمو صحي. الأهداف التي وضعها الرئيس المسلم، الذي يحب القصور والتفاخر، بعيدة الآن أكثر مما كانت في بداية طريقه على اعتبار أنه الإصلاحي الأكبر للإمبراطورية العثمانية.
لأردوغان مشكلة جوهرية فيما يتعلق بالاقتصاد؛ فخلافاً لكل ما هو معروف لرجال الاقتصاد والمستثمرين والمستهلكين، يعتقد أن الفائدة العالية ليست الحل للتضخم. التضخم الرسمي في تركيا كان 20 في المئة في الأشهر الأخيرة، لكن البنك المركزي بضغط من أردوغان، خفض الفائدة في هذا الشهر 3 في المئة، ووصلت إلى 15 في المئة. هذا مسمار آخر من المسامير التي يدقها أردوغان في نعش الاقتصاد التركي. منذ سنوات وهو يطلب من البنك المركزي خفض الفائدة دون صلة بالواقع الاقتصادي. هو لم يطلب فحسب، بل هو أقال عدداً من محافظي البنك الذين لم ينحنوا أمامه، إلى أن عيّن أحد مقربيه في هذا المنصب في آذار الماضي، وهو شهاب كافجيولو، الذي قام بخفض الفائدة.
اقال أردوغان هذه السنة المزيد من كبار رجال البنك لأنهم عارضوا خفض الفائدة. هو يعتقد أن الفائدة المنخفضة ستشجع النمو والتشغيل، ولكن تدخله في نشاطات البنك المركزي جعل المستثمرين الأجانب يهربون، وسُحب البساط من تحت الليرة ومن تحت الاقتصاد.
يفقد المرونة
حسب التقديرات، التضخم الحقيقي في تركيا هو 50 في المئة. وإذا أخذنا في الحسبان تخفيضاً بنسبة 25 في المئة على سعر الليرة في الشهر الأخير، فإن الأسعار تقريباً تضاعفت خلال سنة. بالنسبة للأتراك الذين يكسبون رزقهم بعرقهم، فهذا يشكل كارثة، والسبب في توقف تأييدهم المتواصل لأردوغان.
أردوغان، كما هو معروف، نجا من محاولة انقلاب دراماتيكي في 2016. ونجح في جني مكاسب سياسية منه. وقد أقال مئات آلاف الموظفين العامين والأكاديميين الذين لم يكونوا من مؤيديه، وأغلق وسائل إعلام وصحفاً، وسن قوانين دينية، وغير الدستور كي يستطيع أن يحكم تركيا بدون قيود.
سقوط الليرة أثار الاحتجاجات القليلة في إسطنبول وفي العاصمة أنقرة ضد إدارة اقتصادية فاشلة في الحكومة وضد التضخم. أقامت الشرطة حواجز في العاصمة، وبدأ الدعم الشعبي لأردوغان يضعف، وبدأ خصومه في الانتخابات التي ستجرى في 2023 يراكمون التأييد لهم بشكل ثابت.
“الهزة الأخيرة ستدفع بالأصوات العائمة التي تضررت من الوضع الاقتصادي إلى صفوف المعارضة”، قال جان سيلتشوكي، مدير عام شركة الاستطلاعات التركية “ربورو ليبلومبرغ”. “احتمالات عدم وصول الحزب الحاكم إلى مستوى 30 في المئة من الأصوات، المطلوبة لفوزه، زادت”. في الانتخابات السابقة في 2018 كان لحزب أردوغان تأييد 43 في المئة، أما الآن، حسب أقوال محمد علي بولاط، مدير عام شركة الاستطلاعات “ماك”: “60 في المئة من الأتراك فقدوا أملهم في قدرة الحكومة على حل المشكلات الاقتصادية في تركيا في السنة القادمة”.
مطلوب تخفيض أكثر بكثير
“عتبة الألم في تركيا أعلى”، قال بينيكس كايلن، وهو الاستراتيجي في بنك “سوسييتي جنرال”، “احتمالية حدوث انعطافة احتمالية ضئيلة إزاء تصميم أردوغان على الامتناع عن رفع الفائدة. مطلوب تخفيض أكثر بكثير قبل أن يكون هناك تدخل لمنع سقوطه”. حسب بيان البنك المركزي في الأسبوع الماضي، فإن سقوط الليرة كان مبالغاً فيه، لكن لم يعلن عن رد. “البنك المركزي في تركيا يطبق سياسة سعر صرف عائم، وليس له التزام بسعر صرف معين”، أوضح مسؤولون كبار في البنك.