“كلنا مستعدون للشهادة في سبيل فلسطين والقدس، والطائرات والاغتيالات والهدم والسجون لن ترهبنا أو تنال من عزيمتنا، سنبقى نقاوم حتى الحرية”، قالت المواطنة السبعينية مريم عويس “أم بشار”، بعد انضمام حفيدها المقاوم محمد بشار راتب عويس (27 عاماً)، قائد كتائب شهداء الأقصى، لقائمة الشهداء وبينهم نجلها سامر راتب يونس عويس الذي استشهد في مخيم الأمعري بقصف طائرة إسرائيلية، خلال انتفاضة الأقصى.
وأضافت “أم بشار”: “حبيب قلبي محمد اغتالوه مع رفاقه صهيب عدنان الغول 27 عاماً، وأشرف مراد السعدي 17 عاماً، بنفس الطريقة التي اغتالوا فيها عمه سامر، بقصف من الطائرات الإسرائيلية، لكن سنبقى أقوى منهم، وكلما ودعنا شهيد سنكمل المشوار”.
خلال حديثها عن عملية الاغتيال الأولى التي استخدم فيها الاحتلال الطائرات بعد 16 عاماً، مساء تاريخ 21-6-2023، عندما قصفت طائرة إسرائيلية المركبة التي كان يستقلها عويس والغول والسعدي قرب ضاحية صباح الخير شمال جنين، بعد تنفيذهم هجوم على حاجز الجلمة العسكري، استعادت عويس شريط الذكريات الطويل في تاريخ مقاومة أبناءها للاحتلال واستهدافه لهم، وخاصة حسان وعبد الكريم اللذان يعتبران من قادة كتائب شهداء الأقصى.
وتقول: “كلما كانت تقع عملية فدائية تتبناها كتائب شهداء الأقصى، تشتد وتيرة ملاحقة واستهداف عبد الكريم الذي طالبت إسرائيل من خلال أمريكا بتسليمه بعد فشل عدة محاولات لاغتياله، وكانت اللحظة التي لا تنسى عندما قصف الاحتلال المركبة التي كان يتواجد فيها، فقفز عبد الكريم ونجا من الموت واستشهد رفيقه القائد معتصم الصباغ”.
وتضيف: “أول عملية اغتيال بواسطة طائرات الأباتشي في جنين، كانت بتاريخ 12-5-2001، فقد قصفت المركبة التي كان يستقلها ابني عبد الكريم ورفاقه، فاستشهد رفيقه معتصم الصباغ قائد كتائب الأقصى، ونجا عبد الكريم ورفيقهم يوسف أبو علي من الموت بأعجوبة، لكنهما أصيبا وتمكنا من الانسحاب رغم إلقاء 4 صواريخ، أدت لاستشهاد الملازم في الشرطة أيضًا علام الجالودي الذي كان يتواجد في المنطقة”.
وتكمل: “بتاريخ 10-3-2002، قصفت مروحية إسرائيلية سيارة ابني المقاوم والبطل والقائد في كتائب الأقصى سامر في مخيم الأمعري مما أدى لاستشهاده، فمنذ بداية الاحتلال، وأسرتنا تقدم وتناضل، ولم يتوقف استهدافنا، فهدموا منازلنا، ولم يسلم أحد من أبنائي من المطاردة والإصابة والأسر، وبعد كل هذه السنوات، اغتالوا حفيدي، وما زال ولداي حسان وعبد الكريم وابنه حفيدي سامر خلف قضبان الاحتلال الذي فرق شمل أسرتنا، ولم تجتمع في كل المناسبات منذ 23 عاماً”.
وتستدرك: “ابني أحمد عويس، تعرض للاستهداف من مطاردة واعتقال أكثر من مرة، وحالياً يطارده الاحتلال وأصبح مطلوباً وملاحقاً، وقد انقطع عنا ولم نعد وأطفاله نراه في ظل تهديدات الاحتلال له، فمن يحتمل كل هذا العذاب والظلم الذي يمارسه الاحتلال بحقنا؟”.
في منزلها الذي أعيد بناؤه بعدما هدمه الاحتلال مع منازل ولديها الأسيرين عبد الكريم وحسان، قاومت الوالدة أم بشار، الدموع ورفضت استقبال المعزين باستشهاد حفيدها محمد، وقالت: “منذ اغتياله ونحن نسمع الكثير من القصص وحكايات البطولة عن محمد، الذي حمل بندقية أعمامه واختار طريق النضال والمقاومة، وتقدم الصفوف دوماً في مقاومة الاحتلال الذي لم يهابه، نفخر ونعتز ببطولاته، ولن نتقبل سوى التهاني بشهادته”.
وتضيف: “دوماً تمنى الشهادة، ولم نكن نعلمه بدوره الكبير في التصدي للاحتلال ومشاركته في المقاومة على أرض مخيم جنين حتى استشهاده، لكن ما يحزننا أن الاحتلال صادر جثمانه ورفاقه، وما زال يرفض أعادتها لنا، لنزفه عريساً للقدس كما طلب وأوصى”.
فالوالدة التي قضت سنوات طويلة من عمرها على بوابات السجون خاصة منذ اعتقال عبد الكريم الأول في انتفاضة الحجر، تتمسك بالأمل وفي كل لحظة من حياتها تحدثت لمراسل “القدس” دوت كوم، عن بطولات أبنائها الذين اختاروا طريق النضال من أجل حرية شعبهم ووطنهم.
وتقول: “في ريعان الشباب التحق عبد الكريم في صفوف حركة فتح، على مقاعد الدراسة آمن بأن النضال حق مشروع للخلاص من الاحتلال وانتزاع الحرية، فتميز بالبطولة والعزيمة والتضحية، ولم يقتصر دوره على المسيرات والمواجهات”.
وتضيف: “خلال انتفاضة الحجر، أسهم مع رفاقه في تأسيس مجموعات الفهد الأسود الجناح العسكري لحركة فتح، وتقدم الصفوف في مقاومة الاحتلال الذي طارده حتى اعتقل وحوكم بالسجن المؤبد وعوقبنا بهدم منزلنا”.
تحقق حلم أم بشار، عندما عانقت عبد الكريم حراً في أول دفعة إفراجات للأسرى ذوي الأحكام العالية بعد توقيع اتفاق أوسلو وإقامة السلطة الوطنية، فالتحق في صفوف جهاز المخابرات الفلسطينية، وواصل دوره ومسيرته من خلال نشاطه في حركة فتح.
وتقول: “تزوج ورزق بثلاثة أبناء، ورغم حرصه على تأدية دوره في جهاز المخابرات، تقدم الصفوف في مقاومة الاحتلال عندما اندلعت انتفاضة الأقصى وخلال فترة وجيزة أصبح وشقيقه حسان مطلوبان لقوات الاحتلال”.
وتضيف: “أدرج اسمه على رأس قائمة المطلوبين بعدما شارك في تأسيس كتائب شهداء الأقصى، ونجا من عدة محاولات اغتيال، ولم يتوقف الاحتلال عن استهدافه وباقي أبنائي الذين تعرضوا للاعتقال لدورهم في مقاومة الاحتلال”.
وتقول والدته: “عشنا أيام سوداء من خوفنا وقلقنا على حياته والاحتلال يهددنا بتصفيته واعدامه، فقتلوا ابني سامر بقصف سيارته بالصواريخ قرب مخيم الجلزون، وأصبح الخطر يحاصر ابني عبد الكريم وحسان”.
وتضيف: “خلال عملية السور الواقي، تمكنت قوات الاحتلال من حصار واعتقال عبد الكريم في رام الله، وتعرض حسان لنفس المصير في مخيم جنين فاعتقل خلال معركة شهر نيسان، وتعرضا لأبشع أساليب التحقيق التي انتهت بالحكم على عبد الكريم بالسجن المؤبد 5 مرات و20 عاماً، وعلى حسان بالسجن المؤبد مرتين”.
أكثر ما يحزن أم بشار، احتجاز جثمان حفيدها، وشطب الاحتلال عبد الكريم وحسان من قوائم الإفراجات خلال صفقة وفاء الأحرار، لكنها ما زالت تعيش على أمل تحقق حلمها وعودة أحبتها لأحضانها.
وتقول: “عائلتي قدمت وما زالت التضحيات ولم ولن نندم رغم كل القمع والمآسي التي نعيشها فهذا واجبنا، وإن لم نضحي جميعاً من أجل فلسطين فكيف يمكن أن تتحرر؟”.
وتضيف: “أتمنى من رب العالمين أن نفرح قريباً باستعادة جثمان حفيدي ودفنه لجانب رفاقه الشهداء في مخيم جنين، ورؤية عبد الكريم وحسان مع كل الأسرى وخاصة القدامى أحرار، فهؤلاء أحق بالتكريم الوحيد حريتهم من مقابر الارقام وثلاجات الاحتلال وسجونه الظالمة”.