لم تكُن التحرّكات المكوكية التي يجريها الوسطاء مع المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، إلّا محاولةَ ابتزاز لثني الفصائل عن التصعيد خلال فترة «الأعياد اليهودية»، وهو ما ظَهر في صورة أزمة مالية باتت تعانيها حكومة القطاع، فضلاً عن تصاعد الأحداث على حدوده.
ونقلت صحيفة الأخبار اللبنانية، عن مصادر في حركة حماس قولها:” أن الدور القطري كان «سلبياً» في هذا المجال، بعدما تماهت الدوحة مع الرؤية الإسرائيلية لابتزاز المقاومة، وذلك من أجل ضمان الهدوء مع الاحتلال، وقرّرت تأخير المساعدات المخصّصة للموظّفين الحكوميين هناك، إلى حين انتهاء «الأعياد اليهودية»، متذرّعةً بأن هناك رفضاً إسرائيليّاً لإدخال المنحة المقدّرة بـ10 ملايين دولار، والتي قُلّصت، خلال الأشهر الماضية، لتصبح ثلاثة ملايين.
وفي هذا الإطار، أبدت حركة «حماس» انزعاجها من دور المندوب القطري، محمد العمادي، الذي ينقل رسائل التهديد الإسرائيلية إلى المقاومة، وهو ما تلقّى على إثره انتقادات لاذعة من قِبَل قيادة الحركة بسبب عدم تجاوبه مع التعهّدات السابقة والمطالب «الحمساوية» بتحسين واقع الغزّيين.
ونتيجة الأزمة المالية الخانقة، اضطرّت حكومة «حماس» لتقليص نسبة ما تصرفه من رواتب للموظّفين، من 60% إلى 55%، وذلك بفعل تأخُّر المنحة التي تشمل الموظّفين الحكوميين، الأسرى وعائلات الشهداء. وتشير المصادر «الحمساوية» إلى أن الاحتلال يعتقد أن في إمكانه ابتزاز المقاومة في غزة، أو شراء الهدوء بالأموال والمنح، مؤكدةً أن ثبات الحركة على أهدافها الاستراتيجية، وخاصّة دعم المقاومة في الضفة الغربية، سيتواصل، كاشفةً أنها أَرسلت رسائل عدّة عبر الوسطاء في شأن الأوضاع في القطاع، وحذّرت من أن التصعيد الشعبي سيكون كبيراً في ظلّ المحاولات الإسرائيلية المساس بالمسجد الأقصى، وأيضاً في ظلّ إجراءات تشديد الحصار على غزة.
وبالتزامن مع تأخّر المنحة القطرية، مدّدت سلطات الاحتلال، قبل يومين، إغلاق معبر «بيت حانون» (إيريز) الحدودي مع غزة، الذي بدأته الجمعة الماضي، ما يَحرم قرابة 20 ألف عامل في القطاع من الوصول إلى أعمالهم داخل الأراضي المحتلّة. ووفق وسائل إعلام عبرية، قرّر وزير الأمن، يؤآف غالانت، إبقاء المعبر مغلقاً أمام دخول العمّال الغزّيين، وذلك عقب المواجهات على السياج الفاصل شرق القطاع، فيما أشارت صحيفة «يديعوت أحرونوت» إلى استعداد الجيش الإسرائيلي لاحتمال حدوث تصعيد جديد، بعد استئناف «مسيرات العودة» على طول حدود غزة، والعودة إلى ما وصفتها «أعمال الشغب» من خلال حرق الإطارات المطاطية ورشق الحجارة وإلقاء المتفجرات. ويخشى الاحتلال من أن تسمح «حماس» لاحقاً بإطلاق الصواريخ من غزة في اتجاه المستوطنات القريبة، خصوصاً بعد الإعلان عن استشهاد فلسطيني شرقي خانيونس، وإصابة 9 آخرين، جرّاء رصاص القنص الإسرائيلي. بينما تُقدّر مصادر في الجيش الإسرائيلي أن الحركة «تسمح بهذه الأحداث على الحدود، ولكنها لا تبادر إليها». ونبّهت «يديعوت أحرونوت» إلى أن الجيش الإسرائيلي «يستعدّ لتصعيد ردود أفعاله، بما يتجاوز إغلاق معبر إيريز أو مهاجمة مواقع فارغة لحركة حماس عند الحدود»، وهو ما قد يدفع إلى تصعيد أكبر، مبينةً أنه في حال استمرّت تلك الأحداث وتفاقمت، فإن «فرقة غزة» في جيش العدو مستعدّة لمزيد من الخيارات، من بينها سيناريوات تتعلّق بمشاركة أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين في المسيرات، إلى جانب وضع مزيد من الحواجز الهندسية وأجهزة الاستشعار لخلق منطقة عازلة أكبر على الحدود وآمنة نسبياً بالنسبة إلى الجنود.
من جهته، قال المحلّل الأمني في صحيفة «ميكور ريشون» العبرية، نوعم أمير، إن «حماس» شخّصت، خلال الفترة الماضية، أن هناك فرصة للضغط على إسرائيل، للحصول على تسهيلات جديدة، وقد صُدمت عندما وصل السفير القطري بنصف المنحة المتّفق عليها، إذ كان بحوزته 13 مليون دولار فقط، بدلاً من 25 مليوناً تُحوَّل كلّ شهر، ودخل ومعه رسالة معدّة مسبقاً بأن الأموال مخصّصة هذه المرّة فقط للمواطنين، والمبلغ المقدّم لتمويل التنظيم احتُجز كضمان للهدوء إلى ما بعد «الأعياد اليهودية»، مشيراً إلى أن هذا العمل كان منسّقاً بين إسرائيل ومصر والقطريين.