كتب: د. هاني العقاد
الكل يدرك بان دولة الاحتلال لا تضلل هذه المرة عندما تصرح أكثر من قناة إعلامية وعلى لسان مسؤولين عسكرين ان جيش الاحتلال لم تتناقص كفاءته الي هذا الحد خلال العقود الماضية وتقول التقارير ان 25% من الطيارين وضباط القوات الجوية لا يتدربون ولا يلتحقون بالطلعات الجوية ,وقال محللون عسكريون إسرائيليون ان كفاءة الجيش هذه الآونة اسوأ بكثير مما يقال بسبب استمرار الحكومة في تطبيق خطوات وتشريعات اضعاف القضاء بالإضافة للصراع المحموم بين المحكمة العليا وكبار الموظفين في الحكومة , واعتبر بعض المحللين ان التوتر في جيش الاحتلال والأذرع الأمنية المختلفة سببه الازمة العميقة في المجتمع الإسرائيلي وهي التي تؤثر على كفاءات وتماسك الجيش, واعتقد ان هذا من شانه ان يؤثر على قدرة جيش الاحتلال الشروع بعمليات عسكرية كبيرة علي أي من الجبهات الساخنة سواء في غزة او لبنان او سوريا, وسيؤثر على قدرة الجيش بالتالي على شن حرب كبيرة بالتوازي مستهدفا هذه الجبهات بالاغتيالات أولا لتحقيق اهداف أهمها اعادة الردع لمنظومته الأمنية ,وثانيا وقف حالة الانقسام في المجتمع الإسرائيلي وتوحيد الشارع خلف الائتلاف الحكومي باعتباره يقود حرب كبيرة يري من خلالها استعادة الامن في الضفة.
نتنياهو امام هذا الوضع المعقد الذي يواجهه في الداخل الإسرائيلي والتحديات الكبيرة امامه باستعادة الامن والهدوء بالضفة الغربية بعد زيادة العمليات الفدائية العسكرية في الضفة الغربية والتي بدأت تأخذ شكل اكثر تنظيما عن الماضي وباتت هناك عملية اندماج بين العمليات الفردية والعمليات الموجهة والذي يتهم نتنياهو قائد حركة حماس المسؤول الأول عن حماس في الضفة الغربية صالح العاروري بالوقوف وراء تنفيذها , هنا تنحصر خيارات نتنياهو في عمل عسكري لابد منه لكن السؤال الذي كان ومازال يحيره ويطرحه على الخبراء العسكريين والأمنيين اين سيكون هذا العمل هل هو في الضفة ..؟ لوأد المقاومة وتفكيك ازرعها وكتائبها والقضاء عليها في علمية شاملة للشمال أي جنين ونابلس وطولكرم باعتبار ان هذه العملية ضرورية ويعتقدوا انها أسهل العمليات ولا تقود لحرب شاملة على أكثر من جبهة يضطر الجيش لخوضها تكشف مساراتها عجز الجيش بعد الخسارة المتوقعة والفشل الحقيقي في استعادة الردع للجيش نتيجة لتقهقره ووقف الحرب التي يشنها دون ان يحقق أي هدف بل العكس فانه دفع ثمن كبير كان يتفاداه في كل مواجهة. ام ان العمل العسكري يكون غزة؟ لتدفيع حركة حماس والجهاد الإسلامي الثمن لقاء توجيهها وتبنيها عمليات فدائية قتل فيها إسرائيليين بالضفة الغربية وبالتالي العمل مع أطراف اخري لتحييد حركتي حماس والجهاد بعد هذه الحرب عن دعم وتوجيه المقاومة في الضفة الغربية، ام ان العمل العسكري التي تريد دولة الاحتلال تنفيذه باغتيال السيد العاروري او النخالة او نائبيهما في لبنان او سوريا دون الاكتراث بتهديدات السيد حسن نصر الله الذي قال عنه ” ان أي اغتيال لاي فلسطيني او لبناني او إيراني على الأرض اللبنانية لن يسكت عنه حزب الله؟ .
نتنياهو يعيش أخطر ازمة في حياته تتضاعف بفعل دفع ائتلافه له بالغوص في وحل الفشل حتى أذنيه بعد ان وصل للخاصرة معتقدا ان المزيد من التصعيد تجاه الفلسطينيين وشن حرب مفتوحة قد يحقق الامن، الامن المستحيل تحقيقه في الماضي والحاضر بالقوة وبالحرب وأصبح مستحيلا في ظل مخططات احتلالية يمينية متطرفة لحسم المشهد في الضفة الغربية والقدس لصالح المشروع الاستيطاني الكبير الذي يقضي على أي امل للفلسطينيين في دولة فلسطينية مستقلة وقابلة للحياة ينتهي مع اقامتها الصراع. الحقيقة ان نتنياهو خلال اجتماعه الأخير مع قادة الامن والجيش والشابك والموساد في (الكرياه) وُضع امام خيارات ابسطها صعب تحقيقه لأنه يريد الاحتفاظ بمجموعة متناقضات لا يمكن ان تتوافق الامن والاحتلال والاستيطان والتهويد وتغير الخارطة السياسية والفلسطينية وتطبيق الحل الاقتصادي مع الفلسطينيين. الاجتماع الأخير في( الكرياه) ناقش بشكل رئيسي شن عمليه عسكرية على شمال الضفة الغربية يتم خلالها اجتياح كبير وبقوات كبيرة نابلس وجنين وطولكرم وقد تكون طوباس وسلفيت مرشحة ونتوقع ان تكون خارطة العمل العسكري التي قدمها قادة الامن تركز على فصل شمال الضفة عن جنوبها وبالطبع ناقش المجتمعون في (الكرياه) ايضا تداعيات عمليه كهذه بدخول جبهات اخري على دائرة الاشتباك مع الاحتلال الإسرائيلي في غزة ولبنان ومدي قدرة الجيش التعامل مع هكذا احتمالات.
ما يجعلنا نرجح قيام الاحتلال بعملية عسكرية كبيرة هو تقديرات جيش الاحتلال بان المستقبل في الضفة مخيف وخطير بعد التوصل لتطوير الصواريخ وتهريب الأسلحة الأتوماتيكية والأخطر العبوات الناسفة التي يقول عنها الاحتلال انها من صنع إيراني وإذا لم يبادر بهكذا علميه فان الضفة في طريقها لتصبح غزة ثانية وبالتالي يصعب التعامل معها بسبب قرب المستوطنات الكبرى من المدن والمخيمات الفلسطينية الشمالية الملتهبة ,وتقول التقارير بالصحف العبرية ان جيش الاحتلال توصل الي هذه الاستنتاجات بعد استخدام رجال المقاومة في نابلس الأسبوع الماضي عبوة شديدة الانفجار نصبت امام دورية راجلة أدت لمقتل ضابط وإصابة ثلاثة جنود من سلاح المشاة. ما يدعوانا لترجيح مثل هذا العمل العسكري العدواني ضد الضفة الغربية انه يُعتقد ان عملية عسكرية واسعة ستعيق تطوير رجال المقاومة قدراتهم العسكرية وسيقطع الاتصال بين رجال المقاومة في الضفة والخارج سواء في غزة او لبنان وحتى يحين الوقت المناسب للموافقة السياسية لتنفيذ هكذا عدوان سيستمر جيش الاحتلال في توجيه ضربات متتالية لرجال المقاومة هناك بالاغتيال والملاحقة عبر اقتحامات قصيرة وسريعة لبعض المدن التي يتمركز فيها رجال التنظيمات. السؤال الذي لا يجد نتنياهو والمؤسستين العسكرية والأمنية إجابة له هو، ماذا عن اليوم التالي لاحتلال شمال الضفة؟ هل تقبل السلطة وقواتها إعادة الانتشار في هذه المناطق إذا ما انسحب الجيش؟ ام ان جيش الاحتلال سيضطر للبقاء هناك شهور حتى يضمن تحقيق الهدوء وهو يعرف انه قد يكون هدوء مؤقت سرعان ما تلتهب المناطق من جديد وتستعيد المقاومة ورجال العمليات الفردية عافيتها وتباشر المواجهة والاشتباك بطريقتها مع الاحتلال ومستوطنيه في الداخل المحتل وارض الضفة الغربية.