كشفت مصادر مصرية مطلعة على الوساطة التي تقودها القاهرة بين فصائل المقاومة الفلسطينية وحكومة الاحتلال، أن “الإدارة الأميركية انخرطت بقوة خلال الأيام القليلة الماضية، في اتصالات مع عدة أطراف إقليمية في مقدمتها مصر، لمنع اندلاع مواجهة شاملة خلال الفترة الراهنة، في ظل مخاوف أميركية إسرائيلية، من دور إيراني في تلك المواجهة، في حال اندلاعها”.
وقال مصدر مصري لـ”العربي الجديد” إن “الإدارة الأميركية أجرت خلال الأيام القليلة الماضية اتصالات مكثفة مع المسؤولين في مصر من أجل الضغط على حركتي حماس والجهاد الإسلامي، لوقف أعمال المقاومة في الضفة الغربية، في ظل استشعار محاولات مقصودة لتسخين الجبهة اللبنانية، والضغط على حكومة الاحتلال، تنفيذاً لأجندة إيرانية”.
وأضاف المصدر أن القاهرة “تدخّلت لمحاولة لجم المخططات الإسرائيلية، الرامية لتوجيه ضربة لحركة حماس ممثلة في اغتيال العاروري الموجود في لبنان، والذي تحمّله حكومة الاحتلال مسؤولية التصعيد في الضفة الغربية”.
وتابع أن “المسؤولين في جهاز المخابرات العامة، طالبوا مسؤولين أمنيين في إسرائيل، بوضع حد للتصريحات الإعلامية، وأي خطط أمنية متعلقة بنقل المواجهات أو العمليات العسكرية خارج النطاق الجغرافي للضفة أو استهداف أي من القيادات السياسية والعسكرية العليا في حماس والجهاد خارج الضفة”. واستدرك: “في الوقت ذاته تواصل المسؤولون المصريون مع قيادة حماس خلال الساعات الأخيرة، مؤكدين لهم جدية الخطط الأمنية الرامية لاستهداف قيادات بالحركة في لبنان على رأسها العاروري”.
حديث المصدر المصري بشأن رسائل اغتيال العاروري، أكده مصدر قيادي في “حماس” في قطاع غزة، تحدث لـ”العربي الجديد”، لافتاً إلى أن القاهرة “نقلت ضمن رسائل الوساطة، تحذيرات مشددة بشأن سلامة العاروري”، كاشفاً عن أنه “خلال الأيام الأخيرة تم تشديد تأمين العاروري وفرض مزيد من السرية على تحركاته واتصالاته”.
من جهته، قال المتحدث الإعلامي باسم حركة “حماس”، حازم قاسم، لـلصحيفة إن “الموقف بين المقاومة والاحتلال، هو الصدام الدائم في كل الساحات، خصوصاً في ظل تصاعد غير مسبوق للعدوان على شعبنا ومقدساته”. وأضاف أن “الوسطاء وتحركهم في كل مرة يصطدم بسلوك العدو الصهيوني العدواني والغادر”.
وحول التدخّلات الأميركية ومحاولات الوساطة التي تقوم بها واشنطن، قال قاسم إن “الإدارة الأميركية تشجع الاحتلال على تصعيد عدوانه، باستمرار دعمها له ولسلوكه العدواني، وتوفير غطاء له في المحافل الدولية”.
وأكد قاسم أن الحركة “تتعامل على أنها في معركة مفتوحة مع الاحتلال على كل المستويات”، قائلاً إن “أي رغبة في التهدئة لا يمكن أن تنجح في ظل عدوان خطير وتهديدات متواصلة، ولذلك فإن المقاومة ستواصل نضالها في كل الساحات وفي الضفة الغربية، على الرغم من كل التهديدات”. وشدد على أن “الاحتلال يتحمل المسؤولية الكاملة عن تداعيات تفجر الأوضاع، في ظل الهجمات على الأقصى، وعمليات الإعدام في الضفة، واستمرار الحصار على غزة”.
في السياق، قال القيادي في حركة “الجهاد الإسلامي” خالد البطش، إن “رفع مستوى التهديد لقيادة المقاومة في الداخل والخارج، جاء لإسكات غضب الشارع الإسرائيلي، واسترداد شيء من كرامة نتنياهو المهدورة في ظل التظاهرات الداخلية في إسرائيل والأزمات، وهذا التهديد، قوبل بموقف حاسم من قبل المقاومة الفلسطينية واللبنانية حماس والجهاد وحزب الله”.
وتابع: تصريح (الأمين العام لحزب الله حسن) نصر الله كان حاسماً وسبباً رئيسياً في عدم توجيه ضربات الاغتيال لقيادة المقاومة في بيروت، لكن هذا لا يعني إيقاف خطة الاغتيال التي قد تكون في ساحة أخرى غير غزة ولبنان، وذلك يستوجب منا الاستعداد لمواجهة الاحتلال في كل الساحات”.
وحول جهود الوسطاء، قال البطش: “لا يوجد وسطاء في ملف الاغتيالات، ولم يتصل أحد بهذا الشأن، فالتهديدات الإسرائيلية بالاغتيالات معلنة في الإعلام، ولا أحد يتدخل لوقفها”. وأضاف: “المطلوب ليس وسطاء بيننا وبين الاحتلال ليمنعوا المقاومة عن الرد في حال وقوع الجريمة، المطلوب تدخّل دولي وأممي وعربي لحماية المقاومة والشعب الفلسطيني من تغول الاحتلال ووقف التهديدات ومحاسبة من يغتال الناس على مرأى العالم… المطلوب وقف الاغتيالات وليس منع رد المقاومة”.
وأشار البطش إلى أن “الموقف الأميركي طيلة فترة الصراع مع العدو الصهيوني، ليس محايداً ولا نزيهاً، بل منحاز لإسرائيل ويتدخّل في اللحظة التي تكون فيها إسرائيل مهددة وفي موقف ضعيف. أما أن يتدخّل لوقف الظلم عن الفلسطينيين، فلم يحدث تاريخياً، وبالتالي فإن التدخّل الأميركي أداة لحماية إسرائيل ورافعة لأمنها القومي على حساب شعبنا”.
وتابع: “الوضع الفلسطيني الراهن، هو أن شعباً تحت الاحتلال، والمقاومة حق مشروع في كل أماكن وجوده التي يمكن فيها حمل السلاح ومجابهة المحتل بكل الأشكال. نحن أبناء الشعب الفلسطيني المحتل، نسعى بكل السبل لطرد الاحتلال عن أرضنا، لا سيما في ظل الخلل الكبير في ميزان القوى بيننا وبينه، وفي ظل غياب الدور الفاعل والنشط للأمة في تحرير فلسطين والمقدسات الإسلامية والمسيحية، وفي ظل تطبيع عربي جارف نحو الاحتلال”.
ولفت البطش إلى أن “المهام ثقيلة على كاهل قيادة المقاومة الفلسطينية، وعلى الرغم من كل هذه المعوّقات الكبيرة، إلا أن المقاومة استطاعت أن تشق طريقها في الضفة عبر كتائب المقاومة في كل المدن والمخيمات، وعبر الأذرع العسكرية لقوى المقاومة، كسرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد، وكتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس، وكتائب شهداء الأقصى، وغيرها”.
وتابع: “نحن في مواجهة مفتوحة مع المحتل، لأن المستوطنين الصهاينة يعيثون في الأرض فساداً، من دون أن تحمي السلطة الفلسطينية وأجهزتها بيوت الفلسطينيين الآمنين في حوارة وترمسعيا، ومن دون أن يقوم جيش الاحتلال بوقف المستوطنين، وبالتالي لا حل سوى الكفاح المسلح لمواجهة الاحتلال ومستوطنيه وخطة حسم الصراع التي تقودها حكومة المستوطنين في الضفة، وملء الضفة بالاستيطان”. وختم بالقول: “لا بديل عن عمليات المقاومة المسلحة على يد السرايا والقسام وبقية الفصائل المقاومة المستمرة في كل مكان للدفاع عن الحقوق”.
من جهته، قال الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني طلال عوكل، إن هناك “جهداً أميركياً حقيقياً لفرض الهدوء وخفض التصعيد – من موقع رؤيتها لمصلحة إسرائيل – ومن أجل ذلك، تعمل على عدة مستويات مع عدة أطراف لتحقيق الهدوء”.
وأوضح عوكل أن “الجهود الأميركية إلى جانب الحديث مع الوسطاء المعتمدين في ملف الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، طلبت مراراً من إسرائيل أيضاً، خفض التصعيد في الضفة، وتقديم تسهيلات لتقوية السلطة الفلسطينية”. وأشار إلى أن “الولايات المتحدة، أرسلت مندوباً إلى لبنان، لخفض التوتر بين حزب الله وإسرائيل، الأمر الذي يشير إلى خوف أميركي إسرائيلي من حرب تتوقع أن تنخرط فيها جبهات متعددة، في ظل الأزمة العميقة التي تضرب إسرائيل وربما لإتاحة الظروف للاستفراد بقطاع غزة”.
بدوره، قال أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر في قطاع غزة، مخيمر أبو سعدة، “أعتقد أن واشنطن لا تريد تشتيت التركيز على حرب روسيا على أوكرانيا، وإبقاء الدعم الغربي هناك. وثانياً الإدارة الأميركية تعمل حالياً على توقيع اتفاقية تطبيع بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل، وذلك قبل البدء بالحملة الانتخابية في عام 2024، ولذلك فإن أي تصعيد في الأراضي الفلسطينية أو لبنان، من شأنه تعقيد الأوضاع السياسية في المنطقة، وتأخير اتفاق التطبيع”.
وأضاف أبو سعدة: “الشعب الفلسطيني والمقاومة الفلسطينية في مواجهة حكومة إسرائيلية يمينية فاشية تحاول فرض واقع جديد في الضفة الغربية من خلال تسريع وتيرة الاستيطان والتهويد وضم الضفة الغربية، ومن ضمن الإجراءات الأخيرة، محاولة وزير الأمن القومي الاسرائيلي إيتمار بن غفير، التضييق على الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، بتحديد زيارة واحدة كل شهرين، بدلاً من زيارة شهرياً، ولذلك نشهد أخيراً عمليات جريئة للمقاومة لإفشال المخطط الإسرائيلي”.
في موازاة ذلك، كشف المصدر المصري عن “زيارة خاطفة قام بها وفد أمني مصري إلى العاصمة اللبنانية بيروت منتصف الأسبوع الماضي، أجرى خلالها لقاءات مع مسؤولين في حركتي حماس والجهاد في بيروت”. وأوضح المصدر أن “لقاءات الوفد الأمني المصري – الذي ضم مسؤولين عن الملف الفلسطيني في جهاز المخابرات العامة – تضمنت لقاءً مع شخصية بارزة في حزب الله اللبناني”، لافتاً إلى أن اللقاءات “كانت تهدف إلى إجراءات عاجلة من أجل خفض التوتر سواء على الحدود اللبنانية أو في الضفة الغربية، وأن الرسائل التي حملها الوفد كانت أميركية في مجملها”.
وأشار المصدر إلى أن “زيارة الوفد المصري سبقت زيارة وزير الخارجية الإيراني أمير حسين عبد اللهيان”. وبحسب المصدر المصري، فإن “هناك مخاوف أميركية من زيادة النشاط الإيراني بالمنطقة، في إطار تزايد معدلات الحرب غير المعلنة بين طهران وتل أبيب”.
وكشف المصدر عن أن “من بين أهداف المساعي الأميركية الأخيرة تهيئة الأجواء من أجل عقد اجتماع جديد على مستوى السلطة الفلسطينية ومصر والأردن بمشاركة مسؤولين من الإدارة الأميركية، يكون امتداداً لاجتماعي النقب وشرم الشيخ”.
وأوضح أن القاهرة “لا تزال تتبنى رؤية قائمة على تعظيم التسهيلات المقدمة لقطاع غزة، من أجل جعل حركة حماس أكثر حرصاً على التمسك بجهود التهدئة وعدم إشعال أي حروب جديدة، على الأقل في الوقت الراهن”، بحد تعبير المصدر الذي أشار إلى أنه “كلما زادت الأوضاع المعيشية في غزة صعوبة، كانت حماس أكثر ميلاً للتصعيد العسكري من أجل لفت الانتباه”.
وكان عبد اللهيان قد عقد اجتماعاً مع قيادتي “الجهاد الإسلامي” و”حماس” في العاصمة اللبنانية بيروت، جرى خلاله “بحث سبل دعم الشعب الفلسطيني ومقاومته”.