معاريف – بقلم تال ليف رام- إجازة الصيف انتهت، والأعياد على الأبواب، والجيش الإسرائيلي يستعد لفترة محملة بتحديات أمنية وداخلية على حد سواء. ما تحمله الساحة اللبنانية، وتصريحات وزير الدفاع يوآف غالانت بعد لقاء مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في نيويورك، إلى جانب تصريحات حسن نصر الله بأن أي تصفية تنسب إلى إسرائيل على أراضي لبنان ستؤدي إلى رد فعل – كلها تشير ظاهراً إلى ارتفاع آخر في التوتر على طول الحدود الشمالية، لكن بالحذر الواجب.
في الأسبوعين الأخيرين يشخص جهاز الأمن عدة علامات تشير إلى انخفاض صغير في مستوى التوتر. في القاموس العسكري يمكن أن نسمي هذا كنقرة إلى الوراء اتخذتها قيادة “حزب الله” في كل ما يتعلق باستفزازات الجدار. لعلها محاولة للتحكم أكثر بالأعمال الميدانية لنشطاء “حزب الله”.
بالمقابل، يجدر بالذكر أنه عندما تبني إسرائيل السور والعائق في الشمال بوتيرة سريعة، فسيستمر الاحتكاك على الحدود، بل وقد تقع أحداث شاذة. قضية الخيمة في الأراضي الإسرائيلية في “هار دوف” لم تحل بعدُ، وكل حدث يتمثل باعتداء شاذ في سوريا لا بد إذا كان فيه مصابون أن يغير الصورة بسرعة.
وعليه، فإن التوتر مع “حزب الله” في لبنان سيرافقنا في الأشهر القادمة أيضاً. لكن إلى جانب عوامل التوتر، طوافة التنقيب عن الغاز التي وصلت إلى لبنان كجزء من تنفيذ الاتفاق مع إسرائيل، والموفد الأمريكي عاموس هوكشتاين الذي يزور المنطقة في محاولة لتقليص عوامل التوتر، تؤشر إلى اتجاه محتمل لتخفيض مستوى اللهيب. تصريحات وزير الدفاع غالنت والسفير جلعاد اردان هذا الأسبوع في الأمم المتحدة، والإحساس وكأنهما ألمحا بأن المواجهة مع “حزب الله” تقترب، يجب أن تؤخذ بالحسبان أيضاً كرسالة سعى الرجلان لنقلها إلى مسؤولي الأمم المتحدة قبيل تجديد تفويض قوات اليونيفيل في جنوب لبنان، وذلك كجزء من ممارسة الضغط على أجهزة الأمم المتحدة للعمل بشكل مصمم أكثر حيال “حزب الله” في ضوء خروقات كثيرة لقرار 1701 وتهديد حقيقي بأن التفويض المتجدد الذي سيعطى لقوات الأمم المتحدة في لبنان هذه المرة سيكون أضيق بكثير.
من الجانب الآخر، يبدو أن الأمين العام لـ “حزب الله” نصر الله، تعاطى هذا الأسبوع مع التهديدات غير الخفية من جانب المسؤولين الإسرائيليين تجاه مسؤول حماس صالح العاروري، الذي يسكن في لبنان ومسؤول من الذراع العسكري لحماس على النشاط “التخريبي” في “المناطق” [الضفة الغربية].
يفهم نصر الله أن من يسعى لتصفية أحد ما على أراضي لبنان كان سيتحدث عن ذلك أقل ويفعل أكثر؛ إذ لو نوى ذلك لأطلق النار دون كلام زائد. واختار أن يرسم هذا الأسبوع مجال الحصانة لمسؤولي “الإرهاب” الفلسطينيين في لبنان، خصوصاً كإشارة واضحة على المعضلة الإسرائيلية في محاولة لتصميم حدود واضحة بموجبها أن تصفية زعيم فلسطيني هي أيضاً ستؤدي بالضرورة إلى تصعيد أمني، بل وربما إلى حرب في الشمال.
طبول الحرب التي تعاظمت هذا الأسبوع، مصدرها هذه المرة تصريحات ذات طابع مهدد على نحو خاص من الطرفين لكن بقدر أقل بسبب أحداث وقعت على الأرض، معلومات تبشر باقتراب الحرب أو إخطارات من نوايا عملية من جانب “حزب الله”. في الواقع الشرق الأوسطي المحتدم، قد يقع هذا في أي لحظة، لكن رغم ارتفاع تصريحات التهديد درجة، يعتقد جهاز الأمن أن إسرائيل و”حزب الله” ليسا في وضع عشية حرب.
مستوى التهديدات يرتفع
الساحة الفلسطينية هي الأكثر تفجراً. يشخص جهاز الأمن دوماً فترة الأعياد بأنها ذات حساسية أمنية عالية. وهذا واضح على نحو خاص هذه السنة، حين يشهد مسلسل العمليات والأحداث الأمنية في الأسبوع الأخير على أبخرة الوقود التي في الهواء.
حماس، كما يقدر جهاز الأمن، ستصعد جهودها في الفترة القادمة لضعضعة الوضع الأمني في الضفة، وفي إسرائيل أيضاً. ربط الساحات هو هدف مركزي في فكر حماس منذ حملة “حارس الأسوار”، وهو يرتبط أيضاً بالمصالح وبدعم متزايد من إيران للمنظمات الفلسطينية.
في الأسبوع الأخير، بعد فترة طويلة من الهدوء النسبي، يبدو أن قطاع غزة يستيقظ هو الآخر حين تسمح حماس وتوجه أعمال إخلال عنيفة بالنظام على الجدار.
مستوى التهديدات يتصاعد من جانب قيادة حماس، ومن غير المستبعد أن ستستأنف نار الصواريخ من القطاع في مرحلة معينة مثلما يحصل بشكل عام. تعتقد إسرائيل أن قسماً من الانعطافة التي تجري الآن بالتدريج في قطاع غزة يرتبط أيضاً بجهود حماس المعروفة للحصول على مال أكثر ومساعدة اقتصادية من القطريين ومن جهات دولية أخرى، وكذا محاولة للضغط على إسرائيل للحصول على تسهيلات مدنية واقتصادية إضافية.
حتى لو تحقق هذا الادعاء، فإن تداخل التصعيد المتواصل في الساحة الفلسطينية في الضفة، إلى جانب استئناف أعمال الإخلال العنيفة بالنظام على جدار القطاع هما تذكير بالمستقبل من خلال تجربة الماضي بأن وضعاً أمنياً يتدهور في الضفة سيؤدي إلى حملة كبيرة في قطاع غزة في نهاية الأمر.
لا يدور الحديث عن مسيرة تجري في يوم واحد، وهذا كفيل بأن يحصل بالتدريج، لكن استئناف أعمال الإخلال بالنظام على الجدار، بالتوازي مع المعضلة الإسرائيلية فيما إذا كان ينبغي جباية ثمن من حماس في قطاع غزة بسبب توجيه وتمويل العمليات في الضفة وفي أراضي “إسرائيل” ستشدد التوتر في هذه الساحة أيضاً في الفترة القريبة القادمة.
شهر لسان الميزان
يبدو أن ما يقلق الجيش الإسرائيلي أكثر من التوتر في الساحات الأمنية، هي آثار الأزمة العميقة في المجتمع الإسرائيلي على أهلية ووحدة الجيش. يعدّ أيلول وتشرين الأول شهرين دراماتيكيين من هذه الناحية. الشهر الأخير حتى وإن لم تسجل فيه تطورات جديدة مع رجال الاحتياط، فإنه لم يحسن للجيش. كل من أعلن الاعتزال أو تجميد خدمة الاحتياط يكاد بدا أنه مصر على عدم العودة للخدمة.
المعنى الفوري يكمن في سلاح الجو؛ ذلك أن أكثر من 20 في المئة من عموم طياري الاحتياط وحجم نحو 25 في المئة من الطيارين القتاليين، لا يتدربون منذ شهرين. ولا يهم أن نصفهم قد أبلغوا قادتهم بأنهم سيتوقفون عن الطيران بسبب الاحتجاج، وقسم آخر لأسباب أخرى؛ لإبقاء العودة مفتوحاً.
في تشرين الأول ستكون مناورات احتياط كبرى، ففي أيلول ستنكشف صورة أوسع مما يقدر الجيش في كل ما يتعلق بالامتثال للخدمة وأساساً في قيادة سلاح الجو، إلى جانب أماكن أخرى كسلاح البحرية، وقيادات هيئة الأركان العامة، وقيادات “المناطق” [الضفة الغربية]. يأمل الجيش بأن صورة الفجوات التي ستنكشف ستكون عملياً أدنى من التقديرات الحالية، لكن من الصعب في هذه اللحظة أن نلاحظ تفاؤلاً في هيئة الأركان في هذه المسألة.
إن تصعيد الاحتجاج سيؤدي مباشرة إلى تفاقم الأزمة داخل الجيش. فإلى جانب الالتماسات للعليا في مسألة علة المعقولية، يرى الجيش أن مسألة قانون التجنيد والقانون الأساس وتعليم التوراة موضوعاً مركزياً كفيلاً بأن يؤثر على الجيش وليس فقط على منظومة الاحتياط.
إلى جانب الخوف من بعض الضرر الذي قد يلحق بأهلية الجيش للحرب في الأشهر القادمة، بسبب الأزمة العميقة في سلاح الجو والاعتزالات الأخرى لضباط الاحتياط في منظومات إضافية إذا ما سجل تصعيد آخر في الأزمة الداخلية – فإن لهيئة الأركان آثارها على المدى البعيد.
وهي مسألة كفيلة بأن تكون لها آثار مستقبلية بعيدة المدى على الدوافع للخدمة القتالية. وفقاً لمعطيات تجنيد آب الماضي، لم يحدث أي تأثير، بل كانت عالية. من الصعب تقدير صورة الوضع في تجنيد تشرين الثاني، لكن معقول الافتراض أنه لن تكون هنا صور دراماتيكية بعد، وعليه فإن النظر في هذا السياق هو للمدى الأبعد، وكفيل بأن يكون لمسألة المساواة في العبء وزن أكبر مما في الماضي هذه المرة.
في محادثات غير قليلة أجريها مع أهالي الفتيان قبيل التجنيد، من الصعب تجاهل الإحساس بأن مزيداً من الأهالي ممن خدموا هم أنفسهم في الخدمة القتالية يطرحون علامات استفهام على الخدمة القتالية لأبنائهم.
في مسألة أخرى تتعلق برفض التجنيد للجيش من جهة مرشحين للخدمة، رغم منشورات مختلفة وكتب فتيان تنشر في وسائل الإعلام، فالجيش لا يشخص تغييراً في الميل. بين خمسة وعشرة شبان لا يتجندون للجيش على خلفية رفض أيديولوجي ففي كل سنة، ولا تغيير في ذلك حتى الآن. ما يقلق الجيش هو ميل المس بالدافع للخدمة القتالية، وهي مسيرة لم يكن مهماً تشخيصها بشكل واضح إلا بعد سنة فأكثر.
في السطر الأخير، يحدد الجيش أيلول على أنه الشهر الذي سيكون بمثابة لسان الميزان. إن إيجاد حلول وتوافقات ومساومات بين الأطراف في مسألة الإصلاح القضائي وقوانين التجنيد، كفيل بأن يساعد الجيش في عملية إعادة البناء التي يحتاجها.
في تقدير أكثر تشاؤماً ويبدو أكثر واقعية يتمثل باحتدام الأزمة في المجتمع الإسرائيلي، يحذر الجيش من أن تصبح الآثار والمضاعفات ملموسة مباشرة بالجيش. مثل استيقاظ الاحتجاج الذي سيقع في مراكز احتكاك كثيرة في أيلول.
الشهر القريب يلوح كمركب وقاس جداً للجيش في تحديات الأهلية ووحدة الصفوف. ووزير الدفاع يوآف غالنت ورئيس الأركان هرتسي هليفي، سيواصلان عكس خطورة الوضع لرئيس الوزراء نتنياهو.