ذكرت وكالة “بلومبيرغ” الأمريكية الجمعة 25 أغسطس/آب، أن الاتفاق غير الرسمي بين الولايات المتحدة وإيران بشأن تدفقات النفط بدأ يدخل حيز التنفيذ من أجل إبقاء الأسعار تحت السيطرة، لافتاً إلى أن الاتفاق غير الرسمي على ما يبدو جاء خلال أشهر من الدبلوماسية السرية بين البلدين والتي أسفرت عن تقدم في تبادل الأسرى، والإفراج عن الأصول المجمدة.
وفي تقرير للوكالة الأمريكية، رصد حجم صادرات طهران من النفط خلال الفترة الماضية، كما سلط الضوء على العقبات اللوجستية التي تواجه إيران في زيادة صادراتها والتي تجعل من القيود المفروضة على الوصول إلى النظام المصرفي الدولي من الصعب على إيران الحصول على أموالها، حرمانها من من الشحن والتأمين الدوليين.
تخفيف بعض العقوبات على النفط
التقرير أشار إلى أن المسؤولين الأمريكيين يعترفون سراً بأنهم خففوا تدريجياً بعض العقوبات المفروضة على مبيعات النفط الإيراني، وقد أعادت طهران إنتاجها إلى أعلى مستوى منذ بدء الحظر قبل خمس سنوات، وتقوم بشحن أكبر كمية من خامها إلى الصين منذ عقد من الزمن، والمسؤولون الإيرانيون واثقون من أنهم سيضخون المزيد قريباً.
الوكالة أوضحت أن إبقاء تكلفة البنزين – التي تقترب الآن من 4 دولارات للغالون في الولايات المتحدة- تحت السيطرة قد يساعد أيضاً في حملة إعادة انتخاب الرئيس جو بايدن في عام 2024.
“لعبة دبلوماسية الطاقة التقليدية”
من جانبها، تقول هيليما كروفت، رئيسة استراتيجية السلع العالمية في شركة RBC Capital Markets LLC في نيويورك: “إنها لعبة دبلوماسية الطاقة التقليدية وتتمثل في عقد الصفقات للحصول على براميل إضافية في السوق”. مضيفة “إن المصالح الاقتصادية الأمريكية والإيرانية تتماشى عندما يتعلق الأمر بالمزيد من البراميل المتاحة للبيع”.
إلى ذلك، قال متحدث باسم وزارة الخارجية إن الولايات المتحدة تواصل تطبيق إطار قوي للعقوبات النفطية وغيرها من العقوبات ضد إيران، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن مستويات التصدير تتقلب بانتظام استجابة للأسعار وعوامل أخرى.
وبحسب الوكالة، لا يتوقع أي من البلدين إحياء اتفاق عام 2015 – الذي تخلى عنه الرئيس السابق دونالد ترامب – والذي سمح لطهران ببيع النفط بحرية مقابل الحد من برنامجها النووي، ومع ذلك، فقد توصل الطرفان في الأسابيع الأخيرة إلى تفاهم بشأن تبادل محتمل للأسرى وتحويل 6 مليارات دولار من عائدات النفط الإيرانية العالقة في كوريا الجنوبية – وهي تطورات تصر إدارة بايدن على أنها غير مرتبطة ببعضها البعض، بل إن هناك تقارير تفيد بأن إيران أبطأت بشكل كبير عملية إنتاج اليورانيوم المخصب الذي يقترب من درجة صنع الأسلحة.
الانفراج المؤقت يمتد إلى تجارة النفط
كما أوضح تقرير الوكالة أن الانفراج المؤقت يمتد إلى تجارة النفط، وبالرغم من أن واشنطن لا تزال غير متسامحة مع المشتريات التي يقوم بها معظم عملاء إيران قبل العقوبات مثل كوريا الجنوبية أو اليابان أو الدول الأوروبية، لكنها مرتاحة بشأن توسيع المبيعات إلى الصين.
وصلت الشحنات الإيرانية إلى الصين وهي أكبر مستورد في العالم إلى 1.5 مليون برميل يومياً، وهو أكبر حجم من المبيعات خلال عقد من الزمن، حسبما ذكرت شركة معلومات السوق كبلر.
فيما قالت شركة تانكر تراكر وهي شركة استشارية أخرى، إن الصادرات تتجاوز مليوني برميل يومياً، كما ارتفع إنتاج إيران إلى 3 ملايين برميل يومياً في يوليو/تموز، وهو أعلى مستوى منذ 2018، بحسب وكالة الطاقة الدولية في باريس.
“إبقاء الأسعار تحت السيطرة”
من جانبه، قال فرناندو فيريرا، مدير المخاطر الجيوسياسية في مجموعة Rapidan Energy Group الاستشارية ومقرها واشنطن: “بايدن على استعداد للنظر في الاتجاه الآخر مقابل قيام إيران بوضع حد لمخزونات اليورانيوم تلك”.
وأضاف: “إلى جانب ذلك، سيكون البيت الأبيض سعيداً برؤية المزيد من البراميل في السوق للمساعدة في إبقاء الأسعار تحت السيطرة”.
وتتوقع طهران زيادة الإنتاج إلى 3.4 مليون برميل في الأسابيع المقبلة، حسب تصريحات وزير النفط جواد أوجي أمام لجنة الطاقة بالبرلمان الإيراني، وفقاً لوكالة شانا للأنباء التي تديرها الدولة وقد يرتفع هذا الرقم إلى 3.6 مليون برميل بحلول نهاية العام، وفقاً لأشخاص مطلعين على الأمر بشكل مباشر.
إذا حققت البلاد هذا الرقم – وهذا يعني أنه بضع مئات الآلاف من البراميل فقط أقل من طاقة إيران الإنتاجية قبل العقوبات البالغة 3.8 مليون برميل – فلن يكون هناك الكثير من النفط الذي يمكن أن تقدمه طهران للعالم في حال التوصل إلى اتفاق رسمي مع الولايات المتحدة.
كما قالت كروفت: “إنهم يقتربون من مستويات ما قبل ترامب” مضيفة: “هناك سؤال بشأن مقدار ما يمكنهم إنتاجه بعد ذلك والسؤال هو: عند أي نقطة يعني تطبيق الحد الأدنى من العقوبات في الواقع رفع العقوبات بحكم الأمر الواقع؟”.
ووفقاً للوكالة الأمريكية يعد انتعاش المبيعات إحدى أكثر العلامات الملموسة حتى الآن على أن إيران – التي تعاني مالياً من سنوات من العزلة – تعيد تأكيد نفسها على الساحة العالمية بعد أن بدأت في إصلاح العلاقات مع منافسيها الإقليميين وتعزيز العلاقات مع الصين القوة الرائدة في آسيا.
زيادة العرض
وتأتي زيادة العرض في لحظة هشة لأسواق النفط العالمية، مع تعثر النمو الاقتصادي الصيني والطلب على الوقود، ويقوض الجهود التي يبذلها نظراء إيران في تحالف أوبك بلس لدعم الأسعار.
وقد زادت السعودية، زعيمة منظمة البلدان المصدرة للبترول، من تخفيضات إنتاج النفط خلال الصيف بمقدار مليون برميل يومياً، ومع ذلك، تراجعت قيمة العقود الآجلة لخام برنت بنسبة 5% منذ أن سجلت أعلى مستوى لها في ستة أشهر في أوائل أغسطس/آب.
في السياق، قال كريستوف رويل، كبير المحللين في مركز جامعة كولومبيا لسياسة الطاقة العالمية، إنه بالنسبة للسعوديين، فإن عودة إيران “لا تمثل مشكلة كبيرة في الوقت الحالي، ولكنها لديها القدرة على أن تصبح مشكلة”.
وسواء كانت الجمهورية الإسلامية قادرة على الحفاظ على صادراتها، أو حتى زيادتها، فسوف تعتمد في البداية على كمية النفط التي يمكن سحبها من المخزون وقد سحبت البلاد ما مجموعه 16 مليون برميل من هذا المخزون ومما هو متوفر على متن الناقلات هذا الشهر، تاركة لها 80 مليون برميل أخرى، وفقاً لشركة كبلر.
ولكن بما أن معظم المشترين لا يزالون بعيدين من حيث الموقع الجغرافي عن إيران، فإن طهران ستعتمد في نهاية المطاف على شهية الصين. وتستخرج بكين البراميل الإيرانية لملء احتياطياتها الاستراتيجية، بتشجيع التخفيضات الكبيرة التي تقدمها طهران للتنافس مع الإمدادات الروسية التي ترفضها أوروبا.
ويقول تجار إن الخامين الرئيسيين في إيران يتم تداولهما حالياً بخصم يزيد عن 10 دولارات للبرميل عن خام برنت.
لكن الاستهلاك الصيني يتعرض لضغوط، حيث تواجه البلاد أزمات تتراوح بين البطالة بين الشباب والاضطرابات في قطاعي العقارات والبنوك.
ويشير أحد كبار المسؤولين التنفيذيين في مجال النفط إلى أن استخدام الوقود في البلاد ربما يكون قد بلغ الحد الأقصى لهذا العام.
وقال إد مورس، رئيس أبحاث السلع في سيتي جروب: “إن كمية المخزون من النفط الذي تسعى لجمعه الصين سوف تتراجع في مرحلة ما”. مضيفاً أن “نمو الطلب من بكين يقترب من الانتهاء”.
عقبات استراتيجية
كما أكدت الوكالة أنه لا تزال هناك عقبات لوجستية؛ حيث تجعل القيود المفروضة على الوصول إلى النظام المصرفي الدولي من الصعب على إيران الحصول على أموالها، ومن دون الاستثمار الأجنبي فإنها ستواجه صعوبات في تعزيز طاقتها الإنتاجية.
إضافة إلى ذلك، فإن طهران، المحرومة من الشحن والتأمين الدوليين، تحتاج إلى تأمين ما يكفي من الناقلات من “الأسطول المظلم” لنقل حمولاتها، حيث تعتبر السفن – التي غالباً ما تكون ناقلات قديمة وغير مؤمن عليها والتي تقوم بتعطيل أجهزة الإرسال والاستقبال لتجنب اكتشافها – ضرورية أيضاً لروسيا، التي تم منعها من الشحن التقليدي بعد غزوها لأوكرانيا.